رغم شكلية الخطوة التي
أقدم عليها النظام السوري، بإلغاء مسمى "القيادة القُطرية" لـ"حزب
البعث" الحاكم في
سوريا، والاستعاضة عنه بـ"القيادة المركزية"، ذهب
مراقبون إلى تفسيرها على أنها تحضير من الأسد للحزب، أو ما تبقى منه، للدخول في مرحلة
جديدة.
وكانت صحيفة
"الوطن" الموالية للنظام، أفادت، أمس الأحد، بتوصل اجتماع اللجنة
المركزية لحزب البعث، إلى استبدال اسم "القيادة المركزية" بـ"القيادة القطرية"، ليصبح الأسد أمينا عاما للحزب بدلا من أمين قطري.
وبحسب الصحيفة، فإن
هذه التغييرات صارت مثبتة في الأطر التنظيمية للبعث، الذي صار حزبا غير عابر
للحدود السورية من الناحية التنظيمية، وربما يبقى عابرا لتلك الحدود من الناحية
الفكرية.
وأمام هذا المشهد،
تطفو على السطح تساؤلات عن دلالة هذه الخطوة، وعن المرحلة التي يتحضر الحزب
لدخولها، خاصة أن الأحداث السورية أفقدت هذا الحزب (البعث) حضوره السابق، وأظهرت
دوره الهش في التأثير بمفاصل الحياة السياسية في سوريا، التي يهيمن عليها الأسد
والدائرة الضيقة المقربة منه.
من جانبه، أكد الصحفي
السوري جمال مامو، أنه "تم تحويل
حزب البعث من حزب سياسي أيديولوجي منذ
ثمانينيات القرن الماضي، إلى شكل سياسي بمهام أمنية"، معتبرا أن الوظيفة التي
باتت تشتغل عليها كوادر الحزب، وظيفة أمنية لحماية مصالح النظام والأسد تحديدا،
وتأمين غطاء سياسي للأجهزة الأمنية والعسكرية الحاكمة.
زيادة الرقابة على
المجتمع السوري
وأضاف
لـ"
عربي21"، أن التعديلات الأخيرة تأتي في إطار التحركات التي يقوم بها
الأسد بعد اعتقاده بأنه المنتصر في الحرب السورية، بهدف زيادة رقابته
للمجتمع بطريقة مختلفة عن ما قبل الثورة.
وأشار مامو، إلى أن
"النظام كان يستخدم الحزب سابقا كجهاز أمني، تتوزع مكاتبه في كل المدن
والبلدات والقرى السورية" وقال إن الفترة المقبلة ستشهد تركيزا من النظام على
إعطاء الحزب طابعا سياسيا، للإيهام بأن هناك حركة سياسية في البلاد، تحضيرا
للانتخابات.
وعن دلالة شطب مفهوم
"القومية" من أدبيات الحزب، رأى الصحفي السوري، أن النظام يحاول التخلص
من التركة الأيديولوجية القومية، خصوصا بعد تحميل النظام السوري الأنظمة العربية
مسؤولية جزء مما جرى في سوريا.
أوامر روسية
الباحث في الشأن
السوري، أحمد السعيد، اعتبر أن التعديلات الأخيرة التي يقوم بها النظام هي ناجمة
عن أوامر روسية للنظام، تمهيدا لتفكيك الحزب الذي كان له دور رئيس في ما وصلت
إليه الأمور في سوريا، واصفا البعث بـ"الذراع الأمنية الشعبية لعائلة
الأسد"، وقال: "بذلك الأسد فإن يكمل الخطوة التي بدأها والده حافظ، حين ألغى القيادة القومية للحزب".
ورأى الباحث في تصريح
لـ"
عربي21"، أن كل ذلك يؤشر إلى أن الحل السياسي بات وشيكا، مستدركا
بالقول: "لكنه حل لن يفضي إلى استقرار، طالما أن للأسد دورا فيه".
ومثل السعيد، قال
الباحث في العلاقات الدولية، عبد الستار بوشناق، إن الحل السياسي الذي يتم العمل
عليه من قبل الأطراف الدولية، يأخذ بعين الاعتبار وجود الولايات المتحدة وسيطرتها
على شمال وشرق سوريا، وكذلك تركيا في الشمال، وروسيا في الجنوب.
إلغاء القومية السورية
وأضاف
لـ"
عربي21"، أن "الأسد سيبقى مسيطرا أو متحكما بالساحل السوري
ودمشق والمنطقة الوسطى (حمص وحماة)، وهذا يؤكد أن أي شرط للحل في سوريا، يمر عبر
إلغاء القومية السورية بالشكل الذي كانت عليه سابقا، نظرا لتوزع السيطرة في
الجغرافيا السورية، وسيطرة الأكراد".
وبحسب بوشناق فإن حل
الحزب بدأ منذ فترة، حين تمت إزاحة الأسماء البارزة فيه من أمثال الأمين العام
المساعد لحزب البعث عبد الله الأحمر مع بداية الثورة السورية، ووزير الخارجية
السابق فاروق الشرع.
وأنهى الباحث بقوله،
إن "الحزب تحول إلى تنظيم هلامي ولم يعد له دور في مستقبل سوريا، والمهام
الأمنية في سوريا سيتولاها من الآن فصاعدا إيران وروسيا".