تكشف المواجهة الأخيرة بين طهران وواشنطن، منذ مقتل قائد فيلق القدس
الإيراني قاسم سليماني، أهمية النتائج التي تمخضت عنها وأضيفت لقائمة اهتزاز تيجان الشعارات التي تسلح بها محور طهران، عندما ظن أصحابها أنها صلدة وصلبة، ذلك أن المواجهة وقوانين فعلها تتجاوز الحسابات العقلية الباردة. ومن أبرز هذه القوانين البسيطة، أنه لا شيء بعد المواجهة يبقى كما قبلها، سواء أدرك ذلك حكام طهران ومحورها أم لم يدركوا.
الهدف الإيراني المعلن بالرد على مقتل سليماني برشقة صواريخ على قاعدة "عين الأسد" الأمريكية في العراق، ما لبث أن تلاشى بسرعة لهول الفاجعة التي كُشف عنها باستهداف الصواريخ الإيرانية لطائرة ركاب مدنية تتبع الخطوط الأوكرانية وبقتل جميع ركابها، وكشف كم الأباطيل التي رُوجت عبر النفي المتكرر، بتجنيد طهران لأبواقها الإعلامية لرفع المسؤولية عن تحطيم الطائرة واستهدافها بشكل مباشر، من ثم الاعتراف بعد أيام قليلة بكامل المسؤولية عن الجريمة ونسبها لخطأ "تحديد الهدف".
الخطأ أكبر وأوسع من ذلك الاعتراف، الذي قالت عنه طهران إنه حقق "نصراً" كاسحاً بمقتل 80 جندياً أمريكيا بقاعدة "عين الأسد"، وهو أمر لم يحدث على الإطلاق إلا في بيانات طهران ومحورها الذي فتح منصات تحليله الاعلامي، ونشر بيانات منسوبة لجيوش قالت إنها تنسحب من المنطقة بفعل ضربات طهران الفاشلة، والوقوع مجدداً في فخ الأكاذيب الإيرانية عن بطولات شعاراتها وصواريخها الخارقة لأوهامهم.
ظن بعض أبواق إيران في محورها الممانع أن اعترافها بالجريمة والكذب الذي مارسته منذ الساعات الأولى؛ عمل عظيم من أعمال "
المقاومة" مارسه كل من علي خامنئي بخطبته، وحسن روحاني باستعداده للتعاون مع المجتمع الدولي لفتح تحقيق بالحادث المأساوي.
النفي والتلكؤ المستمر عن الاعتراف بارتكاب الجرائم وممارسة الإرهاب، هما ميزة وجوهر عمل المؤسسة الإيرانية، ثمنه من لحم العراقيين واللبنانيين والسوريين. ألم تعتبر معظم جرائم طهران في المدن العربية مقاومة للمشاريع المعادية؟
حين نراقب تطبيقات الكذب الإيراني وما يخفيه، وافتضاحه وتعريته من ضخامة الجرائم في
سوريا، تبقى متأخرة وعاجزة، وخارجة عن الموضوع والمشروع الإيراني المتعلق باستمرار الدفع ببوصلة الشعارات، وعن المقاومة وفلسطين والقدس والقضية ومواجهة الاستكبار العالمي. فمجرد أن تكون مقولة صواريخ الدقائق السبع لمحو إسرائيل موضع احتفاء وإعجاب شديد في أي حشو توضع فيه مقولات القضية الفلسطينية والشعارات الملتصقة بها في خطب طهران ووكلائها في المنطقة، يكون السعي لتثبيت هذه الأباطيل نفسه بمثابة تدمير لهذه الشعارات، وهو ما تم فعلياً على أرض الواقع حين تجسد أثر البراميل والصواريخ و مرتزقة إيران على أجساد السوريين وفوق حطام المدن والقرى العربية.
عدة عوامل أحدثت تغييرات مهمة على صعيد تعرية السياسة الإيرانية في المنطقة، لتُمثل سياستها وجرائمها في سوريا مع نظام الأسد: تكتيكات الأكاذيب من المستشارين العسكريين، و"حماية المراقد"، ومشروع المقاومة ومواجهة العدو. فالشارع العربي اكتشف هذه الأباطيل قبل الاعتراف الرسمي الإيراني عن جريمة واحدة (إسقاط طائرة مدنية)، وهو الذي منح طهران ووكلاءها ومحورها الصفة الأبرز لممارسة الدجل "العسكري والسياسي والثقافي" في المنطقة، وواجه السوريون أطول الحروب وأقساها وأعلاها تكلفة في المنطقة لتعرية السياسة الإيرانية المستندة على نشر الإرهاب وممارسته. ولا شك أن العجز الدولي إزاء الحدث التاريخي والمذابح التي ارتكبت بحق السوريين من قبل طهران ونظام الأسد بدعم موسكو، كانت له نتائج كثيرة و كبيرة لم تنته ولن تُحصى في المستقبل المنظور.
كل تجربة لا بد أن تفرز دروسها القادرة على تجديد الدم، وتحريك حيوية الذهن التي تؤهل للانتقال لمرحلة جديدة من النضال والمواجهة. وإذا كانت مواجهة طهران الكاذبة لواشنطن وتل أبيب في العراق وسوريا ستطرح مزيدا من الأسئلة العربية، فمن المؤكد أن أسئلة مماثلة ستطرح على صعيد الاعتراف الإيراني بكذبة صواريخها وترسانتها العسكرية، التي ستبقى آثارها عصية عن المحو والتزوير والإزالة. وكل هذا التواطؤ بالمضي قدما بأكاذيب الممانعة واعترافها بممارسة الإرهاب الخطأ لن يكون مسألة عابرة و"مقاومة".