يكشف تقرير "مسلخ
صيدنايا" الذي نشرته منظمة "العفو" الدولية، عن ممارسة تعذيب وحشي ومروع بحق نحو 13 ألف سجين قبل أن يعدموا شنقا، في عمليات إعدام جماعي.
ومارس النظام السوري تعذيبا ممنهجا في السجن العسكري القريب من العاصمة دمشق، يلقي الضوء على ممارسات غير أخلاقية تمت بحق المعتقلين، بأساليب تذكّر بمعسكرات الاعتقال النازية في ألمانيا في عهد الديكتاتوري النازي، أدولف هتلر.
إلا أن هذا التشابه غير مقطوع الصلة تاريخيا، إذ إن المنظومة الأمنية السورية الحالية بنيت على عهد حافظ الأسد والد رئيس النظام الحالي، الذي تبين أنه استعان بضابط نازي مستشارا لبناء هذه المنظومة الاستخبارية للتعذيب.
والعسكري النازي الكبير الذي عمل لدى الأسد الأب، يدعى ألويس برونر، قام بنقل أساليب الطرق الاستخبارية للتعذيب وانتزاع الاعترافات التي كانت تمارس أثناء الحكم النازي، وصارت هذه الأساليب تعرف في سجون تدمر وصيدنايا وعدرا خصوصا، التي اشتهرت بارتكاب الفظائع.
ويعود مصدر الأساليب الوحشية في
التعذيب في سجون نظام الأسد وفق ما رواه الكاتب السوري إبراهيم الجبين، إلى خبرات الضابط النازي برونر في الاستجواب والتعذيب، التي طور عليها النظام السوري مع الزمن.
وأشار في حديثه لـ"
عربي21" إلى أن أساليب التعذيب التي تمارس بحق المساجين المنقولة من طرق الاستجواب النازية باتت تترك أثرا نفسيا لا يمحى مع الزمن، الأمر الذي أكدته شهادات ناجين من المعتقل.
وبالعودة لبرونر، فبعد هروبه من ألمانيا تنكر باسم مستعار هو "جورج فيشر"، وذهب إلى
سوريا، وقدم هناك أساليب "الغيستابو" في التعذيب، وهو أكثر أجهزة الأمن الألمانية شهرة وسرية.
ويربط نشطاء المعارضة السورية بين تعسف "الغيستابو" وما تمارسه قوات النظام السوري اليوم بحق المواطنين السوريين، فقد كان الجهاز النازي يحتجز الأشخاص دون دعوى قضائية، ويقوم بتعذيب المعتقلين قسرا حتى الموت.
من جهته، علق الناشط السوري، محمد الطيب، بالقول إن النظام السوري ارتكب انتهاكات واسعة بحق المعتقلين في سجونه، مشيرا إلى أن الاعتقال يتم أولا بشكل تعسفي، إلى جانب أن العديد من المدنيين اختفوا قسريا لمدة طويلة قبل أن تعلم أسرهم أنهم مسجونون في أكثر السجون وحشية التابعة للنظام.
وقال لـ"
عربي21" إن المعتقلين يتعرضون لشتى أنواع التعذيب، مضيفا أن مساجين نجوا من سجن صيدنايا رووا له قصصا مروعة لما يرتكب في السجن من انتهاكات حقوقية على مستوى جسدي ونفسي.
وطالب المجتمع الدولي بالتحرك لإنقاذ من تبقى في سجون النظام السوري من ويلات ما يتعرضون له بشكل يومي، من معاملة غير إنسانية، وتعذيب ممنهج.
اقرأ أيضا: تفاصيل مرعبة حول إعدام 13 ألف معتقل بسجن صيدنايا (فيديو)
ووفقا لشهادات نقلتها المنظمة الحقوقية "أمنستي"، فإن التعذيب في سجن صيدنايا ينتهي غالبا بالموت، إذ يشهد أبشع أساليب التعذيب لمعاقبة السجناء والمعتقلين، مثل:
- السلق بالمياه الساخنة
- الصعق بالصدمات الكهربائية
- نزع الأظافر
- سياسة التجويع والحرمان من المياه
- الاغتصاب
- أسلوب الاحتجاز مع جثث المعتقلين.
علاقة برونر بالأسد
وقال الجبين لـ"
عربي21"، إن علاقة ألويس برونر بالنظام البعثي في سوريا، ثم بحافظ الأسد، أكدته مصادر عدة موثوقة في أنحاء العالم.
وأضاف أنه يمكن العودة إلى وثائق المنظمات الدولية التي لاحقت برونر وطالبت حافظ الأسد ثم ابنه بشار بتسليمه دون جدوى.
وعاد الحديث عن برونر اليوم، بسبب كونه أحد أبطال رواية "عين الشرق" التي كتبها الجبين، التي تناول فيها ما حدث في سوريا قبل عام 2011، وكيف وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أكدت ذلك في تقرير لها نشرته في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1985، وما أوردته الصحافة الفرنسية، والبريطانية مثل "الإندبندنت".
وأشار الجبين إلى أن برونر نفسه أكد ذلك أيضا، في التصريحات الصادرة عنه لمجلة "دي بونته" الألمانية بداية الثمانينيات.
وكشف الكاتب السوري، أن الضابط النازي استطاع توطيد علاقة وثيقة مع حافظ الأسد وزير الدفاع السوري آنذاك بدءا من عام 1966، من خلال تقربه من مجموعة الضباط البعثيين الذين كانوا يخططون للاستيلاء على الحكم في سوريا بالقوة، ونجاح انقلاب آّذار/ مارس عام 1963.
وأضاف أن الأسد منحه كل ما يلزم لحماية وجوده وأمنه في سوريا، مقابل عمله على إنشاء المنظومة الأمنية الرهيبة التي جسدتها فروع المخابرات والسجون والمعتقلات وغيرها.
وبحسب الجبين، فإن برونر كان مهددا من "ملاحق النازيين" أفرايم زوروف، الذي عمل لسنوات طويلة على ملف "برونر صائد اليهود" في مركز "سيمون ويسنيثال" لحقوق الإنسان، الذي لاحق الكثيرين من فلول النازيين الهاربين في أنحاء العالم.
واستعمل زوروف تعبير "وكيل مخابرات خدم في الشرق الأوسط" في وصفه لبرونر. الذي كان مسؤولا عن قتل أكثر من 128 ألفا من اليهود في قطار الموت الذي ساقهم إلى المحرقة.
"نظرية أمنية نازية"
وفي معرض حديثه، لفت الجبين إلى إن "نظام الحكم في سوريا قام على نظرية أمنية مستوردة من النموذج الأصلي في ألمانيا النازية، فهدفه مطابق تماما للأهداف التي عملت عليها النازية، بالإبادة والسيطرة وفعل كل ما يمكن فعله من الجرائم من أجل حماية النظام واستمراره".
وأضاف أن هذا ينطبق على مظاهر العمل المخابراتي والتغلغل داخل المجتمع جميعها، من خلال العقوبات العنيفة بحق المجموعات البشرية، وحرمان البيئات السورية من التنمية، وبناء شبكة هائلة من السجون المعقدة المتشابكة.
فيتحول جهاز المخابرات السورية إلى هيكل عملاق أكبر من القطاع العام، ليبرم العقود مع العاملين فيه، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين.
اقرأ أيضا: كاتبة تقرير "مسلخ صيدنايا" تكشف تفاصيل مهمة (فيديو)
ويبقى التعذيب هو الآلة الرهيبة الأكثر استعمالا في سوريا، لأنها تمارس يوميا في كل زنزانة من الزنازين المنتشرة على مدى الخارطة السورية.
وهذه التقنيات استعملتها النازية بحذافيرها، بحسب الجبين، بالإضافة إلى بقاء المساجين في المعتقلات لسنوات طويلة دون محاكمة، ودون أن يعرفوا ما هو المصير الذي ينتظرهم.
ومن بين تلك العقوبات أيضا:
- إنزال العقوبات الجماعية التي تشمل المعتقلين وأسرهم وأهاليهم وأصدقائهم.
- تعميم فكر الانتهاك والاغتصاب
- عدم التمييز بين المرأة والرجل والطفل في فرض العقوبات
- الإعدام
ويمكن مقارنة الصور التي سربها "قيصر" من داخل معتقلات الأسد، ومقارنتها بصور الأوشفيز والمعتقلات الألمانية النازية والهولوكوست التي عرضت ما تعرض له اليهود وكل من عارض النازيين، سواء كانوا من الألمان المسيحيين الشيوعيين أو من الأوروبيين الديقراطيين أو الغجر أو غيرهم.
وقرأ الجبين أن جهاز الـ"أس أس" النازي مسؤول عن تطبيق ما سمّاه بـ "الحل النهائي" لمشكلة اليهود، الذي تمثل في إبادتهم بعد تجميعهم في معسكرات اعتقال، "وهذا الحل النهائي هو النسخة القديمة عما سمّاه نظام الأسد بـ"الحل الأمني" لمواجهة الثورة السورية".
والمثير أن هذا الجهاز في عهد هتلر كان بقيادة أدولف أيخمان، ومساعده ألويس برونر ذاته.
وشدد على وتيرة العنف والشراسة في التعامل مع المعتقلين وقتلهم في السجون هي ذاتها، وصار يتم الأمر بشكل اعتيادي في سجون النظام.
وبحسب شهادات أهالي معتقلين فارقوا الحياة جراء التعذيب، فإنه يتم إبلاغهم بضرورة التوقيع على أوراق تقول إن فقيدهم مات تحت تأثير نوبات قلبية أو غيرها، إلى جانب أن النظام يمتنع عن تسليم جثامين القتلى لذويهم، ويقوم بدفنهم في مقابر جماعية.
وعلق الجبين على هذا الأمر قائلا: "ماهو الهولوكوست إن لم يكن هذا الذي يحدث في سوريا في هذه اللحظة؟".
وعرف سجن صيدنايا منذ تشييده عام 1987 بأنه الأسوأ والأكثر قسوة، ويضم على الأغلب المعتقلين السياسيين والمدنيين المتهمين بمعارضة النظام.
ويعرف السجن صيدنايا بـ"السجن الأحمر" وفق ما وصفه نشطاء، ويحتوي على غرف احتجاز منفردة، وحجبت عنه أشعة الشمس بالكامل.