نشرت "نيوزويك" تقريرا لناشط سوري من دير الزور، قال فيه إن
النظام السوري وحليفه الروسي يشنان حربا ضد المدنيين، ليس فقط بالأسلحة الخفيفة والثقيلة والمتفجرات، التي لا تميز، ولكن أيضا بالسلاح الاقتصادي، كما فعلوا خلال الشهرين الماضيين في دير الزور.
ويشير التقرير إلى أن الطائرات الروسية قامت في 15 كانون الثاني/ يناير، بإنزال ستة صناديق تحتوي على مساعدات إنسانية في منطقتي الجورة والقصور في دير الزير، وهما منطقتان تحت سيطرة قوات النظام، ويحاصرهما
تنظيم الدولة منذ أكثر من عام.
وتذكر المجلة أن الطائرات الروسية قامت بإنزال ستة صناديق أخرى في 19 كانون الثاني/ يناير، وسبعة في 20 كانون الثاني/ يناير، وأربعة في 25 كانون الثاني/ يناير، مشيرا إلى أن نجاح هذا الإنزال يعني أن النظام قادر على الإنزال وكسر حصار تنظيم الدولة متى شاء.
ويلفت الناشط إلى أن شبكة
روسيا اليوم بثت تصريح رئيس الأركان الروسي سيرجي ردسكوي في مؤتمر صحافي لوزارة الدفاع، حيث قال إن روسيا أرسلت طائرة محملة بـ 22 طنا من المساعدات الإنسانية التي أنزلت لأهالي دير الزير المحاصرين.
ويكشف التقرير عن أن ما حدث في الواقع هو أن قوات من الفرقة 137 من جيش النظام السوري ذهبت إلى مكان إنزال الصناديق، ونقلتها إلى مقر المحافظة في الجورة.
وتورد المجلة أنه بحسب بيانات النظام، فإن ذلك كان لتخزين المواد قبل توزيعها للمدنيين، مستدركة بأنه بعد أن تم تخزين المواد، فإن قوات النظام قامت بنقلها بسرعة إلى شارع الوادي، وبدأت ببيع الطعام بأسعار باهظة، فمثلا علبة السردين (200 غم) بيعت بـ 1200 ليرة سورية (4 دولارات)، وكيلو السكر بسبعة آلاف ليرة سورية (20 دولارا)، وقطع الدجاج المثلج 150 غم بـ 1600 ليرة سورية (5 دولارات).
ويذكر الناشط أن الأمم المتحدة قررت أن تنزل 21 طنا من المساعدات الغذائية على المدينة في شهر شباط/ فبراير، حتى يقوم الهلال الأحمر السوري في دير الزور بتوزيعها، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة كانت تعد عملية الإنزال مجازفة، وحذرت من امكانية تضرر الصناديق خلال العملية، أو أن تسقط الصناديق في أماكن لا يمكن للهلال الأحمر الوصول إليها.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الهلال الأحمر أعلن على "تويتر" بأن الصناديق وصلت دون أضرار أصابتها، لكن مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور قال إن من بين الـ21 صندوقا، تضررت أربعة صناديق، وسقطت سبعة في أماكن لا يمكن وصول الهلال الأحمر إليها، والعشرة الأخرى لا أحد يعرف أين ذهبت.
وتنقل المجلة عن بتينة لويستشر من برنامج الغذاء العالمي، قولها: "لم نقم بأي إنزال من علو في
سوريا، وكانت هناك رياح قوية وبعض المظلات لم تفتح".
وينوه الكاتب إلى أن التناقض بين ما قالته الأمم المتحدة والهلال الأحمر لم يخف على الناس، فالكثير منهم يعتقد أن الهلال الاحمر هو تابع النظام، ويقول إنه من الواضح أن النظام يستخدم سلاح
التجويع، الذي هو سلاح لا يميز، يستخدمه النظام ضد المعارضة والمدنيين، الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعاردضة، بغض النظر عمن يؤيدون.
ويشير التقرير إلى تصريح لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، يصف فيه هذا التكتيك قائلا: "مأساة مضايا ليست هي الحالة الوحيدة، لكن وبشكل عام منذ العام الماضي وصل للنظام السوري 113 طلبا من الأمم المتحدة لإيصال معونات إنسانية، ولم يسمح سوى لـ 13 من هذه الطلبات، وفي الوقت ذاته هناك أناس يموتون، وأطفال يعانون، ليس بسبب إصابة في الحرب، ولكن بسبب تكتيك متعمد اسمه (استسلم أو مت جوعا)، وهذا التكتيك يتعارض بشكل مباشر مع قانون الحرب".
وتبين المجلة أن تنظيم الدولة يستخدم عاصفة الرمل غطاء من القصف الروسي السوري لمواقعه، الذي بدأ الهجوم ضد المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في المدينة، بما في ذلك الحويقة والرشيدية والموظفين والجبيلة.
وبحسب الناشط، فقد بدأ التنظيم بالضغط على الجبهة الجنوبية والقاعدة الجوية في جبل ثردة في الريف الشرقي، وتزامن هذا مع هجمات في الريف الغربي على قرية البغيلية، ركزت على فندق فرات الشام وعلى مخازن ذخيرة في قرية عياش، وقام تنظيم الدولة بضرب الفرقة 137 بالسيارات الفخخة ابتداء، ثم حاول اقتحام مواقع الفرقة.
ويكشف التقرير عن أن السرعة التي تقدم بها التنظيم، وعدد القتلى بين الجنود، بعض المصادر تقدر العدد بـ 135، أديا إلى انهيار معنويات جنود النظام، وهروبهم بأعداد كبيرة من الجبهات، لافتا إلى أن معظم الفارين هم من المجندين حديثا، وتم اعتقال 400 شاب بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية في المناطق التي يحاصرها تنظيم الدولة في الجورة والقصور.
وتلفت المجلة إلى أن سكان الجورة والقصور، البالغ عددهم 183 ألف مواطن، اللتين يحاول تنظيم الدولة أخذهما من قوات النظام، عانوا من حصار خانق منذ 15 كانون الثاني/ يناير، حيث منع الحصار دخول المواد الغذائية، في الوقت الذي أصدر تنظيم الدولة أحكاما تصف السكان بأنهم كفار.
ويجد الكاتب أنه من هنا يكمن الخوف على حياة السكان، فقد يقترف التنظيم مذبحة بحقهم إذا ما استطاع التقدم والسيطرة على المنطقة، مشيرا إلى أن النظام السوري وروسيا ردا بشراسة، حيث قامت طائراتهما بالهجوم على دير الزير وما حولها، بما في ذلك قرية خشام شرق دير الزور، في 22 كانون الثاني/ يناير، والبوليل شرق دير الزور في 19 كانون الثاني/ يناير، وبلدات وقرى الحسينية والجنينة وقرية الشقرة في الريف الغربي في 23 كانون الثاني/ يناير، ومناطق في المدينة ذاتها، مثل "الجبيلة والحميدية والشيخ ياسين وشارع التكايا وكنمات".
وبحسب التقرير، فإن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت بأن النظام وروسيا قتلا 249 مدنيا في دير الزور في شهر كانون الثاني/ يناير، 226 منهم في غارات جوية روسية، مبينا أنه من الصعب التمييز بين النظام السوري وروسيا، اللذين أصبحا الجهة ذاتها، يقصفان أعداء النظام، ويستخدمان التكتيك ذاته بقصف المدنيين.
وتذكر المجلة أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وتقت مقتل 1282 مدنيا خلال شهر كانون الثاني/ يناير، منهم 516 قتلتهم روسيا و679 قتلهم النظام السوري، وهذا يعني أن الطرفين مسؤولان عن 86% من الضحايا المدنيين، وفي المقابل فإن تنظيم الدولة مسؤول عن مقتل 98 مدنيا (أي 7% من مجموع الضحايا المدنيين في شهر كانون الثاني/ يناير).
وتختم "نيوزويك" تقريرها بالإشارة إلى أنه حتى قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فإن النظام قال إنه لن يطبق الاتفاق في بعض المدن، مثل داريا؛ بسبب وجود جبهة النصرة هناك، وكذلك في دير الزور، فلا يسري فيها وقف إطلاق النار؛ لأن النظام يقاتل تنظيم الدولة، مستدركة بأنه إذا استمر النظام في تطبيق تكتيكاته التي لا تميز فإن معاناة المدنيين ستستمر.