هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يواصل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، محاولاته فتح الملفات الأكثر تفجرا بالحالة السياسية المعقدة في العراق، وسط اتهامات بضعف قدرته على مواجهة الكتل الشيعية ذات المرجعية القوية مع طهران، وإشادات بالمقلب الآخر من لدن مراجع سياسية أخرى تأمل من خلال خطواته المتتالية في إحداث تغيير ملموس على الأرض.
ورغم تعثره في بسط السيادة الحكومية الحقيقية على أحد أكثر ملفات البلاد حساسية، وهو ملف المنافذ والحدود حتى اللحظة، إلى جانب ملف الأمن، إلا أنه ما زال يحاول سحب هذه الملفات الحساسة من بين يدي الكتل والمليشيات العراقية المسلحة ذات الارتباط القوي مع إيران.
ويرى مراقبون أن سطوة وحضور وتغلغل المليشيات المسلحة المحسوبة على إيران، إلى جانب فوضى الأمن وضعف سلطة الدولة وأجهزتها، تشكل العقبة الكبرى بوجه إصلاحات الكاظمي، والعقبة الحقيقية بوجه مشاريع فرض سيادة الدولة والقانون.
ملف المنافذ والحدود
وفي هذا الصدد أعلنت وزارة الدفاع العراقية، الأربعاء، عن تكليف قوات الجيش في محافظة البصرة جنوب البلاد، بالسيطرة على معبرين مع إيران والكويت.
وكان رئيس الحكومة تعهد في حزيران/يونيو، بتنفيذ حملة لاستعادة السيطرة على المنافذ الحدودية في البلاد.
وقالت قيادة العمليات المشتركة (تتبع وزارة الدفاع)، في بيان، إنه "تقرر تكليف قيادة عمليات البصرة بالسيطرة التامة على منفذ الشلامجة مع إيران، ومنفذ سفوان مع الكويت".
وأوضحت أنه "تم تكليف قيادة القوة البحرية بالسيطرة الكاملة على المنافذ البحرية في ميناء أم قصر الشمالي والأوسط والجنوبي في البصرة".
ولفتت إلى "الاستمرار بفرض السيطرة ومسك جميع المنافذ الحدودية مع دول الجوار"، مشيرة إلى "تعزيز القيادتين بقوات من احتياطي القائد العام للقوات المسلحة، وتخويلهما بجميع الصلاحيات".
وبينت قيادة العمليات المشتركة أن هذه الإجراءات تمت "بناءً على توجيهات رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة (الكاظمي)، لغرض السيطرة الكاملة على المنافذ الحدودية كافة وتأمين الحرم الجمركي وفرض الأمن وإنفاذ القانون فيها".
وتتزامن هذه الإجراءات مع عقد مجلس الوزراء العراقي، الأربعاء، اجتماعه الأسبوعي في محافظة البصرة.
ويمتلك العراق 10 منافذ حدودية برية رسمية مع دول الجوار، ما عدا المنافذ في إقليم كردستان شمال البلاد، وهي زرباطية والشلامجة والمنذرية ومندلي والشيب مع إيران، وسفوان مع الكويت، وطريبيل مع الأردن، ومع سوريا منفذ الوليد، ومع السعودية منفذا عرعر وجديدة عرعر، كما أنه يمتلك منافذ بحرية في محافظة البصرة جنوب البلاد.
ملف متفجر وحساس
وأثار إعلان الكاظمي عن البدء بمرحلة إنهاء سيطرة المليشيات على المنافذ الحدودية، تساؤلات ملحة عن مدى قدرته على مواجهة أحد أخطر ملفات الفساد في البلاد، في وقت لا تزال تتحدى فيه هذه التشكيلات المسلحة سلطة الدولة.
الكاظمي الذي أكد خلال زيارته إلى منفذ مندلي على الحدود الإيرانية، السبت، أن المكان من المنافذ المهمة لكنه تحوّل إلى "وكر ومعبر للفاسدين"، معلنا تدشين مرحلة إعادة "النظام والقانون" في المنافذ، وهو مطلب الشعب والفعاليات الاجتماعية والسياسية.
ورأى مراقبون في هذا الصدد أن خطوة الكاظمي في هذا الملف لا تعدو كونها "إعادة تدوير للقوى والمراجع التي كانت تسيطر على المنافذ"، كما قال الخبير الأمني العراقي مؤيد الجحيشي في تصريحات سابقة لـ"عربي21".
ولفت حينها الجحيشي إلى أن منفذ مندلي كانت تسيطر عليه مليشيات بدر بقيادة هادي، والكاظمي استبدل بها قوات الرد السريع المكونة أيضا في معظمها من مجاميع مليشياوية، وآمرها هو ثامر الحسيني المعروف بـ"أبي تراب" من قوات بدر".
وأضاف أن "الكاظمي بهذه الخطوة حوّل سيطرة المنفذ من مليشيات غير رسمية إلى مليشيات رسمية، وبالتالي كأنه لم يفعل شيئا وإنما فقط أضفى الرسمية على الجهات التي تمسك بالمنفذ".
ورأى أن ذهاب الكاظمي إلى المنفذ كان استعراضا إعلاميا الغرض منه إقناع الغرب وليس الداخل، في محاولة منه لكسب التأييد، لأن الدول الغربية لا تعرف أن "أبا تراب" ينتمي إلى مليشيات بدر منذ 30 عاما، إضافة إلى ذلك فإن قائد حرس الحدود الحالي أيضا من المليشيات ذاتها.
وفي المقابل، رأى السياسي العراقي عبد الكريم عبطان في حديث لـ"عربي21" أن الكاظمي بدأ بعملية إصلاحية كبيرة، ونحن ندعم ذلك، ولا سيما أن المنافذ الحدودية على مدار 17 عاما تسببت بأضرار للشعب العراقي من خلال دخول أنواع المخدرات وعمليات التهريب.
وتابع: "نحن نريد أن تخضع الحدود لسيادة الدولة، لذلك فإن الكاظمي يسعى إلى تطبيق القانون وإنهاء الفلتان والفوضى وانتشار السلاح، لأن بقاء الأوضاع على هذه الحالة بالتأكيد ليس فيه مصلحة للشعب العراقي".
اقرأ أيضا: ما حظوظ "الكاظمي" بالقدرة والسيطرة على منافذ العراق ؟
وأشار عبطان إلى أن "الوضع خارج نطاق السيطرة، وهناك أحزاب ومليشيات وخارجون عن القانون يعشعشون في المنافذ الحدودية، وليس من السهل الآن إطلاق عملية محاربة الفساد لأنها خطرة وصعبة، ولكن لا خيار للكاظمي سوى ذلك".
وكان الكاظمي هدد في زيارته إلى منفذ مندلي بإطلاق النار على كل من يتجاوز على الحرم الجمركي، مؤكدا أن المنفذ تحت حماية "قواتنا العسكرية"، فيما بين أنه سيتم العمل على "أتمتة الجوانب الإدارية" في الجمارك لحماية المال العام ومحاربة الفساد.
ولوح رئيس الحكومة حينها بمن أسماهم بـ"الأشباح" الذين يتواجدون في الحرم الجمركي مبتزين التجار ورجال الأعمال، ووجه رسالة لهم بـ"التعقب والتخلص منهم".
اغتيال الهاشمي نقطة حرج كبيرة للكاظمي
وفي الإطار الأمني شكل تأخر الكشف عن قتلة المحلل السياسي والخبير الأمني والاستراتيجي، هشام الهاشمي، نقطة سلبية بوجه وعود الكاظمي بضبط الحالة الأمنية، وإخفاقا لرئيس وزراء جديد جاء من رأس المؤسسة الأمنية.
وفتح اغتيال الهاشمي العديد من التساؤلات والتكهنات حول قدرة حكومة مصطفى الكاظمي على كشف الجناة ومحاسبتهم.
اقرأ أيضا: "حزب الله" يقتحم مقرا أمنيا ببغداد بعد اعتقالات طالت عناصره
وكان أحمد الملا طلال المتحدث باسم الكاظمي، أكد أن الأجهزة الأمنية ستمسك بالقتلة وتقدمهم للعدالة "مهما كان الثمن".
لكن السياسي العراقي مشعان الجبوري، رأى أن الكاظمي يفتقد للأدوات في معركته مع القتلة، بالقول إن "الأجهزة الأمنية ذات لون طائفي واحد (الشيعة)، والجهات المتمردة والتي تتحدى الدولة هي من المكون ذاته، وبالتالي فإنه لا يمكن له محاسبة القتلة".
اقرأ أيضا: هل يستطيع الكاظمي محاسبة قتلة الهاشمي؟
وأثار قرار الإفراج عن عناصر "حزب الله" الذين اعتقلتهم القوات العراقية، فجر الجمعة (29 حزيران)، بعد اتهامات لهم بتدبير عمليات القصف لمطار بغداد والمنطقة الخضراء التي تضم جنودا أمريكيين، العديد من التساؤلات عن مصير "هيبة الدولة" التي أعلنت الحكومة في وقتها أنها تهدف لاستعادتها.
وقالت وسائل إعلام محلية إن القضاء أطلق سراح عناصر مليشيات حزب الله، لعدم كفاية الأدلة، وبعد ذلك تناقلت مواقع التواصل صورا لهم وهم يحرقون علمي إسرائيل وأمريكا، ويطأون بأقدامهم صور رئيس الحكومة العراقية، في مشهد زاد من حرج الحالة التي بات يعد بها الكاظمي المواطنين في العراق.