ترى صحيفة "نيويورك تايمز" أن التحدي الإرهابي في الخارج، وتداعياته على الولايات المتحدة، يعد مشكلة معقدة وكبيرة ستواجه الرئيس الأمريكي المقبل.
وتقول الصحيفة في افتتاحيتها، التي ترجمتها "
عربي21"، إن "النزاعين في كل من
سوريا والعراق ظلا مصدر إحباط للولايات المتحدة دبلوماسيا، واستنزفا الموارد العسكرية، ووفرا أرضا خصبة لتفريخ المتطرفين لتنظيم الدولة، الذين نشروا الدم والدمار في المنطقة والغرب".
وتضيف الافتتاحية أن "الطبيعة المتعددة للمشكلة كانت واضحة هذا الأسبوع؛ وقف إطلاق النار في الحرب الأهلية السورية يبدو على حافة الانهيار، وفي الوقت الذي تحضر فيه الولايات المتحدة للسيطرة على مدينة الموصل، التي يسيطر عليها
تنظيم الدولة، وقعت الهجمات الإرهابية على نيويورك ونيوجرسي ومينوسيتا، وعليه، فإن الرئيس المقبل، الذي سيخلف الرئيس أوباما، سيواجه هذه التهديات، وسيفهم الروابط التي تربط فيما بينها".
وتشير الصحيفة إلى أن "أوباما اكتشف أنه لا يوجد حل سهل لأي من هذه المشكلات، ولا لمصادرها، أو تداعياتها، وهو ما يشير إلى غياب النقاش في الحملات الرئاسية حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع هذه القضايا".
وتبين الافتتاحية أن "المرشحة الديمقراطية
هيلاري كلينتون ردت بطريقة هادئة على الهجمات الأخيرة على الولايات المتحدة، وقدمت علاجا لمشكلات الشرق الأوسط، تبدو منطقية، باستثناء فرض مناطق الحظر الجوي، التي تثير التساؤل، ورفضها الرئيس أوباما؛ لأتها تحمل مخاطر المواجهة مع روسيا".
وتلفت الصحيفة إلى أن "المرشح الجمهوري دونالد
ترامب لم يقدم أي شيء تقريبا، باستثناء نشر الفزع والأفكار التي تصب النار على الزيت، بما في ذلك اقتراح (الفحص المتشدد)، الذي قد يمنع المسلمين من الهجرة لأمريكا، وبعيدا عن نزعته الانتقامية، فإن هذا النهج لن يساعد إلا المتطرفين، ويغذي المشاعر المعادية للولايات المتحدة بين المسلمين المعتدلين في كل مكان، وفي الوقت ذاته يزعم ترامب أن لديه خطة لهزيمة المتطرفين، لكنه يرفض الكشف عنها، وربما لأنه لا يملك أي فكرة حول ما يجب عمله".
وتنوه الصحيفة إلى موعد الانتخابات، الذي يقترب، فلم يبق لها سوى سبعة أسابيع، وتقدم صورة عن الوضع في المناطق التي تشهد نزاعات في الخارج والداخل، وتقول إن أوباما يبدو يحقق تقدما في
العراق، حيث خسر تنظيم الدولة هناك نصف أراضيه، وتقوم القوات الأمريكية، إلى جانب القوات العراقية والكردية، بوضع الخطط لاستعادة الموصل قبل مغادرة الرئيس أوباما البيت الأبيض، حيث تعد الموصل واحدة من كبرى المدن العراقية، وظلت معقل التنظيم منذ عام 2014.
وتتوقع الافتتاحية معركة شرسة في الموصل، خاصة أن آلافا من مقاتلي التنظيم يتمترسون فيها منذ عامين، مع أن عددا من قادة التنظيم قتلوا في الفترة الأخيرة، مشيرة إلى أنه حتى لو استطاع الأمريكيون دفع الأكراد والعراقيين للعمل معا، فإن عليهم رسم خطط تمنع المليشيات الشيعية المدعومة من إيران من دخول المدينة؛ منعا للتوتر بينها وبين السنة، الذين يعيشون هناك.
وترى الصحيفة أن تحرير الموصل لن ينهي هذه التعقيدات، متسائلة: "كيف تقوم قوات التحالف بقيادة أمريكا بمنع تنظيم الدولة ومقاتليه من الهرب، وإعادة تنظيم أنفسهم من جديد؟ وماذا يمنع سقوط المدينة في حال استمرت الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد متشرذمة وغير قادرة على بناء بلد يتمتع فيه السنة والشيعة والأكراد بحقوق متساوية؟ وهل ستتوفر الأعمال والمساكن لأهل الموصل الذين عانوا سنوات من الحرمان؟ وهل سيتمكن الرئيس المقبل من منع تحول حقول النفط، التي يسيطر عليها الأكراد، إلى نقطة توتر جديدة؟".
وتفيد الافتتاحية بأن "ساحة المعركة في سوريا مختلطة أكثر، فإن هناك حروبا متداخلة بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والمعارضة له، وبين المعارضة المدعومة من أمريكا وتنظيم الدولة، وبين تركيا والأكراد، وفي الوقت ذاته تقوم روسيا وإيران بدعم النظام السوري بالقوة العسكرية، أما الولايات المتحدة والدول العربية السنية، مثل السعودية، فتقوم بمساعدة المعارضة، التي تعمل إما بالتعاون أو الشراكة مع جبهة النصرة، التي سمت نفسها بجبهة فتح الشام، ما يصعب التفريق بين الصالح والطالح".
وتورد الصحيفة أن الولايات المتحدة تقوم بقصف مواقع تنظيم الدولة، ونشرت قوات خاصة، ومستشارين عسكريين، إلا أن أوباما رفض التورط العسكري الواسع في حرب أهلية طائفية، وذكرت الصحيفة يوم الأربعاء أنه يفكر بتسليح أكراد سوريا، لافتة إلى أن هذا التحول قد يؤدي إلى تسريع عملية استعادة مدينة الموصل، لكنه قد يزيد من التوتر مع تركيا.
وبحسب الافتتاحية، فإن إدارة أوباما، رعت في الأسابيع الماضية اتفاقا لوقف إطلاق النار، الذي يهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية، وفتح الباب أمام المفاوضات السياسية، التي تؤدي إلى خروج الأسد من السلطة، بشكل يسمح للمقاتلين بالتركيز على قتال تنظيم الدولة وجبهة النصرة، مستدركة بأن نجاح الاتفاق يعتمد على الروس ونظام الأسد أيضا، وهو ما بدا واضحا في هجوم يوم الاثنين على قافلة المساعدات الإنسانية، وقد حملت واشنطن موسكو مسؤولية القصف.
وتقول الصحيفة إنه "حتى لو استمر وقف إطلاق النار، وبدأت مفاوضات الانتقال السياسي، فيجب أن تبحث واشنطن وحلفاؤها عن طرق للتعامل مع الملايين الذين شردتهم الحرب، والقوى الأجنبية من تركيا إلى إيران وروسيا وحزب الله، وفيما إن كانت ستقدم الأسد لمحكمة الجنائيات الدولية، بالإضافة إلى قادة تنظيم الدولة وبعض فصائل المعارضة، بتهم ارتكاب جرائم حرب".
وتجد الافتتاحية أن "الرئيس المقبل يجب أن يواجه المتطرفين الذين يريدون دخول أمريكا لتنفيذ عمليات إرهابية فيها، أو من يعيشون في داخل أمريكا وليسوا مرتبطين بجماعات إرهابية في الشرق الأوسط، لكنهم يستلهمون أفكارهم منها، كما في حالة أحمد خان رحمي، المتهم بعمليات في مانهاتن ونيوجرسي، الذي تقول السلطات إنه استلهم أفكاره من (الأخ ابن لادن)، وغيره من النماذج الذين استلهم منهم للقيام بتنفيذ عمليات".
وتذكر الصحيفة أن مؤسسات فرض القانون استطاعت منذ 11/ 9 إحباط معظم العمليات الإرهابية، مستدركة بأن هجمات بوسطن، وأورلاندو، وسان برناندينو، جعلت الكثير من الأمريكيين يعتقدون أن الإرهاب أصبح قريبا منهم.
وتختم "نيويورك تايمز" افتتاحيتها بالقول: "لا كلينتون ولا ترامب لديهما فكرة حول كيفية مواجهة أفراد يتصرفون بناء على شرورهم الشخصية، وربما لا أحد لديه أدنى فكرة عن ذلك، وما هو واضح هو أن المعركة ضد المتطرفين يجب شنها على جبهات متعددة، أيديولوجية، وثقافية، وعسكرية، ودبلوماسية، وحتى يكون الرئيس المقبل ناجحا فعليه معالجتها كلها".