يتعرض آلاف
المعتقلين داخل
السجون المصرية، وذووهم، لعمليات "
ابتزاز" تديرها ما يسمى بـ"مافيا السجون"، من أجل تسهيل إجراءات الزيارة، وتوفير بعض الاحتياجات الضرورية للمعتقلين، وفق الأهالي وناشطين حقوقيين.
وفي مقابل اكتظاظ السجون بأكثر من 60 ألف معتقل من رافضي الانقلاب، تكتظ ساحات السجون بذوي المعتقلين في وقت الزيارة، وبحقائبهم المكتظة ببعض الأطعمة أو الأدوية أو الملابس الداخلية التي يحتاج إليها المعتقلون، لكن هذه الحالة تشكل فرصة سانحة للسجانين للتكسب، عبر الحصول على ما يسمى "إكرامية"، أو "دخان"، أو "بقشيش"، أو "الشاي"، وهي تعابير تعني في المحصلة "رشوة" أو "ابتزاز".
المال يفتح الأبواب
نجلاء طه، زوجة الصحفي هاني صلاح، كانت لها تجربتها الخاصة، في سياق سعيها توفير بعض ما يحتاجه زوجها المريض داخل سجن العقرب، ثم سجن ليمان طرة، "فالدفع يفتح لك الكثير من الأبواب المؤصدة"، وفق قولها.
وقالت لـ"
عربي21": "أضطر إلى دفع أموال من أجل تحسين المعاملة أثناء الزيارة، وإدخال بعض الاحتياجات الأساسية له في بعض الأحيان، ولكنهم في الداخل لا يقولون لنا ما يتعرضون له من ابتزاز، حتى تسير الأمور".
وأضافت: "قد لا يطلب منك أحد بشكل مباشر أن تدفع، ولكن هيئة العسكري أو الجندي توحي لك بأنه لن يدعك حتى تدفع له، وإلا ستتعرض لمضايقات، من زيادة مدة الانتظار، أو عدم إدخال ما تريده"، مشيرة إلى أنه "طالما يدفع المعتقل في الداخل أيضا فهو في بحبوحة من أمره قليلا".
أشكال الابتزاز
أما في سجن العقرب، سيء الصيت، فتقضي الإجراءات المشددة هناك بعدم السماح بدخول أي شيء لزيادة التنكيل بالمعتقلين، ولكن تبقى أبواب الاستغلال كثيرة داخل السجن.
تقول شيرين العزب، زوجة وزير الشباب والرياضة السابق أسامة ياسين، إن سجن العقرب مختلف تماما عن باقي السجون، "ليس نزاهة منهم، ولكن لزيادة التنكيل، والضغط على المعتقلين وذويهم، لضمان عدم دخول أي شيء لهم، أو تيسير زيارة ذويهم لرؤيتهم".
وأضافت لـ"
عربي21": "هناك أبواب أخرى للابتزاز، فالعائلات تضع آلاف الجنيهات في الأمانات من أجل ذويها، من أجل تمكينهم من شراء وجبات أو مياه من الكانتين ولكن بأسعار باهظة، فمثلا تباع لهم الفاكهة بالقطعة الواحدة، ويصل سعر الوجبة إلى مائة جنيه، فطعام السجن (التعيين) لا يؤكل".
آلاف الجنيهات كل شهر
كما أكدت منار الطنطاوي، زوجة مدير مؤسسة "مدى الإعلامية"، هشام جعفر، المعتقل في سجن العقرب، أن تجربتها الشخصية هي الأولى من نوعها، وأنها سمعت عن وجود عمليات دفع في السجون.
وأضافت لـ"
عربي21": "لا يتم إدخال شيء من الزيارة إلا القليل، فمن بين كيلو تفاح أو اثنين لا يدخل له غير تفاحة واحدة أو اثنتين، حتى الملابس لا يتم إدخالها إلا بالقطعة الواحدة، ولا يُسمح بدخول طعام"، مشيرة إلى أن الأهالي "يضعون آلاف الجنيهات في الأمانات كمصروف للمعتقلين، ورغم ذلك تبدو حالتهم مزرية".
وأكدت أن أموال المعتقلين "تُستنزف داخل المعتقل، ولقد روى لنا البعض أن حبة البرتقال تباع بثلاثة جنيهات، وهكذا، وذلك قبل مضاعفة الأسعار في الآونة الأخيرة، مشيرة إلى المعتقلين "يعانون من الأمراض، برغم ما يتم وضعه من أموال طائلة كل شهر لهم".
الدفع أولا
صحفيون وحقوقيون استطاعوا أن يوثقوا بعض حالات الابتزاز في تقارير حقوقية أو صحفية. وفي هذا الصدد تقول عضو مؤسسة الدفاع عن المظلومين، مروة أبو زيد: "ذوو المعتقلين مضطرون لدفع المال كي يحصلوا على معاملة آدمية، وعلى حقهم المشروع الذي كفله القانون والدستور".
وأكدت لـ"
عربي21": "يتعرض الكثير من الأهالي لمعاملة سيئة إذا لم يدفعوا بشكل جيد"، مشيرة إلى أن "المال يُدفع بشكل غير مقنن، وفي الخفاء، لأمناء الشرطة والمخبرين كرشوة لهم".
وشددت على أن هذا الأمر "يمثل عبئا ماليا على أهالي المعتقلين تضاف إلى أعباء تكاليف الزيارة، وليس كل الأسر تستطيع تحمله، لذلك يجد هؤلاء معاملة في غاية السوء أثناء الزيارة، ولا يستطيعون تلبية احتياجات ذويهم، تحت مسمى ممنوع".
ابتزاز وفساد
من جهته، وصف الباحث في الملف الحقوقي المصري بجنيف، أحمد مفرح، ما يتعرض له المعتقلون وذووهم بـ"الابتزاز". وقال لـ"
عربي21": "ما يحدث داخل السجون هو ابتزاز صريح، واستنزاف تمارسه سلطات التحقيق، ووزارة الداخلية".
وأضاف: "نستطيع أن نوصح هذا الأمر في جانبي: "الأول ما له علاقة بالطرق القانونية التي تستعمل لجباية الأموال من الضحايا وأسرهم عن طريق الغرامات والمكافئات التي تدفع بالملايين شهريا للإفراج عن المعتقلين والمحتجزين. والأمر الثاني يدخل في دائرة
الفساد واستغلال النفوذ من جانب منتسبي وزارة الداخلية مقابل تسهيل الإجراءات على الأهالي والمحتجزين أثناء الزيارات، أو أخذ أموال مقابل إعطاء مساحة أو تغيير مكان احتجاز بعض الأشخاص، أو إدخال الطعام والشراب، مشيرا إلى أن العملية تهيمن عليها "مافيا ابتزاز وفساد"، بحسب وصفه.