كتاب عربي 21

الثورة المصرية.. "حصيلة يومين"!

1300x600
مصر قبل يومي 15 و25 أبريل ليست هي مصر قبلهما!

فهناك جديد حدث، لا يتمثل فقط في عودة الثوار كما كانوا من قبل "أمة واحدة"، لكن في أن كثيرين أفاقوا الآن ووقفوا على أن "الحداية لا تلقي كتاكيت"، وأن العسكر ليسوا مؤهلين لإقامة دولة مدنية، وأن من اجتباه مبارك واصطفاه ورقاه مديرا للمخابرات الحربية، لا يمكن أبدا أن يكون تعبيرا عن ثورة يناير أو امتدادا لها، وأن من اعتقد هذا هو تماماً كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه.

ولهذا، فلم يكن غريباً وقد ذهبت السكرة وحلت الفكرة، أن نجد من يتصدر المشهد في اليومين سالفي الذكر، من قامت على أكتافهم "حركة تمرد"، التي استخدمها العسكر غطاء ثوريا للانقلاب العسكري، "عمرو بدر نموذجا"، ومن كانوا جزءاً من الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، مثل "عمرو عز" نموذجاً لهؤلاء، وإذ تم القبض على "عز" في مظاهرة (25 أبريل) فقد تم اقتحام وتفتيش منزل "بدر"، وصدر قرار من النيابة العامة بضبطه وإحضاره لأنه شارك في انتفاضة (15 أبريل)!

ولأول مرة منذ الفتنة التي ضربت صفوف ثوار يناير، نوقن أن حلم "وحدة الثوار" ليس بعيد المنال كما كنا نعتقد، وهذه الوحدة كفيلة بأن تعيد الزخم الثوري للشارع المصري، والتي هي قادرة على أن تستكمل مهمتها الثورية في إسقاط النظام!

ولم تبدأ الفرقة بالانقلاب العسكري، وقبيل مظاهرات 30 يونيو 2013، كما يعتقد البعض، فقد كانت البداية مبكرة، لأن "اللهو الخفي" مشى بين الثوار بالنميمة، وعمل على الوقيعة بينهم، ليتمكن بعد هذا من القضاء على الثورة، وقد ساعده في إتمام رسالته السمعة الجيدة للجيش المصري في الوجدان المصري، وهي السمعة التي اكتسبها بعد نصر أكتوبر، ولأنه كان بعيداً عن السياسية والاحتكاك اليومي بالناس فقد كان هذا دور وزارة الداخلية، وهذه السمعة هي التي جعلت الثوار في يوم جمعة الغضب (28 يناير) يهتفون بقدوم قوات الجيش، باعتبار أن هذا الحضور هو لحمايتهم، قبل أن يكتشفوا بعد قليل أنه جاء لتقديم "المؤن والذخيرة" لقوات الأمن!

في أيام الثورة، وإلى يوم موقعة الجمل، كان أداء الجيش يثبت أنه جزء من أدوات مبارك في الحكم، كما أن ممارسات المجلس العسكري بعد التنحي كسلطة حكم، كشفت عن حجم العداء من قبل "المجلس" للثورة، وهو ما عبر عنه المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع في اتهام مبارك بقتل الثوار في شهادته من أن الثورة فعل خارجي!

لقد اتفق كثير من الثوار على ضرورة التميز بين المجلس العسكري المعين من قبل مبارك والجيش المصري، وهتفوا بسقوط حكم العسكر، ومع هذا فكل الأطراف كانت تسمع لهذا "اللهو الخفي" على نحو مكنه من تبديد شملهم، واستمر الحال على هذا النحو إلى أن وقع الانقلاب العسكري ، وإذ كان ضحاياه أمكنهم الوقوف على هذا "اللهو الخفي" فإن غيرهم وجدوا أنهم أمام الممثل الحقيقي للجيش الذي حمى الثورة، قبل أن يكتشفوا الآن أنه هو "اللهو الخفي"، الذي وقف وراء مقتل الثوار في التحرير، وفي أحداث محمد محمود، وأمام ماسبيرو، وأن من يعمل لخدمة المصالح الإسرائيلية ومن فرط في حق مصر في مياه نهر النيل، لا يمكن أن يكون أبداً جمال عبد الناصر!

كان الثمن باهظا لكي نصل إلى هذه اللحظة، التي أعادت الثوار أمة واحدة، واستشعارهم لهذه الحقيقة، كانت سبباً في تخلي كل طرف عن الشعارات التي تفرق، وبعضها إنساني مثل شعار "رابعة"، الذي هو تعبير عن أكبر جريمة إنسانية في التاريخ المصري الحديث، وعندما ينقشع الغبار يمكن للجميع أن يقفوا على حجمها، عندئذ تكون مصر قد ردت الاعتبار لإنسانيتها، لكن الوصول إلى هذه المرحلة لابد أن يبدأ بمرحلة يتم الانتصار فيها للثورة، ولا يكون هذا إلا بوحدة الثوار، وكانت البداية في مظاهرة يوم الجمعة (15 أبريل)، وكانت الهتافات جامعة أعادتنا إلى أجواء الاستقامة الثورية في (25 يناير) فالشعب يريد إسقاط النظام، والثورة تستهدف "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية"، والهتاف يدعو لمحاذاة الأكتاف، وإلى وحدة الدماء.

وفي الطرفين، يوجد من يعز عليه أن تصل الثورة إلى هذه اللحظة، لكن الحركة على الأرض تجاوزت دعاة الفرقة من الطرفين، وإن كان من شهادة تذكر هنا فإنه في مواجهة بعض الوجهاء من الطرف الذي انحاز لـ(30 يونيو) من ثوار يناير، فإنه من الطرف الرافض للانقلاب والمؤيد للشرعية، ليس هناك إلا أطرافا ليس على مركزة ونقطة ارتكازه؛ فهم من الأنصار والمؤيدين، الذين هم خارج كل التنظيمات، سواء تنظيم الإخوان بأجنحته المتصارعة داخلياً، أو التنظيمات الإسلامية الأخرى، بل لا أكون متجاوزاً إذا قلت إن "الاصطفاف" كان هم هذه التيارات مبكرا، وكنت أظن أنه صعب المنال، ولو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم.

لقد كتب صديقي الصحفي اليساري "محمد منير" وهو من دعاة الوحدة وأحد رعاتها في يوم (15 أبريل) تعليقاً غاضباً لأن الإخوان المسلمين، ليسوا جادين في موضوع الوحدة، فهم يتطاولون عليه ويعلقون على "بوستاته" بتجاوز وانحطاط، لأنهم من وجهة نظره لا يميزون بين الاشتراكي والناصري. والأخير بدا موقفه انتهازيا في انحيازه للعسكر وللثورة المضادة، وإذ علقت عليه زميلتنا الصحفية اليسارية أيضا "إكرام يوسف" بأن قيادات الإخوان الذين سجنوا مع الإخوان إبان حكم عبد الناصر يعرفون الفرق، إلا أنهم يمارسون الخلط عن عمد بهدف تشويه موقف الاشتراكيين!

وقد اتصلت بالزميل "منير" لأسأله سؤالاً سألته لنفسي قبله ومثل لي مفاجأة ونحن ننظر لمن يتطاولون علينا على مواقع التواصل الاجتماعي على أنهم "الإخوان" قلت: هل تستطيع أن تذكر لي اسما واحداً من قيادات الجماعة له موقف ضد "لم الشمل" و"وحدة الثوار"، بل من أي مستوى تنظيمي داخل جماعة الإخوان؟ في حين أستطيع أن أسمي لك في المقابل: "رفعت السعيد"، و"خالد علي"، والحقوقي "جمال عيد"، ومواقف أحزاب كـ "التجمع" و"الاشتراكي" و"الدستور"، فقد أعلنوا أنهم لن يشاركوا في مظاهرات أعلن الإخوان مشاركتهم فيها، صحيح أن "علي" و"عيد" حضرا لأن الجماهير حضرت بكثافة، لكن حضورهما كان على قاعدة من جاء يبتغي منافع له، خوفاً من نجاح الثورة في غيابه!

الصورة ليست قاتمة، فالبيان المنسوب لمن يسمى بالقائم بأعمال حزب الدستور، الذي جاء فيه أنه ليس للإخوان مكاناً في ميادين الثورة تعرض لنقد وهجاء من أعضاء في الحزب، على نحو كاشف بأن الرجل غير المعروف لدينا يعبر عن نفسه، أو عن جهات بعينها تخاف من الوحدة، وتعلم أن "قوتنا في وحدتنا"، وهو الشعار الذي رفعه الرئيس محمد مرسي في "جولة الإعادة" من الانتخابات الرئاسية، فارتفع به من خمسة ملايين صوت في الجولة الأولى إلى ثلاثة عشر مليوناً مكنته من الفوز على مرشح الدولة القديمة الفريق أحمد شفيق!

وكانت الأزمة في أن الرئيس لم يخرج بهذا الشعار إلى موقع التنفيذ، هل كان يستقوى بالجيش؟ في والواقع أن جميع الأطراف خانت الثورة بالغيب بالاستقواء بالجيش، ولأنه لا مبرر "لتقليب المواجع" فمن حسن الحظ أن الثوار أعادوا على الأرض وجدتهم لا يضرهم من ضل، وهو ما أرعب السيسي، بشكل فاق رعبه من الملايين التي خرجت عقب الانقلاب، لأنه كان يعلم أن الملايين بلا ثمن ولا دية، وأنه يثاب غربيا لأنه يواجه الإسلاميين، لو أنه يعلم أن وحدة الثوار خطر عليه، لأنها هي التي أسقطت زعيمه مبارك وحملته على التنحي، وهو يدرك أن يده مغلولة في التعامل مع ثورة تجمع كل ألوان الطيف السياسي ضده.

لقد حول السيسي القاهرة إلى ثكنة عسكرية، ومع هذا خرج الثوار في يوم (25 أبريل) بذات الهتافات المشتركة التي هتفوا بها في (14 أبريل) وهي نفسها التي هتفوا بها في ثورة يناير.

لقد عدنا لأجواء يناير، وما جرى خطوة يمكن البناء عليها، فلا يوجد حاكم يمكنه عند اندلاع المظاهرات المتكررة الهروب خارج القاهرة، مرة إلى "جبل الجلال"، على الحدود الشرقية، ومرة إلى "الفرافرة" في الصحراء الغربية وعلى بعد (627) كيلومترا من القاهرة، والمظاهرات لن تتوقف حتى تحقق الثورة هذه المرة أهدافها. فقد عرف الثوار مصدر قوتهم، وقد عرفوا جميعاً من هو "اللهو الخفي"!

"قوتنا في وحدتنا".