هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منذ شهر أتابع حال مصر في الحصاد على قناة الجزيرة، وأفتقد الظرف المصري، فهو ظرف أصلي وفطري، والضيوف الدائمون المتعاقدون مع الجزيرة: هم مجدي شندي، منير حبيب، محمد الحامد، محمد العطيفي. وقد وجدت أنهم مذعورون، خائفون، واجفون، خاشعون، كأن أمين شرطة قد حذّرهم من أمرين..
الأول: التهاون في شأن عداوة تركيا وقطر والتقليل من خطرهم في البرنامج.
الثاني: التحذير من عتاب إثيوبيا الحبيبة الفقيرة المسكينة!
إثيوبي مسلم أزهري يدافع عن نهر النيل الإثيوبي
ويزعم هؤلاء المذعورون العطشى أن مجلس الأمن معهم، وترامب صديقهم، والاتحاد
الإفريقي حليفهم، بل إنهم أحياناً يدافعون عن أثيوبيا التي لها ضيفها المحامي عنها
في الحصاد، فيزعمون مع محامي أثيوبيا أنه موسم أمطار! وقد خطب محمد العروسي ممثل
أثيوبيا في الحصاد من الحبشة خطبة جمعة دينية قبل أيام، وزعم أن رئيس الوزراء
الأثيوبي لا يقصد ما قال، ولن يصادر النهر، وإنه نهر الجميع، فلا بد أن ينوب مصر
والسودان بعض الرذاذ، والساقية ستجري، واستشهد بحديث نبوي: وقال لا ضرر ولا ضرار،
فسرّ به الضيف المصري الذي يتمسك بقشة حتى لا يغرق في الجفاف. وهو ما لا يجرؤ شيوخ
الأزهر النطق به على منابر مصر من أدناها إلى أقصاها، فلمَ لا يدفع المصريون
قبطياً إلى الحصاد، كما دفع الأحباش حبشياً مسلماً أزهرياً، أم أن ذلك سيتسبب في
فتنة طائفية، أو في إغضاب أثيوبيا الحبيبة!
مصريون لا يغضبون
توقعتُ أن يقوم الضيف المصري بالتصفيق لممثل أثيوبيا في الحصاد، عندما ذكر
الحديث النبوي، لأنه يحتاج إلى قليل من الأمل وقد فقده. أمس غضب محمد الحامد، وقد
سرّ بغضبه الضيف الأردني عمر العياصرة، وقال إنه يفهمه، وسَعُد كاتب السطور أن وجد
ضيفاً مصرياً غاضباً أخيراً، إن لم يكن من أجل الماء الذي به قيام الحياة، فمن أجل
كرامة مصر المهدورة في الحصاد كل يوم، فقد منع السيسي النشر في شؤون السد والنيل،
وبنى سداً على فم المصري ومعدته وجيبه، وذلك حتى تبني أثيوبيا سدّها بهدوء، حتى
ظننت كل الظنِّ أن السيسي أثيوبي الجنسية.
شهادة لله،
هناك محلل مصري غاضب دوماً هو محمد العطيفي، بل إن الزبد يعلو فمه في الحصاد، ليس
غضباً من الحبشة، بل من تركيا وقطر! يا جماعة إن صدقت اتهاماتكم لتركيا وقطر ببناء
السد، فهما خصمان، لكن ما بال الإمارات ومصر والسعودية وإسرائيل وهي تساهم بأموالها
ومصارفها في بناء السد العظيم!
بل إن الضيوف
المصريين، غالباً ما يتحرشون بالمذيع، ألم يقذف وزير خارجيتهم مكبر صوت الجزيرة
تحت الطاولة! الجزيرة هي التي بنت السد وليس أثيوبيا المسكينة الفقيرة!
وجه جديد
انضم أمس أحمد العناني إلى الحصاد، وبثَّ صورته على سكايب رديء، فظهر كما
لو أنه يسبح في الجيلاتين، وأجاب عن سؤال إمكانية محاسبة المفاوض المصري، فذُعر،
وقال إن مصر ديمقراطية منذ ثورة الثلاثين من يونيو! وكانت أول مرة أسمع ظرفاً
مصرياً منذ شهر، فاستبشرت بعودة خفة الظل المصرية، التي ندرت وشحَّت أكثر من الماء
في النيل، اتهم أحمد العناني أيمن نور مرتين بأنه من الإخوان المسلمين، وهذا دأب
الضيوف من القاهرة، فخصومتهم مع أبناء الوطن أو أبناء الأمة، فغضب أيمن نور، وهو
سجين سياسي سابق، وصاحب خبرة، وزعيم حزب، وبالغ في نفي تهمة الإخوان عن نفسه،
وتوقعت أن يثني على الإخوان، أو أن يذكر بأنهم حزب مصري ولهم ما لهم وعليهم ما
عليهم، لكنه لم يفعل، وهو خيب أملي فيه، وجعلني أظن أنه خائف أيضاً.
أمس تجاهل المذيع عبد القادر عياض إلحاح محمد الحامد على تكرار اتهام قطر
وتركيا وهو يسأل عن الرد المصري، ولو كانت غادة عويس قائدة الحصاد، لأعلنت الكفاح،
وأثخنته بالجراح، لكني ما أظن أن دمه سيسيل، لأنه محتقن وبه من الخوف ما يجمد
الدماء في العروق.
مجدي شندي الرجل الحديدي
لم أجد منذ شهر جملة جديدة، أو مفيدة، فالمحللون المصريون يراوحون في
مكانهم ويكررون عباراتهم نفسها، وقد نالت مجدي شندي قرصة بتوقيف ابنه كما قرأنا ثم
أفرج عنه، وازداد وجهه صرامة واكتئاباً، حتى خشيت أن يقول له مدير الحصاد: حرارتك
مرتفعة أستاذ مجدي؟
زعم مجدي شندي أن مصر تستغضبها أثيوبيا، لكن مصر قوية، واستشهد بحديث نبوي
هو: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يمسك نفسه عند الغضب! وطرافة الرأي تأتي
من أنه ساوى بين الدولة والفرد، وأنه نقل الاستغضاب الوطني والديني، إلى مقام
الاستغضاب الفردي، وخلط الدين بالسياسة، وهو ما يُنكر عادة على الخصوم، وذكر أن
مصر تعتمد على النفس الطويل، فنهر النيل أطول نهر بالعالم، وشعب مصر صبور، والمثل
الذي كان واجباً هنا: من استغضب، ولم يغضب فهو حمار.
ولم يذكر أحد من هؤلاء المحللين المذعورين أن لمصر صديقاً حميماً هو
إسرائيل وستلجأ إليه عند الضرورة، أو أنها هي المعنيّة بكل هذا الحصار المائي، أو
هي المحاصرة، أو أن مصر فيها كنيسة قبطية تشارك أثيوبيا الدين والمذهب، وقد يشفع
تواضرس المصري لمصر عند إخوانه في الحبشة، فتفك أسر النيل!
من طرائف التحليل المأساوي أن مجدي حمدان زعم أن مصر ستلجأ إلى الاتحاد
الأوربي، فلا بد من فتوّة غربي دولي تلجأ إليه من ظُلم أثيوبيا، وتذكّر أيضاً
طابا، وأن مصر استرجعتها بالمفاوضات، وطابا أرض برية، وليس مثل نهر النيل، كما أن
إسرائيل تجاور مصر، وقد أخذت سيناء بدلاً من طابا، بل أخذت مصر كلها، وليست مثل
أثيوبيا البعيدة.
الحل الذي لجأت إليه مصر هو: تغليظ الحكومة المصرية العقوبات على هدر
الماء، والنصح بالموفرات المائية، ونتوقع أن يوصي الأزهر بالتيمم قريبا، حلها
للقضية هو: عقوبات في الداخل وشكاوى في الخارج.
نعلم أن نهر النيل قد سُرق أيها المحللون غير الظرفاء، تذكروا أن إعلامكم
أهان شعب الجزائر وشعب السودان من أجل مباراة كرة قدم تافهة.
فليسعد النطق إن لم يسعد الحال.