الروائي الأردني الفلسطيني الأصل،
صبحي فحماوي، في روايته الأخيرة "
صديقتي اليهودية" يكتب رواية يمكن وصفها بأنها "طهطاوية"، تقوم في غالبها على حوار بين اثنين، ويغلب فيها صوت بطل الرواية، وذلك من خلال رحلة في عدة بلدان أوروبية، والحديث عن جمالها وحسناتها وسيئاتها.
وصف "طهطاوية" يقصد به أن الرواية من ناحية ما -ككثير من الروايات العربية- تشكل نوعا من الامتداد لعقلية تسعى إلى معرفة
الغرب والاستفادة منه، وتصوير أنماط حياته الحسن الجذاب منها وغير الحسن والجذاب. إلا أن في رواية فحماوي عنصرا آخر هو عنصر السياحة والتعرف إلى أمور في الغرب فضلا عن "التعلم" منه من ناحية أخرى.
وكان رفاعة رافع الطهطاوي قد اشترك في ترؤس بعثة طلابية مصرية إلى فرنسا في القرن التاسع عشر، وكتب عما شاهده وأعجبه أو لم يعجبه، مقارنا أحيانا بين الشرق والغرب، مستحسنا حينا ومستقبحا في آخر، وهو رائد هذا النوع من الكتابة.
وقد توقف الطهطاوي عند حرية المرأة في الغرب دون إعجاب بهذه الحرية، حيث يعتبرها زائدة عن حدها. أما هذه الطهطاوية الحديثة عند فحماوي ففيها احتفاء بالمرأة وتقرب منها وعلاقات ومغامرات.
كما كانت رحلة الطهطاوي إلى فرنسا لاكتساب العلم، فقد كانت رحلة صبحي فحماوي متعددة الغايات.. السياحة والمتعة وشيء من طلب العلم من خلال كون البطل -شأن الكاتب- مهندس حدائق يقصد معرضا أوروبيا للأزهار والحدائق لاكتساب علم جديد، فضلا عن عامل آخر مهم وهو العمل واكتساب المال من خلال استيراد منتجات زراعية جديدة واكتساب خبرة.
العمود الفقري للرواية يقوم على قضية قومية تنعكس من خلال علاقة تربط بين رفيقي الطريق بطل الرواية (جمال) العربي الأردني الجنسية، و(يائيل) اليهودية الألمانية الأصل المولودة في المكسيك.
تبدأ الرواية من خلال سفر في حافلة سياح تنطلق سياحتها من بريطانيا فتجتاز البحر إلى عدة بلدان أوروبية، وصولا إلى أقصى الشمال الاسكندينافي.
تبدأ العلاقة حذرة بين البطل العربي والمرأة اليهودية إلى أن تترسخ العلاقة وذلك بين بلد وآخر، وفندق وآخر، ويصبح الاثنان صديقين بل حبيبين.
الشاغل الأكبر لجمال كان إقناع يائيل بالخطأ الذي ارتكبه اليهود بتركهم مناطق العالم الرائعة التي كانا يشهدانها والحياة الهنيئة فيه والتحول إلى الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
تتطور الرواية بنوع من التحول عند يائيل التي لم تكن تعرف الكثير عن تاريخ فلسطين وعن العرب وتاريخهم. ويحن الاثنان إلى حياة هانئة بعيدة عن القتل والاضطهاد، وقد اكتشفا أن هناك الكثير مما يجمع بينهما لا بين الاثنين، فحسب بل بين الناس العاديين الطيبين من اليهود والعرب. إلا أنهما يفترقان في نهاية الرحلة على أمل اللقاء في المستقبل، ولعل في هذا الأمل رمزا واضحا.
لابد من القول إن لفحماوي أسلوبا قصصيا شيقا، ومادة الرواية تشكل في كثير منها "ثرثرة
أدبية" جميلة. ولأن الكاتب سارد سيال و"كلمنجي"، كما يقال مزاحا في اللغة الدارجة، فقد استطاع النفاذ من "فخ" كانت الرواية معرضة لأن تقع فيه وتسبب مللا، وهو أنها تقوم على حوار بين الاثنين بل تكاد أحيانا تقوم على صوت واحد هو صوت المتكلم أي بطل الرواية.
إلا أن فحماوي من خلال كلام بطله الدائم ينقل إلى القارئ كل شيء بحركية مؤثرة: الحياة في بلد ما، الطعام والشراب والعلاقات الاجتماعية، النساء والرجال والسياسة والمنتجات، الزراعة والصيد.
ينقل إلى القارئ أشكال الناس وصفاتهم وعاداتهم وطرق تفكيرهم في شبه تركيز على المرأة، وانتباه إلى أمور دقيقة هنا كحديثه الدائم عن بطون النساء الضامرة الممسوحة مسحا.
وردت الرواية في 231 صفحة متوسطة القطع، وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان.
وهذه هي الرواية التاسعة لصبحي فحماوي الذي كتب المسرحية أيضا، وحاز على جائزة الطيب صالح عام 2014 عن مسرحية (حاتم الطائي المومياء). وهو مهندس حدائق وعضو الجمعية الأمريكية لمهندسي الحدائق، وقد زرع أكثر من مليون شجرة في الأردن. وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين واتحاد كتاب مصر واتحاد الكتاب العرب في سوريا.
يلفت فحماوي النظر في أنه -وهو المأخوذ بالقضية الفلسطينية- يذكر تفاصيل سياسية عديدة مع أحداثها وتواريخها معلقا عليها، مقارنا بين عذاب سائر الشعوب التي تعرضت للظلم وعذاب الفلسطينيين.
دور جمال في الرواية "يستولي على المسرح كله"، وصديقته تستمع إليه في الغالب، وفي أحيان قليلة تروي لنا شيئا من ذكريات حياتها وأحداثها. إلا أن ميزة فحماوي أنه على الرغم من عدم "الغوص العميق" دائما يستحوذ على الاهتمام ويمنع الملل، بل ويثير الضحك في أحيان أخرى بما ينقله من أمور ظريفة.