أحرزت قوات النظام السوري، مدعومة بالمليشيات، تقدما جديدا باتجاه مدينة
الباب، بريف
حلب الشرقي، مؤخرا، وباتت على مشارف المدينة من الجهة الجنوبية، في حين تراوح قوات "
درع الفرات" المدعومة من تركيا؛ مكانها منذ أسابيع.
وفشلت فصائل "درع الفرات" المدعومة من قبل تركيا، في اقتحام المدينة من تخومها الشمالية، بعد مرور حوالي شهر على وصولها إلى مشارفها، إثر سيطرة قواتها على بلدة قباسين الاستراتيجية.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس المجلس العسكري في مدينة الباب، أبو محمد الناعس، لـ"
عربي21"، إنّ السبب الرئيس لفشل عمليات الاقتحام من المحور الشّمالي للمدينة، يعود إلى المقاومة الشرسة التي يُبديها التنظيم، إضافة إلى كثرة الألغام التي زرعها على مشارف المدينة، فضلا عن إرساله عشرات العربات المفخخة في التصدي للهجمات التي تقوم بها فصائل درع الفرات على المحور الشمالي من من مدينة الباب.
ويؤكد القيادي في عملية درع الفرات استمرار دعم التحالف الدولي والطيران التركي؛ لمقاتليه على الأرض، من خلال تكثيف الغارات الجوية على معاقل التنظيم في المدينة.
وفي المقابل، لوحظ سرعة تقدم النظام، وتساقط القرى والبلدات أمامه الواحدة تلو الأخرى. وفي هذا السياق، يشير الناشط الإعلامي أحمد المحمد، عضو المعهد السوري للعدالة، في حديث لـ"
عربي21"، إلى أنه النظام سيطر في حملته الأخيرة على قرى أعبد، برلهين، طومان، الشيخ دن، عفرين، الصفة، مران، شامر، صوران، دير قاق، المشيرفة، خربشة، تل رحال، سليمة، السربس، الحسامية، أم العمد، الدرعية، الدكرلي، خان حفيرة، المديونة، قرية البريج، وكلها في ريف الباب الجنوبي الغربي.
ويمهد النظام لتقدمه بالقصف الجوي والمدفعي، ودفع ذلك الأهالي للنزوح لمناطق أكثر أمنا، فأهالي دير حافر والقرى القريبة منها، وفق أحمد المحمد، نزحوا إلى مسكنة والمناطق القريبة منها.
واعتبر الناعس هذا التطور تهديدا لقواته، مشيرا إلى أنّ إعاقة أي طرف لتقدم قواته، سواء من قبل النظام، أو قوات سورية الديمقراطية، سيكون هدفا مشروعا لتلك القوات، مؤكدا في الوقت ذاته أنّ الهدف الأول والأخير لـ"درع الفرات"، هو السيطرة على مدينة الباب.
ويُرجع عسكريون تقدم النظام السريع لأسباب عسكرية وسياسية، ولعل أبرزها ارتياح قوات النظام وتفرغها بعد خروج الثوار من حلب، وهدوء جبهات الريف الغربي لحلب نتيجة الخلافات بين الفصائل هناك، ناهيك عن حشد
تنظيم الدولة لقواته ضد درع الفرات وعدم التمسك بالمناطق أمام هجمات النظام، فيما يدعم النظام تقدمه بسياسة الأرض المحروقة من خلال التغطية الجوية والنارية الكثيفة.
ويتهم خبراء عسكريون تنظيم الدولة بتسليم المناطق للنظام. ويقول العقيد أديب العليوي لـ"
عربي21": "انسحب عناصر التنظيم من أكثر من عشرين قرية في ريف الباب دون قتال، وأصبحت تادف الملاصقة للباب تحت السيطرة النارية لقوات النظام".
ويرى طلال عابو، رئيس مجلس مدينة الباب، أن تنظيم الدولة يفضل الانسحاب أمام النظام على تسليم المدينة للثوار، مضيفا: "داعش، وبتوجيه فكري مشوه يوهم عناصره أن قتال المسلم المرتد (الثوار) أولى من الكافر (النظام)، ناهيك عن العمالة الموجودة في صفوفه"، وفق قوله لـ"
عربي21".
وهناك اتفاق على أن ثمة أسبابا سياسية تقف وراء تأخر قوات درع بالسيطرة على مدينة الباب، يقول العقيد العليوي: "الباب ليست استعصاء، وإنما هناك صراعات وتجاذبات دولية تتصارع على المدينة".
ويفسر عابو تأخر تركيا بحسم الأمور في الباب بأمور تتعلق بما بعد الباب، معتبرا أن "الهدوء التركي باتجاه المدينة يفسر بالبحث عن تفاهمات دولية بخصوص المدينة ومدينة منبج (الخاضعة لسيطرة الوحدات الكردية) وغيرهما".
وربما يكون السبب السياسي أقوى من العسكري، رغم شراسة التنظيم في الدفاع عن مدينة الباب ضد قوات درع الفرات. ويقول عابو: "حُمِّلت المدينة أكثر من حملها، مما جعل الحل متوقفا على التفاهمات السياسية أكثر من القوة العسكرية".
ويرى عابو أن النظام يهدف من تقدمه الأخير نحو مدينة الباب؛ لخلط الأوراق، ولا سيما بعد مشاركة الروس للأتراك بعمليات القصف الجوي. ويضيف: "تقدم النظام جنوب الباب هدفه التشويش، وإعاقة إكمال عملية درع الفرات، فيما يرى العقيد العليوي أن الهدف تأمين مطار كويرس ورسم العبود".
وتأتي هذه التطورات مع حديث الإدارة الأمريكية الجديدة عن دراسة إقامة مناطق آمنة. ومن يفرض سيطرته على المدينة أولا سيرسم الخارطة الجغرافية الجديدة.
ففي حال سيطرة النظام على الباب، سيصبح على تماس مع حليفته قوات
سوريا الديمقراطية؛ في منبج شرقا، بل ربما يصل لمنبج، وعندها سيدق المسمار الأول في نعش قوات درع الفرات التي ستصبح متقوقعة في جزيرة محاطة من ثلاث جهات.
وهذا ما يفسر حرص على الوصول للباب. فقد استشعرت قوات درع الفرات خطر التطورات الأخيرة، وسرعت وتيرة أعمالها العسكرية لتدارك ما فات. فقطعت طريق حلب الباب القديم، وسيطرت على قريتي الغوز وأبو الزندين جنوب غرب الباب.
ويقول أنس شيخ ويس، قائد فيلق الشام، في الشمال السوري: "نعتقد أننا سنحرر الباب من داعش، ولا أخفي أننا غير مرتاحين من تفريغ داعش المناطق أمام الإيرانيين وعصابة الأسد"، على حد قوله لـ"
عربي21".
والباب مهمة لتركيا لمنع مشروع الدولة الكردية، ولإنجاح المنطقة الآمنة التي طالما نادت بها.
ويقول عابو: "تركيا لن تتنازل عن مشروعها بإقامة المنطقة الآمنة، وخاصة بعد كل هذا التجييش".
إلى ذلك، أكد مصدر مطلع في مدينة الباب، لـ"
عربي21"، استقدام تنظيم الدولة لعدد من المؤازرات العسكرية إلى المدينة، من معاقله في الرقة وريفها.
وكان الجيش التركي قد قال في بيان نُشر على موقعه الإلكتروني في 28 كانون الثاني/ يناير؛ إنّ تنظيم الدولة يستعد للانسحاب من مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، ونقل مقراته إلى قرية تادف جنوب شرق المدينة.
من جانبه، قال القيادي في عملية درع الفرات، مصطفى سيجري، لـ"
عربي21"، إنّ مقاتليه قد يضطرون إلى إحداث تغيرات في الخطط العسكرية للسيطرة على مدينة الباب، في ظل تحصّن التنظيم في الأبنية المأهولة بالسكان، واستخدام الأهالي كـ"دروع بشرية"، ما خفف من فعالية الغارات الجوية على معاقل التنظيم في المدينة، وفق سيجري.
وتتهم مصادر أهلية وحقوقية الغارات الجوية الروسية والتركية بالتسبب بمقتل عشرات المدنيين من أهالي مدينة الباب، حيث يشير الناشط الحقوقي، محمود الأمين، في حديث لـ"
عربي21"، إلى مقتل أكثر من 25 شخصاً خلال الأيام القليلة الماضية، نتيجة الغارات.
من جهته، اتهم الناعس؛ تنظيم الدولة باستخدام الأهالي دروعا بشرية، مع إلى منعه لهم من الخروج من المدينة، فضلاً عن زرعه مئات الألغام في الطرقات لإعاقة هروب أي مدني من المدينة، وهو ما تسبب بمقتل العشرات ممن حاولوا الهرب إلى خارج الباب، بحسب الناعس الذي تحدث عن تأمين قواته خروج عشرات العائلات من قلب المدينة، عبر طرق خاصة، وأنه تم نقلهم إلى أماكن آمنة بعيدة عن الاشتباكات.