هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمدير مكتبها في بيروت، بن هبارد، يقول فيه إن صفوان العويشي، يفتخر بمشاركته في مظاهرات 2011، التي أطاحت بالديكتاتور التونسي، وأشعلت نيران الربيع العربي التي انتشرت في أنحاء الشرق الأوسط.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن الحياة منذ ذلك الحين كانت صعبة، فلم تمنحه شهادته في الهندسة وظيفة، فيما ترتفع الأسعار بشكل كبير، مشيرا إلى أنه رغم أنه ينتخب كلما كانت هناك انتخابات، فإنه يتساءل متى ستبدأ الديمقراطية بالعودة بالفائدة على الناس أمثاله.
وينقل هبارد عن العويشي، قوله بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية التونسية يوم الأحد: "لقد تحولت الأمور إلى الأسوأ، المزيد من الديون والمزيد من الجريمة.. فكيف تنفعنا الحرية إن لم تكن هناك وظائف؟".
وتقول الصحيفة إن "الانتخابات يوم الأحد كانت معلما جديدا من معالم التحول من الديكتاتورية التي دامت 22 سنة إلى أكثر الدول العربية ديمقراطية، ومع أن المشكلات الاقتصادية والهجمات الجهادية أعاقت تقدمها، إلا أن تونس عملت على البقاء جزيرة من الانفتاح السياسي -وربما نموذجا للآخرين- في منطقة تسودها الحروب والملكيات والرجال الأقوياء والحواجز الطائفية".
ويورد التقرير نقلا عن عدنان براهمي، وهو ابن عضو البرلمان الذي قتل أمام بيته عام 2013، قوله: "في العالم العربي هناك ديكتاتورية، وليست هناك انتخابات، وليس فيه انتقال سلمي للسلطة.. لكن تونس تثبت لهم أن لا شيء مستحيلا".
ويشير الكاتب إلى أن الانتخابات يوم الأحد كانت ثاني انتخابات رئاسية في تاريخ البلد، ومؤشر على التحول الديمقراطي فيها، لافتا إلى أنه على مدى 12 يوما حاول 26 مرشحا من خلفيات مختلفة كسب أصوات الناخبين، وقاموا بتنظيم التجمعات الانتخابية.
وتذكر الصحيفة أن الناخبين ذهبوا إلى مراكز الانتخاب يوم الأحد، ويتوقع صدور النتائج الرسمية في الأيام القادمة، مشيرة إلى أن المحللين لا يتوقعون أن يكسب أي من المنتخبين غالبية مطلقة، ويتوقعون أن يتم التصويت ثانية لاختيار واحد من أعلى اثنين.
ويلفت التقرير إلى أن مكانة تونس حفرت في تاريخ العالم العربي عندما قام بائع فواكه، اسمه محمد بوعزيزي، بإشعال النار في نفسه بعد مواجهة مع الشرطة، ما أدى إلى إطلاق مظاهرات أطاحت برجل البلد القوي، زين العابدين بن علي، في 2011، مشيرا إلى أن ذلك النجاح المفاجئ ألهم الآخرين الذين يعانون من الظلم وسوء الحكم، ما أدى إلى سلسلة من الانتفاضات أطاحت بديكتاتوريين، وأخافت حكومات في طول العالم العربي.
ويبين هبارد أنه "مع الوقت انهارت تلك الانتفاضات كلها، وتحولت إلى عنف، أو جلبت نتائج بعيدة عن الأهداف الأصلية لها، فمصر أطاحت بالديكتاتور الذي حكمها لفترة طويلة، فقط لتنتهي بديكتاتور جديد، فيما تحولت المظاهرات في سوريا إلى حرب أهلية، وفي البحرين قام الحكام السنة بطحن انتفاضة الأكثرية الشيعية بمساعدة السعودية، وتحطمت كل من ليبيا واليمن بسبب الصراع منذ الإطاحة بزعيميهما".
وتنوه الصحيفة إلى أنه منذ توفير الشرارة فإنه يبدو أن تونس مرت في سنوات من تحول الحقائق، وقام كل من العلمانيين والإسلاميين بتقديم تنازلات غير معهودة، وتقدمت جهود بناء الديمقراطية.
ويجد التقرير أن خصوصية تونس كانت واضحة عندما انتهت حملة الانتخابات الرئاسية ليلة الجمعة بتجمعات صاخبة في أنحاء العاصمة تونس، فقد عزفت الموسيقى، واشتعلت الأضواء من ثلاثة مسارح في شارع الحبيب بورقيبة، وهو شارع مليء بالأشجار والمقاهي، وغنى أحد الفنانين وعزف قيثارته لمشجعي أكثر المرشحين يسارية، في الوقت الذي تظاهر فيه مؤيدو النهضة وهم يلوحون بأعلامهم ويهتفون باسم مرشحهم.
ويفيد الكاتب بأنه في الناحية الأخرى قام مغني راب تونسي محاطا بالراقصين، الذين يلبسون قمصانا (هودي) لونها أحمر، بإثارة المشاهدين قبل وصول المرشح الآخر، وزير الدفاع، لافتا إلى انتشار القمصان التي تحمل صور المرشحين في كل مكان، وكانت تحمل عبارات: "انتخبوا أكفأ المرشحين لتونس أفضل" و"نحتاج إلى سيادة".
وتقول الصحيفة إنه في منطقة تقوم فيها الحكومات بتكميم الصحافيين، ومنع عمل المؤسسات الرقابية، فإنه سمح لمراقبي الانتخابات الدوليين الذي يلبسون الإشارات ويحملون دفاتر المذكرات بأن يختلطوا بالجمهور، وسمح الحراس للمراسلين بالتنقل بين التجمعات الانتخابية بسهولة.
وينقل التقرير عن محمد فوزي سويحي، وهو عسكري متقاعد يحضر تجمعا انتخابيا، قوله: "أنا متفائل لأننا في بداية الطريق.. لقد أخذنا أول خطوة منذ خمسين عاما، وسنكون أفضل إن شاء الله".
ويشير هبارد إلى أن انتخابات يوم الأحد كانت مقررة في الشهر القادم، لكن وفاة الرئيس باجي قايد السبسي في 25 تموز/ يوليو، أدت إلى تقديمها ليكون بإمكان الرئيس الجديد أداء القسم خلال 90 يوما، بحسب ما ينص عليه الدستور، لافتا إلى أن ذلك ترك وقتا أقل للتحضير، وتراجعا عن ترتيب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حيث من المخطط للانتخابات البرلمانية أن تجري في 6 تشرين الأول/ أكتوبر، لكن ذلك لم يؤد إلى أي أزمة كبيرة.
وتلفت الصحيفة إلى أن كثيرا من الستة وعشرين مرشحا معروفون بشكل جيد، إلا أن المحللين قالوا بأن العدد جعل من الصعب التنبؤ بمن سيصل إلى جولة الانتخابات الثانية، مشيرة إلى أنه كان من بين المرشحين رئيس الوزراء يوسف الشاهد، ووزير الدفاع عبد الكريم زبيدي، وأستاذ القانون قيس سعيد، وعبير موسى، التي أقامت حملتها على الحنين لعهد الرئيس المخلوع ابن علي.
وبحسب التقرير، فإن هذه كانت هي المرة الأولى التي ترشح فيها حركة النهضة شخصا لمنصب الرئيس، وهو عبد الفتاح مورو، وهو رجل دين عمره 71 عاما.
وينوه الكاتب إلى أن من مفاجآت الانتخابات التونسية اعتقال أحد أكثر المرشحين شعبية بتهمة عدم دفع الضرائب وغسيل الأموال، وهو زعيم شعبوي وقطب في الإعلام اسمه نبيل القروي، مشيرا إلى أنه تمت مقارنة القروي برئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني، الذي كان يستخدم محطة التلفزيون التي يملكها للدعاية لأعماله الخيرية في المناطق الفقيرة.
وتذكر الصحيفة أن اعتقاله قبيل افتتاح الحملة كان يقوم على تحقيق دام ثلاث سنوات، وأدى إلى اتهامات من مؤيديه بأن هناك قوى في البلد تتأمر لمنعه من الترشح، وقالت زوجته سلوى سماوي في مقابلة: "إن من أقل حقوق الإنسان هي أنك بريء حتى يتم إثبات إدانتك، لكن في هذه القضية أنت مذنب حتى نثبت أنك بريء".
ويورد التقرير نقلا عن المحللين، قولهم إنه ليس من الواضح من الذي سيقرر إن كان بإمكان قروي تسلم المنصب إن فاز؛ لأن تونس لم تنشئ بعد محكمة دستورية بإمكانها أن تحكم إن كان فوزه سيمنحه حصانة رئاسية يمكن أن تخرجه من السجن.
ويجد هبارد أنه "بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات، فإنه سيواجه صعوبات جمة في بلد فقد فيه الناس ثقتهم في النظام السياسي، وأكثرهم يشعرون بأن الحياة أصبحت أصعب من ذي قبل".
وتنقل الصحيفة عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، قولها بأن الناخبين شاركوا بنسبة 45%، حيث تراجعت النسبة من 64% في الانتخابات الرئاسية عام 2014، فالتضخم عال جدا، ونسبة البطالة تصل إلى 15%، وهذا أعلى من عهد ابن علي بثلاث نقاط.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن خمسة رجال في العشرينيات والثلاثينيات من العمر كانوا يجلسون على كراس بلاستيكية في ظل شجرة صبر بالقرب من مقهى، مقابل أحد مراكز الاقتراع، وكلهم شاركوا في مظاهرات 2011، لكنهم يقولون إن الثورة فشلت في التعامل مع القضايا التي تهمهم: البطالة وتكاليف الحياة والبنية التحتية الفقيرة، ولم يخطط أي منهم للتصويت.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)