هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أدعو لإعادة هيكلة التيار الإسلامي وإعادة تموضعه بما يجعله أكثر استجابة للتحديات
أطالب بتقديم جيل جديد للقيادة يتمتع بوعي استراتيجي يكمل المسار وفق رؤية جديدة
نظام السيسي يخطط لحقبة استبدادية جديدة..
تعديل الدستور ليس مستبعدا
المعارضة المصرية مُطالبة بوضع مشروع مشترك لمكافحة الديكتاتورية
هناك تحالف مضاد يتشكل لمواجهة "محور الاستبداد الرباعي"
لا بد من انخراط جميع القوى الحية في مشروع واحد جامع يتجاوز الأيديولوجيات
لا بد من تجاوز الحركة النخبوية والانغماس في الحركة الشعبية والجماهيرية
أدعو إلى اتخاذ موقف إسلامي موحد من الحركات التكفيرية والعنيفة
عملية التغيير في غاية التعقيد والقوة المسلحة لا تزيدها إلا تعقيدا
قال الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية المصري، طارق الزمر، إن هناك "حاجة ماسة لصياغة مشروع إسلامي جديد في ضوء المستجدات والمتغيرات الهائلة التي شهدها العالم والإقليم، بل ومجتمعاتنا خلال الأربعين عاما الماضية".
ودعا، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى بلورة "رؤية استراتيجية جديدة قادرة على التعاطي مع الأزمات الاقتصادية والانهيارات السياسية والتصدعات المجتمعية المتوقعة في ضوء المخطط الجاري لإعادة تقسيم المنطقة وربما تفتيتها".
وأكد "الزمر"، الذي أسس ويترأس مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن "هناك ضرورة لانخراط القوى السياسية والشعبية الحية في مشروع واحد جامع يتجاوز الأطر الأيديولوجية، ويرتكز على طموحات الشعوب، ويلبى حاجاتها، وينطلق من مظاهر معاناتها"، مطالبا بوجود رؤية متكاملة للتعامل مع النظام الدولي الحالي ومستجداته المتوقعة.
وكشف عن أن هناك تحالفا مضادا يتشكل اليوم بصورة غير رسمية في مواجهة ما وصفه بمحور الاستبداد الرباعي (في إشارة للدول المحاصرة لقطر)، لافتا إلى أن هذا التحالف المرتقب يشمل "المتضررين من عمليات التدمير الواسعة التي تتعرض لها المنطقة جراء مخططات المحور الرباعي".
وفيما يلي نص المقابلة كاملة:
كيف رأيتم الانتخابات الرئاسية؟ وهل مصر أمام حقبة استبدادية جديدة؟
كما توقعناها، مسرحية خائبة، لم يتم حبك أي شيء فيها، حتى الديكور جاءوا به من عصور سحيقة، كما كان جنون الخوف من المنافس هو أبرز ملامح المشهد، وهو ما أوقع النظام في أخطاء كارثية أخذت طابع العالمية.
كما أن العبط السياسي في الدعاية الانتخابية، والإسراف والبذخ تعارض بشكل فج مع شعار (احنا فقرا قوي). وجاءت المقاطعة الشعبية شبه الكاملة لتؤكد أن الشعب ما زال حاضرا بكل قوة في صفوف المعارضة، وأنه يلقن السلطة دروسا بطريقته الخاصة.
ومقاطعة الشباب أكدت فشل النظام في القدرة على تحقيق أهم أهدافه المعلنة، حيث الاستقرار الذي يحشد له كل مؤسسات الدولة، فضلا عن أن الشباب هو غالبية المجتمع. كما شاهدت بوضوح هستيريا ثورة يناير التي لا تزال متحكمة في كل أعصاب القائمين على النظام، وذلك من خلال محاولة صناعة الطوابير الانتخابية، فضلا عن نسبة الحضور، ثم جاء الرقص أمام اللجان لجذب الجمهور؛ ليكشف فضيحة التستر على نسبة الحضور الباهتة، وعدم احترامهم للدولة ولا تقاليد ممارسة السياسة.
وكان الحشد الطائفي الكنسي مدللا على كارثية الحسابات المتحكمة، سواء من قبل الحكم أو الكنيسة، وكانت حشود كوادر الحزب الوطني ورجال أعماله كاشفة عن أي عصر نعيش كما كشفت كيف أن البيض الفاسد يتراكم في سله واحدة، ثم جاءت حشود كبار السن والعواجيز لترسم قسمات وجه النظام وتضع حدا لعمره الافتراضي.
أما عن الحقبة الاستبدادية الجديدة، فهذا ما يخطط له النظام فعلا، وليس مستبعدا تعديل الدستور مثلما فعل السادات قبل وفاته مباشرة، وهو تصور غير مستبعد في ضوء حرص النظام على خفض كل رؤوس المعارضة، ووضع سقف جديد منخفض للمعارضة في مصر لا يطمح للتغيير أبدا، وهو من خصائص الثورات المضادة التي تغلق كل الأبواب التي أدت للثورة، لكنها تفشل دوما.
ما هي أهم جوانب القصور والإخفاق التي تعاني منها حركة المعارضة المصرية؟ وكيف يمكن معالجتها؟
أولا: تمزق الساحة السياسية برغم أنه قد وضح للجميع أننا لن ننتصر على الطغيان بغير توحيد هذه الساحة أو على أقل تقدير ترميمها.
ثانيا: الحرص على التخندق الأيديولوجي برغم أن حجم الخلافات في هذا المقام في مصر هي في أدنى درجاتها إذا ما قورنت بمناطق كثيرة من العالم، لدرجة أنك لو قلت إن الاستقطاب الأيديولوجي في مصر مصطنع لم تتجاوز الحقيقة، إضافة إلى تعميقه من قبل أجهزة الاستبداد.
ثالثا: عدم القدرة على إدارة الخلاف بينها سواء كانت أيديولوجية أو سياسية برغم أن هذه الإدارة الذكية لهذه الخلافات يمكنها أن تحصن الجبهة الوطنية وتفيد المجتمع والدولة على السواء وتحقق الاستقرار.
رابعا: الخضوع السريع لمغريات أو ضغوطات الاستبداد، والتي يستفيد منها في تعميق وجوده وتكريس قبضته على المجتمع.
أما عن المعالجات اللازمة لحالة المعارضة المصرية، فتبدأ بمائدة الحوار التي لابد وأن ينصت فيها كل الأطراف لبعضهم، ويحددوا تصورهم للمرحلة الحالية، ووضع مشروع مشترك لمكافحة الاستبداد والديكتاتورية وعدم السماح بعودتها مرة أخرى للأراضي المصرية.
هل تم إحكام الحصار على الحركات الإسلامية من خلال الاستهداف العالمي والمحلي الحالي؟ أم ما تزال أمامها فرصة لتحقيق مشروعها؟
الحقيقة أن حجم وخطورة الاستهداف العالمي الحالي لكل ما هو إسلامي كبير، وقد رُصدت لذلك تحالفات وقدرات وموارد وصُنعت لأجل ذلك بيئة دولية وإقليمية خطيرة ومهددة. كما أن محاربة كل ما هو إسلامي ارتبطت بمصالح العديد من القوى الدولية الكبرى وبالتبعية بعض القوى الإقليمية، ومن تجليات ذلك الإعلان عن حرب عالمية مفتوحة ضد ما أسموه إرهابا برغم أنهم لم يتفقوا على تعريفه حتى الآن، وذلك لأن كل قوة دولية أو إقليمية تقوم بتعريفه من خلال مصالحها.
وفي هذا الإطار، تم وضع حركات المقاومة المشروعة وفق القانون الدولي ضمن الحركات الإرهابية، ولما لم تسعفهم بعض الحركات المسلحة في تبرير حربهم العالمية لجأوا إلى تصنيع إرهاب أو اختراق تنظيمات إرهابية للتحكم في مساراتها أو تمديد عمرها.
لكني أتصور أن هذه التحديات بما فيها البيئة الاستراتيجية الجديدة التي تم استحضارها وصناعتها خصيصا لمقاومة تنامي الظاهرة الإسلامية وامكانيات تحولها لمشروع نهضة كبيرة في المنطقة أمامها تحديات كبرى، كما يمكن للإسلام المعاصر والمشروع الجديد أن يتعامل معها بكفاءة ويتجنب آثارها الضارة بسهولة.
والمخطط الحالي لاستهداف الإسلام المعاصر يعتمد على مخطط جديد لإعادة تفكيك المنطقة وتمزيق روابطها المجتمعية وتفجيرات مستودعاتها السكانية الكبرى، كما رأينا في سوريا والعراق، وهو مخطط ردئ لن يتمكن بحال من إعادة إحكام السيطرة على المنطقة، بل يمكن أن يكون فرصة جديدة لطموحات الشعوب التي ليس أمامها أي أمل في الحياة الكريمة سوى بالاعتماد على ذاتها واستعادة سيادتها على بلدانها، وهو ما تجلى من قبل في الربيع العربي الذي كان في أحد أوجهه كفر صريح بنظم الاستبداد التي لم تقدم شيئا لشعوبها على مدى ستين عاما وكفر أصرح بالنظام الدولي الذي لم تر منه شعوبنا سوى الدعم المصبوب على نظم الاستبداد لتقوي قبضتها على شعوبها وتمارس هوايتها في القمع والقهر والفساد.
وهناك ضرورة لانخرط القوى السياسية والشعبية الحية في مشروع واحد جامع يتجاوز الأطر الأيديولوجية، ويرتكز على طموحات الشعوب، ويلبى حاجاتها، وينطلق من مظاهر معاناتها. ويجب التأكيد على الثقة بالذات الحضارية وقدرة هذه الأمة على استعادة مواقعها مهما كانت التحديات.
ما هي أهم أخطاء التيار الإسلامي خلال الأربعين عاما الماضية من وجهة نظركم؟
هذا سؤال هام جدا؛ لأننا بكل أسف ما زلنا نفتقد ثقافة النقد الذاتي والتقييم الدوري، خاصة فيما يتعلق بالحركات المجتمعية والسياسية، وهي قضية جوهرية، لا سيما بالنسبة للحركات التي ترى نفسها ضميرا لمجتمعاتها، فمن باب أولى أن يكون ضميرها مستيقظا دائما.
أما عن الأخطاء، فكان أبرزها تصور بعض الحركات لبعض الوقت أنها يمكن أن تغير أوضاع مجتمعاتها السياسية والاقتصادية والثقافية عن طريق العنف، وهو ما يتعارض مع عملية التغيير السياسي والاجتماعي بالغة التعقيد، والتي لا يزيدها العنف إلا تعقيدا، وذلك برغم أني أرى أن غالبية الحركات التي اتجهت للعنف كان ذلك بضغط نظم الاستبداد على أعصاب الشباب أو باستدراجهم حيث المعركة الأسهل للنظم العسكرية والديكتاتورية عموما هي ضرب ومحاصرة نفوذ الحركات المسلحة.
والخطأ الثاني هو تصور البعض أن التصور الصحيح للوجود هو في بناء الجماعات ككيانات موازية للمجتمعات، بينما البناء الرشيد هو الذي يجعل الحركات الإسلامية شرايين مجتمعاتها تقوم بدور حيوي لصالح استمرار حياتها كما لا يمكن فصلها عنها.
وتمثل الخطأ الثالث في عدم وجود قيادة وخطة استراتيجية طويلة المدى لاستثمار وتوظيف الطاقات الهائلة التي كانت ولا تزال ترى أن المشروع الإسلامي هو الأولى والمؤهل لإنقاذ بلادنا ومجتمعاتنا. وكان الخطأ الرابع هو استهلاك كثيرا من الجهد والوقت في صراعات ونزاعات هامشية.
أما الخطأ الخامس فتمثل في عدم التجديد في هيكل القيادة عبر الانتخابات، وعدم إتاحة الفرصة لجيل جديد يتبوأ موقع القيادة العامة أو يؤهل لها على أقل تقدير، ولهذا فأنا أرى أن ثورات الشباب في 2011 كانت في أحد جوانبها هي ثورات على قيادة الحركات المعارضة إسلامية وغير إسلامية، كما أنها كانت ثورة على الأطر التقليدية لحركات المعارضة التي تكلست، والتي تم توظيفها بشكل أو بأخر لصالح بقاء نظم الاستبداد، كما طرحت بقوة فكرة الخروج من أسر التنظيمات إلى الفضاء الشعبي الرحيب، والذي بدونه لن يتحقق أي إصلاح أو تغيير في بلادنا.
وما هي أهم ملامح المشروع الإسلامي القابل للتحقق وفق المعطيات الجديدة؟
الحقيقة أن الحاجة أصبحت ماسة لمشروع إسلامي جديد أو بمعنى أدق إعادة طرح هذا المشروع في ضوء المستجدات والمتغيرات الهائلة التي شهدها العالم والإقليم، بل ومجتمعاتنا خلال الأربعين عاما الماضية، وهو ما يستدعي رؤية استراتيجية جديدة ترصد المستجدات والمتغيرات التي شهدها العالم منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، حيث بدأ تدشين نظام عالمي جديد أهم برامجه هو استهداف ما أسموه بالإسلام السياسي، والذي يسمونه مرات عديدة بالإرهاب الإسلامي، كما لابد من تلمس مساحات الحركة الممكنة من خلال الصراع الدولي الذي يتصاعد بين قوى كبرى تتنافس على الهيمنة.
ونحن بحاجة رؤية استراتيجية جديدة قادرة على التعاطي مع الأزمات الاقتصادية والانهيارات السياسية والتصدعات المجتمعية المتوقعة في ضوء المخطط الجاري لإعادة تقسيم المنطقة وربما تفتيتها، كما لابد من إعادة هيكلة التيار الإسلامي وإعادة تموضعه بما يجعله أكثر استجابة للتحديات الجديدة، وأن يحافظ على مواقعه الهامة التي نجح في احتلالها في قلب الأمة.
وهناك ضرورة ملحة لتقديم جيل جديد للقيادة يتمتع بوعي استراتيجي يكمل المسار وفق رؤية جديدة أكثر استشرافا للمستقبل وأكثر استجابة لطموحات وقناعات الشباب الذين يمثلون الغالبية في مجتمعاتنا.
لا بد من التسليم بأن القيادة المفتقدة لا تقتضي البحث عن الزعيم الملهم، فهذا نمط من القيادة تجاوزته الأوضاع المعاصرة وأصبحنا بحاجة إلى مأسسة القيادة، وأول خطوة في هذا الاتجاه توجب بناء هيكل جديد للقيادة يقوم بدوره عن طريق أجهزة متخصصة فاعلة وقادرة ولا يترك الأمور للعشوائية أو الارتجال.
ويجب إعادة تقديم أو إعادة صياغة المشروع الإسلامي بما يقدم أولويات العدالة الاجتماعية والحرية على غيرها من الأولويات، وذلك في إطار رؤية كلية تعيد تعريف التيار الإسلامي وموقعه من جسد الأمة باعتباره الشرايين الموصلة للحياة في أرجائه وليس مجرد أجهزة تنفس صناعي تعمل من خارج الجسد ويمكن فصلها لأي سبب مع مراعاة عدم السماح مطلقا بمخططات عزل التيار الإسلامي أو انعزاله عن جسد الأمة.
وكذلك، لابد من التأكيد على أن دور التيار الإسلامي هو توعية الأمة وتهيئتها للقيام بدورها وليس القيام بالواجبات نيابة عنها، والانخراط في الحركة الوطنية من خلال مشروع يستوعب كل القوى الحية بشتى تناقضاتها في إطار العمل على تخليص بلادنا من الديكتاتورية والاستبداد، وذلك بهدف حرمان الاستبداد من ذريعته الدولية الأقوى في البقاء حيث منع التيار الإسلامي من الوصول للحكم، فضلا عن تمزيقه للساحة السياسية بين إسلامي وغير إسلامي.
وينبغي أن يكون هناك إقرار بتنوع الاجتهادات وتعدد المسالك في طريق عام هدفه النهضة بالأمة وتخليصها من كل قيود التبعية وعوامل التخلف مع الاستفادة من التجارب الجادة ولاسيما تجربة العدالة والتنمية في تركيا، والذي نجح بشكل ملحوظ في مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية عدة ما أحوجنا إليها، وكذلك التجارب التنموية الناجحة في العالم الثالث، والتي استطاعت أن تصيغ رؤية شاملة تنقذ بلادها برغم التحديات والعقبات الكثيرة.
وأدعو إلى اتخاذ موقف إسلامي موحد من الحركات التكفيرية والعنيفة، والتي أصبحت عبئا على الإسلام ولا تصب إلا في مصلحة خصومه مثل تنظيم داعش، فضلا عن إفراغ الوسع في المعارك الرئيسية التي تعيد الأمة لدورها، وتجنب الوقوع في مستنقع الخلافات والصراعات الجانبية والهامشية التي استنزفت قوتنا ودعمت قوة خصومنا.
كما لابد من تجاوز الحركة النخبوية والانغماس في الحركة الشعبية والجماهيرية، فلسنا بديلا عن الجماهير وإنما ضميرها الحي. ولا مفر من بناء نظرية معاصرة للدولة وللممارسة السياسية تقوم على الشراكات الكبرى بين كافة أطياف المجتمع وعدم ترك مساحات بينية لحركة الخصوم تسمح بهندسة مجتمعاتنا كما يريدون وتسمح لهم بتفجيرها عند الحاجة.
ولابد من وجود رؤية متكاملة للتعامل مع النظام الدولي الحالي ومستجداته المتوقعة، وكذا مركزية الحضارة الغربية التي وضعت على النقيض من حضارتنا وهددت وجودنا على مدى عدة قرون.
دائما ما توكد على ضرورة التمسك بالسلمية وتنتقد الحركات العنيفة وخاصة تنظيم داعش ومع ذلك فقد تم إدراجك في قائمة الإرهاب الرباعية وتم اتهامك مؤخرا بدعم تنظيم داعش في مصر.. ما ردكم؟
الحقيقة أنني من خلال تجربتي في القرن الماضي من خلال الدعوة لاستخدام القوة وصلت لقناعات كبيرة بعدم جدوى ذلك ولاسيما إذا كنا بصدد عمليات تغيير سياسي واجتماعي لأن عملية التغيير هذه في غاية التعقيد ولا تزيدها القوة المسلحة إلا تعقيدا.
وهذا التفكير ليس به شبه مجاملة للنظم المستبدة الجاسمة على صدورنا وتنتهك كل شيء في حياتنا حتى المقدس منه، فلم يعد هناك ذرة من شك أن مناهج التغيير المسلح وجماعاته الآن أصبحت هي طوق النجاة لنظم الاستبداد، وعندنا حالات واضحة جعلتهم يخلقون جماعات مسلحة إذا لم تفرزها سلطاتهم الظالمة وقوتهم الغاشمة.
ولهذا فقد كنت ولازلت أدعو بعد مراجعاتنا عام 1997 التي يعلمها القاصي والداني إلى ضرورة انتهاج العمل السلمي، ودعوت قبل الثورات بعشر سنوات إلى الانخراط في الإصلاح السياسي والاستعداد للتغيير الجماهيري، وهو ما وثقته في رسالتي للدكتوراه حينها. وتجربتنا واضحة في ذلك ولا سيما أثناء سنوات الثورة المصرية وبعد الانقلاب العسكري في مصر.
أما عن اتهامي مؤخرا بدعم تنظيم ولاية سيناء فهو اتهام كوميدي أكثر منه أي شيء أخر، وقد عودنا النظام الحالي على هذه الكوميديا السوداء، وذلك لأنني أدنت التنظيم بمجرد ظهوره استنادا إلى عقيدته التكفيرية واستباحته لكل ما هو محرم سواء كانوا من المسلمين أو المسيحيين أو الأجانب الغربيين، وفيما أعلم ليس هناك حزب إسلامي قام بحملة واسعة للتحذير من التنظيم والدعوة لمقاومته مثلما فعل حزب البناء والتنمية.
بل أنني اتهمت النظام الحالي بالمسؤولية المباشرة وغير المباشرة عن توطين الإرهاب في مصر وخاصة سيناء، وذلك عن طريق اتباع وسائل لا تلغي وجود التنظيم بل ولا تضعفه وإنما تعمق وجوده وتوفر له أسبابا للحياة لم يكن يحلم بها، وهذا كله في ضوء نظرية يعتمدها النظام المستبد منذ عصر مبارك الذي لم يكن له مبرر للحكم سوى التعلق بذريعة مكافحة الإرهاب.
كما يجب ملاحظة أن نظم الاستبداد تسعى بشكل عام لشيطنة معارضيها لمحاصرة أنشطتهم وإنهاء مبررات معارضتهم، وليس هناك أفضل ولا أسهل من تهمة الإرهاب التي كما تحاصر المعارضين فإنها تدعم نفوذ المستبدين وتخلق لهم أسبابا للحياة في ظل مناخ دولي وإقليمي مهيأ لذلك.
لماذا استقلت من رئاسة حزب البناء والتنمية؟ وهل يعني ذلك أن الحزب سيأخذ مسارا آخر غير الذي كنت تحافظ عليه؟
أولا أنا لم أكن أرغب في الترشح لفترة رئاسية ثانية في أيار/ مايو الماضي لأسباب عديدة منها أنني خارج البلاد وبعيدا عن الحزب ومؤسساته، كما أني كنت أرى أن دوري التنظيمي والحزبي يجب أن يتوقف عند هذا الحد حيث أني أفضل الدور الفكري والاكاديمي ولا سيما في هذه السن، لكني نزلت على رغبة بعض إخواني بالترشح للفترة الثانية، والتي تُعد الأخيرة وفق لوائح الحزب، وكانت النتيجة أن حزت على ثقة الحزب للمرة الثانية، ففوجئت بحالة من السخط العارم تتملك الفضائيات الموجهة وحملة واسعة انبرى لها عدد من الكتاب يطالبون بحل الحزب.
ولم يمر شهر على هذا الانتخاب إلا ووجدت أسمي على قائمة الإرهاب الرباعية، والتي رفضتها الأمم المتحدة، وبدأت على التوازي لجنة شئون الأحزاب تُعد قائمة اتهام للحزب تعتبره حزبا إرهابيا، فقررت على الفور الاستقالة ورفع الحرج عن الحزب الذي أعتز به وأثق في قدرة قياداته على التعامل مع هذا الظرف بالغ الصعوبة وأقدر استمرارهم في العمل من داخل البلاد برغم المخاطر التي يتعرض لها كل النشطاء السياسيين والملاحقة بل والتجريم الذي يطال كل الأنشطة.
كما أني على ثقة من مؤسسات الحزب وقراراته الرشيدة ستجد وسيلة للدفاع عن حق الحزب في البقاء فهو من مكتسبات يناير التي نعتز بها وندافع عنها بكل ما نملك.
هل استطاع محور الحصار الرباعي أن يعيد عقارب الساعة للوراء بعد الربيع العربي متذرعا بإعادة الاستقرار؟ وهل هناك تحالف آخر في المنطقة مكافئ لهذا المحور؟
الحقيقة أن محور الاستبداد الرباعي لا يعمل بعيدا عن الظرف الدولي الحالي، والذي يستهدف منطقتنا بكم هائل من المخططات، على رأسها تصفية القضية الفلسطينية، ولهذا فإن هذا المحور لا تزال لديه فرصة للحياة وفق هذا الدعم الدولي، لكننا نوقن بأن كل المخططات مهما كانت ضراوتها والموارد المرصودة لتنفذها لا تنجح ما لم تكن الشعوب داعمة لها، وهو أهم ما تفتقده حملات الاستبداد الحالية فشعوبنا تمر اليوم بمرحلة يقظة تاريخية لم تعرفها منذ ثلاثة قرون ولم يكن الربيع العربي إلا أحد تجلياتها.
ولهذا، فمن غير المتوقع أن تمر هذه المخططات، ومن غير المتوقع أيضا أن ينجح المحور الرباعي في إعادة عقارب الساعة للوراء، وكل المؤشرات الحالية تؤكد أن حملة الثورات المضادة التي يقودها المحور الرباعي لم تنجح في فرض الاستقرار، برغم كل الموارد والأموال التي أنفقوها، وبرغم استخدامهم لأقصى درجات البطش والتنكيل بشعوب الربيع العربي.
كما أتصور أن هناك تحالفا مضادا يتشكل اليوم، وإن بشكل غير رسمي، يجمعه التضرر من عمليات التدمير الواسعة التي تتعرض لها المنطقة جراء مخططات المحور الرباعي، فضلا عن ارتباط هذا التحالف بالدفاع عن حريات الشعوب التي ينالها الكثير من الأذى جراء سياسات محور الاستبداد.