قضايا وآراء

ليشهدوا منافع لهم

عصام تليمة
1300x600
1300x600

يأتي الحج هذا العام في ظل وباء كورونا، الذي صنفته منظمة الصحة العالمية وباء عالميا، ليمنع الملايين التي كانت تذهب كل عام لحج بيت الله الحرام، لتقرر المملكة العربية السعودية منع الموسم، إلا بحوالي عشرة آلاف حاج هذا العام، مع مراعاة المسافة الاجتماعية، وحسنا صنعت، فقد أقامت الشعيرة، ولم تعطلها، وهو أمر يحمد لهم.

ولكن هل يُحرم من لم يذهب إلى الحج هذا العام من الأجر والفضل، والمشاركة في هذه المشاعر الدينية التي تهفو إليها قلوب المؤمنين، وتسيل الدموع على خدهم شوقا وتحرقا لزيارة بيت الله؟ 

إن فضل الله واسع وكبير، ومن رحمته بخلقه: أن الأجر لا يتوقف على من يقف في هذه المشاعر فقط، صحيح أن هناك فرقا بين من يحج، وبين من لم يحج من حيث عظم الأجر، لكن الآخرين لا يحرمون، بل ينالون من خير هذه الشعيرة.

لقد تحدث القرآن الكريم عن الحج، وعما ينتفع به الإنسان الحاج فقال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) الحج: 28،27. فما المنافع التي في الحج، وهل تقتصر على الحجيج فقط؟

وهي هنا بمعاني عدة كما ذكر المفسرون، ففيها ثلاثة تأويلات: 

1 ـ شهود المواقف وقضاء المناسك.
2 ـ المغفرة لذنوبهم.
3 ـ أنها التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة.

والرأي الثالث: بأنها التجارة الدنيوية والأجر الأخروي، ما أشار إليه أكثر المفسرين، ولذا علل الإمام الزمخشري تنكير المنافع في الآية، بأن الله عز وجل أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية، لا توجد في غيرها من العبادات.

وهو ما أكده العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور بأن تنكير منافع للتعظيم المراد منه: الكثرة، وهي المصالح الدينية والدنيوية. وكذلك العلامة الشيخ محمد أبو زهرة إذ يقول: ونرى أن هذه المنافع مادية ومعنوية وعبادية.

وإذا كانت أهم منفعة يحققها الحاج هو بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، فهذه أعظم منفعة يحققها الحاج، إضافة لمنافع أخرى.

وليست هذه المنافع مقصورة على الحاج فقط، بل يشاركه فيها من لم يحج، ولو بقدر معين منها، فمن رحمة الله بخلقه، أن جعل أفعال الحجيج منافع لهم، وجعل بدائل لمن لم يحج ينال بها من هذه المنافع، يقول صلى الله عليهوسلمل: "ما العمل في أيام أفضل منه في عشر ذى الحجة". قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله في سبيل الله، ثم لا يرجع من ذلك بشىء".

وكذلك بفعل الطاعات في الأيام العشر، وذلك من الصيام في هذه الأيام، وصوم يوم عرفة الذي سئل عنه صلى الله عليه وسلم عن صومه، فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية" والذكر، والتكبير والتهليل، والأضحية، وصلاة العيد.

إن الله عز وجل يحب عباده، ومن أكبر دلائل هذا الحب، أن جعل لهم مناسبات، ومواسم، لمغفرة الذنوب، ومحو السيئات، وزيادة الحسنات، وهو ما أسماه علماء التزكية: مغاسل الذنوب، منها ما هو يومي كالصلوات الخمس، ومنها ما هو أـسبوعي كصلاة الجمعة، وهي مكفرات لما بينهن، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها ما هو شهري: كصوم الأيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر، ومنها ما هو سنوي، كشهر رمضان.

وذلك كله لتتسع دائرة قوله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم)، فمنافع الطاعة لا تنتهي، وأبوابها لا تغلق، وفيض رحمات الله لا ينقطع. لقد أثبتت النصوص الشرعية أن الله عز وجل يحب عباده جميعا، وذلك بفتح كل باب للمغفرة، فهل يحب العبد نفسه، بأن ينقذها من النار، وينهل من منافع الله، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا)، فمن أحب نفسه حق الحب، اغترف في هذه الأيام من منافع الأيام العشر.

 

[email protected]

التعليقات (0)