هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كان إصدار المرسوم الرئاسي بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية فلسطينية وفق جدول زمني متتابع؛ مفاجئا إلى حد كبير بعد أكثر من ١٤ عاما على إجراء آخر انتخابات.
ولعل الظروف الكثيرة التي مرت بها القضية الفلسطينية خلال هذه الأعوام ووجود الاحتلال الذي أعاق بطريقة أو بأخرى تنظيم أي انتخابات؛ كانت دافعا لتأجيلها مرارا، ولكن هذه المرة يجمع المراقبون على أن أسبابا كثيرة دفعت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لإصدار المرسوم والتوجه نحو خيار الانتخابات.
المحلل السياسي ساري عرابي، رأى أن دوافع الرئيس عباس من إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية على وجه الخصوص تنبع من رغبته في تجديد شرعية السلطة وحركة فتح والمسار السياسي للحركة.
نفوذ ومحاور
وقال لـ"عربي٢١" إن الدافع الثاني هو التمهيد لمرحلة ما بعد عباس؛ حيث إن هناك مراكز نفوذ وقوى ومحاور متعددة داخل فتح وهذا الأمر يحتاج إلى التمهيد لمرحلة ما بعد عباس وترتيب الصف والبيت الفتحاوي الداخلي.
وأوضح أن هذا يستدعي إجراء انتخابات بشكل أو بآخر حتى يدخل المرحلة القادمة بنوع من الشرعية السياسية أمام المرحلة القادمة والمنظومة الدولية. مضيفا أنه "يبدو لي أن عباس يريد أن يختم حياته وهو رئيس للسلطة؛ وهو جاد ضمن هذه الحدود".
وأشار عرابي إلى أنه إضافة لتلك الأسباب؛ فإن ثمة حديث عن أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن تريد هذه الانتخابات، وكذلك الأوروبيون، ويبدو أن هناك نوعا من التناغم الإقليمي مع إرادة الإدارة الأمريكية، تحديدا من المصريين والأردنيين في هذا الوقت، بحسب تعبيره.
اقرأ أيضا: قيادي بفتح: اتفاق على تشكيل ائتلاف فصائلي لخوض الانتخابات
أما المحلل السياسي عصمت منصور، فاعتبر أن العامل الأمريكي كان مهما للغاية في دفع عباس لإصدار مرسوم الانتخابات.
وقال لـ"عربي٢١" إنه رغم عدم وجود أي ضمانات حتى الآن لإجراء الانتخابات حتى مع صدور المرسوم؛ إلا أن الإعلان عنها هو حدث مهم ومفصلي للحالة الفلسطينية.
وأوضح أن الوضع الفلسطيني بات يعيش حالة ترهل وتراجع وحالة جمود على كل الصعد السياسية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب؛ وحالة الانقسام الداخلي، والفساد الذي بدأ يستشري في مكونات السلطة، وهذا كله أظهر بوضوح أن الحالة الفلسطينية بدأت تأكل نفسها وفي حالة تراجع على كل الصعد.
وأشار إلى أن كل هذه الظروف لا تؤهل السلطة للقيام بأي عملية سياسية جدية خاصة إذا أقدمت إدارة بايدن على دفع عملية السلام حتى لو شكليا، فهذا يتطلب وجود سلطة مستقرة ثابتة تحظى بالتفاف شعبي حتى لو بالحد الأدنى.
ورأى منصور أنه مع صعود بايدن والحوار الذي بدأ يلوح في الأفق بينه وبين القيادة الفلسطينية؛ كان ذلك سببا رئيسيا للدعوة للانتخابات واستباق أي شرط أمريكي بأن تكون السلطة ذات شرعية ومنتخبة وقادرة على إدارة الأمور بشكل سلس، والمضي في عملية السلام.
ولفت إلى أن اتفاقيات التطبيع التي وقعتها بعض الدول العربية أبقت السلطة متأخرة وشعرت أنه تم تجاوزها وأن شرعيتها ليست فقط الداخلية بل والعربية أيضا، بدأت تتآكل والكل يتخلى عنها؛ فهذا كان عاملا داخليا ضاغطا، إضافة إلى الحالة الشعبية الضاغطة باستمرار والمطالبة الفصائلية بإجراء الانتخابات.
وأضاف: "هذه العوامل مجتمعة أدت إلى أن تصبح الانتخابات حالة ومطلبا لا يمكن تأجيله، وأيضا التقارب بين فتح وحماس مهد لهذه الخطوة لكي تصبح واقعية من مطلب وحالة مطلوبة إلى شيء واقعي، وحماس يبدو أنها قدمت للسلطة ولعباس ما يطمئنه بأنه لن يكون هناك تغيير جذري في الوضع السياسي ولا تهديد لسلطة فتح ولا سلطة الرئيس بشكل شخصي؛ فهذا عامل مطمئن سهل العملية وجعلها ممكنة".
ضمانات؟
ويرى عرابي أن موضوع المواعيد لا يتعلق بجدية النوايا فقط؛ رغم كونها عاملا هاما؛ ولكن هناك مجموعة عوامل أخرى قد تؤثر على ذلك.
وتابع: "هناك أسئلة يجب أن نطرحها وهي من ضمن العوامل المؤثرة؛ فهل فتح قادرة على أن تحسم خلافاتها وانقساماتها؟ لأن هذا عامل قد يؤثر على إجراء الانتخابات في موعدها، كذلك ما هو موقف الاحتلال؛ هل هو مؤيد للانتخابات أم لا؟ وهل سيسمح بإجراء الانتخابات في القدس بطريقة مقبولة من القوى الوطنية؟ وهل سيتغير الموقف الدولي والإقليمي؟".
وأوضح أن هناك مجموعة عوامل مؤثرة؛ والمرجح أن تجرى الانتخابات ولكنها قد لا تجرى نتيجة لعوامل أخرى قد تؤثر عليها.
أما منصور فرأى أن الظروف التي سردها سابقا هي بشكل نظري ضامنة وضاغطة وقادرة على تحويل المراسيم إلى انتخابات فعلية.
اقرأ أيضا: اشتية يدعو الاتحاد الأوروبي إلى دعم الانتخابات الفلسطينية
ولكنه أعرب عن اعتقاده بأن هذا مرهون بعدة عوامل؛ أهمها أن تنجح الأطراف التي توصلت لهذه التفاهمات في أن تثبتها داخل تنظيماتها وفي الحالة الفلسطينية؛ وأن تخلق حالة من الإجماع الداخلي بين فتح وحماس على الأقل حولها.
وأشار إلى أن العامل الآخر هو بقاء الحماس الأمريكي كما هو للانتخابات وأن لا يضغط نتنياهو في حال فوزه مجددا أو حتى من هم أكثر تطرفا منه؛ على الإدارة الأمريكية ويجهض هذه العملية.
وأضاف: "إذا بقيت نوايا الأطراف كما هي فالانتخابات ستحدث؛ ولكن إذا تغيرت خاصة الموقف الأمريكي فلا توجد أي ضمانة أن تحدث".
توقعات
أما في حال صدور قرار جديد من عباس بتأجيل الانتخابات لأي سبب كما حدث مرارا؛ فتوقع عرابي بأن ذلك قد يؤدي إلى أي نوع من الخصومة الخطابية أو تبادل الاتهامات بين الحركتين بالدرجة الأولى لمدة لن تطول.
وعزا ذلك إلى كون الانتخابات مغامرة للجميع أكثر من منها خطوة محسوبة خاصة من طرف حركة حماس.
وأكد أن المسار سيبقى سائرا على ما هو عليه الآن، وأن عدم إجراء الانتخابات سيضع حركة فتح في مأزق حول كيفية ترتيب المرحلة القادمة، لكنه استبعد أن تحدث إشكاليات كبيرة إلا في حال غادر عباس المشهد دون قدرة حركة فتح على ترتيب البيت الفتحاوي.
أما منصور فأكد أن إجراء الانتخابات مرتبط بعوامل خارجية ونتيجة تضافر عوامل داخلية معها وأدى ذلك إلى حسم الأمر والخروج بهذه النتيجة.
وقال إن أي خلل سيحرم الفلسطينيين من هذه الفرصة التي ينتظرها الشعب والتي هي استحقاق دستوري وحق أساسي للمواطن أن يختار قيادته؛ وتشكل الأمل الأساسي والوحيد في إعادة بناء الحالة الفلسطينية لمواجهة التحديات التي يعيشها الشعب الفلسطيني وتتعرض لها قضيته.
وأشار إلى أنها لو تأجلت فستكون هناك خيبة أمل وحالة من التذمر حتى داخل التنظيمات؛ حيث إن هناك قوائم بدأت تظهر وأملا ونشوة لدى قطاعات كبيرة تم تهميشها وتغييب صوتها، سواء داخل حركة فتح من قطاعات كبيرة من قياداتها الميدانية والصف الثاني، أو قطاعات تمثل قيادات اجتماعية واقتصادية وأكاديمية من الفلسطينيين التي سئمت حالة الفساد والتكلس.
وختم بالقول: "عدم حدوث الانتخابات بعد أن عاش الفلسطيني هذا الأمل وبدأ بالتحضر له سيكون له ردود فعل غاضبة قد تتطور إلى الانتقادات العلنية وربما النزول للشوارع للمطالبة بتطبيق هذا البند؛ وأعتقد أنه أقل شيء ممكن أن يفُعل".