نشر موقع "ميدل إيست آي "مقالا للباحثة لارا نيلسون، بدأته بالإشارة إلى نص كتب على لافتة رفعها المواطنون في بلدة
داريا، أمام بيت هدم في القصف، حيث يقول النص: "
الأمم المتحدة هي شريك
الأسد الصامت في إبادة داريا".
وتقول الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "بلدة داريا وقعت تحت حصار النظام لما يقارب الأربع سنوات، تم خلالها إلقاء 9017 برميلا متفجرا على البلدة من طائرات الهليوكبتر التابعة للنظام، ولذلك لقبت الأمم المتحدة البلدة بـ(عاصمة
سوريا للبراميل المتفجرة)، وكان في داريا حوالي 8300 مدني، و1200 مقاتل من الجيش السوري الحر، وكانت البلدة مثالا لما يمكن أن يكون مستقبل الديمقراطية في سوريا، فكان مجلس البلدة يتصرف كأنه حكومة في توفير الخدمات، والعمل جنبا إلى جنب مع الجيش السوري الحر في المنطقة".
ويستدرك الموقع بأنه "بدلا من العمل مع المجلس المحلي، فإن الأمم المتحدة اختارت العمل مع من كان يلقي البراميل المتفجرة، ففي كل مرحلة من العملية وافقت الأمم المتحدة على رغبات النظام فيما يتعلق بداريا، حيث سمحت بأقل مستوى من المساعدات الإنسانية، ووافقت أخيرا على صفقة الإخلاء، التي تم بموجبها إخلاء البلدة من سكانها".
الجوع حتى الركوع
ويشير المقال إلى أن نظام الأسد مسؤول عن أكثر من 90% من حالات الحصار في سوريا، مستدركا بأنه بالرغم من قرارات مجلس الأمن، التي تسمح بدخول المساعدات عبر محاور الصراع، إلا أن الأمم المتحدة استسلمت لاستراتيجية النظام بدخول المناطق التي يسمح لها بدخولها فقط.
وتذكر نيلسون أن البيانات تظهر أن حوالي 96% من المساعدات تذهب إلى مناطق النظام، في الوقت الذي لا تصل فيه إلى مناطق المعارضة سوى 4%، ونتيجة لذلك، فإن كل الوفيات بسبب الجوع في سوريا حصلت في مناطق المعارضة، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تتم فيه تقوية المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، فإنه يتم تجويع مناطق المعارضة، وتعريضها للبراميل المتفجرة.
ويلفت الموقع إلى أن استراتيجية "الجوع حتى الركوع"، التي يعترف بها النظام، عادة ما تتوج بهدنة محلية، تتوسط فيها الأمم المتحدة وتدعمها، مشيرا إلى أن مشهد خروج المدنيين المجوعين من بلدات تم تحويلها إلى أكوام من الركام، تصاحبهم سيارات الأمم المتحدة البيضاء اللامعة، أصبح مشهدا مألوفا.
ويجد المقال أن دور الأمم المتحدة لم يكن عبور المحاور، وتقديم الغذاء للمحتاجين، لكنه كان الاستسلام، وتسهيل استراتيجية التجويع، والإبعاد القسري، التي يستخدمها النظام، مبينا أن الأمم المتحدة كانت مشاركة في شهرين من المفاوضات حول صفقة إخلاء داريا، بالرغم من إنكارها لذلك، حيث أكد قائد الجيش الحر أبو جمال في أول مقابلاته بعد الإخلاء، أن مشاركة الأمم المتحدة بصفتها وسيطا وضامنا كانت شرطا من شروط إبرام الصفقة، بالرغم من إصرار الأمم المتحدة على أنها "لم تستشر، ولم تشارك في التفاوض على الاتفاق".
وتقول الكاتبة إن "الكثيرين يعدون صفقات الإخلاء هذه (تطهيرا عرقيا)، وقد انتقلت عائلات شيعية للعيش في حمص، بعد اتفاق 2015، ويبدو أن الزبداني تسير بالاتجاه ذاته، وأول صورة رأيتها بعد إخلاء داريا هو قائد مليشيا شيعية عراقي يؤم الصلاة في مقاتليه بين أنقاض بيوت البلدة، كما ظهرت لاحقا أسواق تبيع ممتلكات السكان المسروقة في الشوارع، وشوهد الأسد بنفسه يسير في شوارع البلدة في اليوم الأول من العيد مع مجموعة من الوزراء".
وتضيف نيلسون: "لقد بدأت ثقافة الاستسلام والالتزام برغبات النظام في بداية الثورة عام 2011، عندما هدد النظام بسحب تأشيرات موظفي الأمم المتحدة، إن هي قامت بإيصال المساعدات إلى درعا، فالتزمت الأمم المتحدة، ومنذ ذلك التاريخ أصبح هذا هو ديدنها، وتمت التضحية بمبادئ حيادية الأعمال التي تقوم بها الأمم المتحدة و(أوتشا)، واستقلاليتها وإنسانيتها، بالضبط مثل الزوجة المعنفة، التي تتحمل الاعتداء؛ خوفا من خسارة كل شيء، فإن الأمم المتحدة تخلت عن مبادئها كلها للبقاء في سوريا".
ويبين الموقع أن "قائمة الفضائح تبوح بالكثير؛ حيث تم الكشف عن وثائق للأمم المتحدة تم إرسالها بعد عرضها على الحكومة، للتخفيف من صورة المجاعة في البلد، وقامت منظمة الصحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة، بتوظيف زوجة نائب وزير الخارجية شكرية مقداد، مستشارة للصحة النفسية للنازحين، وتم الكشف مؤخرا عن عقود بملايين الدولارات مع منظمات تابعة للنظام، وأشخاص على قائمة الحظر، بما في ذلك مبلغ 8.5 ملايين دولار لمؤسسة خيرية أنشأتها وترأسها زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد".
ويوضح المقال أنه "نتيجة لذلك، فإن 70 مؤسسة إغاثة قامت بتعليق التعاون مع الأمم المتحدة، قائلة إن الأسد اكتسب تأثيرا (جوهريا وكبيرا) بالسيطرة على جهود الإغاثة في سوريا، كما أن الأمم المتحدة عدت الإنزال الجوي، الذي اقترحته المجموعة الدولية لدعم سوريا في موعد أقصاه الأول من حزيران/ يونيو، (غير ممكن) في مناطق المعارضة".
وبحسب الكاتبة، فإن الأمم المتحدة اعترفت عام 2009، قبل عامين من الأزمة السورية، بأخطائها في سريلانكا، حيث أدى إصرارها على العمل من خلال الحكومة إلى إضعاف عملها تماما، مشيرة إلى أنها بعد أقل من عامين من سريلانكا، فإن الأمم المتحدة عادت لترتكب الأخطاء ذاتها في سوريا على مستوى لا يمكن تخيله.
وتقول نيلسون إن "الأمم المتحدة لم تكن دائما كذلك، ففي يوغوسلافيا عام 1994، التزمت بقوة بمبادئها، وواجهت القائد البوسني الصربي رادوفان كاراديتش في استخدامه التجويع سلاحا في الحرب، وقامت بإيصال المساعدات عبر محاور الصراع، دون انتظار إذن من أحد".
ويفيد الموقع بأن "هناك بدائل موجودة في سوريا، بدلا من العمل مع النظام، فمناطق المعارضة كلها في أنحاء البلاد تديرها مجالس محلية، ومنظمات تدعم المجتمعات المحلية، وكانت داريا مثالا رائعا لذلك، ونسقت الأمم المتحدة مع هذا المجلس في المرتين اللتين أدخلت المنظمة فيهما مساعدات إنسانية للبلدة، وعندما توسطت في الصفقة كان المجلس، وفيه ممثلون عسكريون هم من فاوضوا على بنود الاتفاق، التي تم بموجبها إجلاء الجيش السوري الحر إلى إدلب، وتمت إعادة توطين السكان المحليين في ريف دمشق".
ويذكر المقال أن "هذه المجالس تعمل بما لديها، وفي ظروف صعبة، لكنها تدعم الحياة في هذه المناطق، وتقوم بتحقيق التحول الذي لطالما وعد به المجتمع الدولي، لكنه لم يحققه، وبالطبع يعارض النظام عمل الأمم المتحدة مع هذه المجالس؛ لأنها تشكل نواة سوريا الديمقراطية الجديدة".
وتبين الكاتبة أنه "في المقابل يبقى التناقض الأسود هو أن المنظمة التي قامت على احترام حقوق الإنسان، انحنت لرغبات نظام ارتكب أشنع جرائم الحرب، من استخدام للأسلحة الكيماوية، إلى القنابل العنقودية، إلى البراميل المتفجرة، إلى الفسفور الأبيض والنابالم، إلى التعذيب على مستوى كبير، إلى القتل الممنهج للمعتقلين، والتهجير الجماعي".
وتلفت نيلسون إلى أن "النظام السوري قام بإلقاء قنابل حارقة وصفها السكان بأنها (نابالم) على المستشفى الوحيد في بلدة داريا، قبل إخلائها بعشرة أيام، ما تسبب بحرق المستشفى بالكامل، هذا هو وجه (الحكومة) التي تصر الأمم المتحدة على العمل معها".
ويختم "ميدل إيست آي" مقاله بالقول إن "الأمم المتحدة تتمسك بالتزامها بالعمل مع الحكومة ذات السيادة في سوريا، لكن أليس هناك نقطة تشير إلى أنه عندما تتخلى الدولة عن القيام بواجباتها لحماية مواطنيها، فإن الحكومة فيها تخسر سيادتها؟ كما أن الحكومة مسؤولة عن 95% من القتلى المدنيين في الحرب الأهلية السورية، لكن الأمم المتحدة توقفت عن متابعة إحصائيات الضحايا منذ سنوات".