هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
طالبت رئاسة الجمهورية في مراسلة وجهتها إلى رئيس البرلمان راشد الغنوشي، بتصحيح خطأ في تاريخ جلسة المصادقة على التعديل الوزاري، عبر وثيقة مسربة زادت من الشكوك بخصوص قبول رئيس الجمهورية قيس سعيد بأداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد.
ويرفض سعيد التغيير الوزاري وخاصة عددا من الأسماء التي قال إن تهما بالفساد وتضارب المصالح تلاحقها، لكن التغيير مر بمنح الثقة لجميع الوزراء المقترحين والبالغ عددهم 11 وزيرا وبأغلبية مريحة فاقت التوقعات، فتوسع الحزام السياسي لحكومة هشام المشيشي.
سقوط حكومة "الرئيس" وتزكية حكومة هشام المشيشي الفعلية عبر التعديل، من شأنها تعميق الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية خاصة في غياب المحكمة الدستورية، وسط تعدد القراءات بين خبراء القانون الدستوري.
رسائل التعديل
من جهته، اعتبر الباحث والجامعي زهير إسماعيل في قراءة تحليلية لـ"عربي21" لما بعد التعديل الوزاري لحكومة هشام المشيشي أن "مرور جميع الوزراء المقترحين يشير إلى توسّع الحزام الحكومي، وهو مؤشر في غاية الأهميّة على تحوّلات في المشهد السياسي والبرلماني، خلال التصويت تقابلت جبهتان، جبهة تضم الدستوري الحر والكتلة الديمقراطيّة (التيار والشعب) مدعومة من الرئيس قيس سعيّد، وجبهة تضمّ النهضة وائتلاف الكرامة ومن القديم (قلب تونس، تحيا تونس، كتلة الإصلاح، الكتلة الوطنيّة)، وبعض المستقلّين.
ويفيد الباحث أنه "للتصويت الذي بلغ 144 صوتا بخصوص بعض الوزراء أكثر من دلالة فهو من ناحية ينبّه إلى أنّ توسع الحزام البرلماني للحكومة يغري بالإسراع بإرساء المحكمة الدستورية، وحسم موضوع تأويل الدستور، ومن ناحية أخرى يشير إلى طبيعة هذا الحزام فالوزراء القريبون من المنظومة نالوا أعلى الأصوات في حين نال القريبون من النهضة أقلها، فالنهضة تتحالف مرحليّا مع ما تدقرط (صار ديمقراطيا) من كوادر القديم المنحدرين من "منظّمة طلبة التجمّع"". حسب قوله.
اقرأ أيضا: البرلمان التونسي يمنح الثقة للتعديل الحكومي
وخلص إسماعيل إلى أن "التصويت على منح الثقة في سياق التغيير ليس سقوطا لفكرة حكومة الرئيس وفي نفس الوقت تصحيح للمسار السياسي والحكومي الذي كان يدور خارج صريح الدستور، واستعادة النظام شبه البرلماني بعد أن سعى الرئيس سعيّد إلى تحويله إلى نظام رئاسي".
أداء اليمين قانونيا
وتختلف الاجتهادات في قراءة القانون وخاصة بين خبراء القانون الدستوري وفي غياب المحكمة الدستورية يبقى للرئيس الحق في تأويل الدستور.
وأوضحت أستاذة القانون الدستوري منى كريم في حديث خاص بـ"عربي 21" أن مراسلة الرئاسة للبرلمان لتصحيح خطأ موعد جلسة منح الثقة لا تعد "ثغرة قانونية، ويمكن التثبت من توقيت انتهاء الجلسة بشتى السبل، وهذا الأمر تفصيل بسيط ولا يمكن حتى اعتباره خطأ ولا يرتقي إلى مسألة جوهرية".
وفي استفسار عن موعد أداء اليمين وفق القانون ردت محدثتنا: "هناك نص وعادة يتم الاحتكام إليه، الفصل 89 والذي يتحدث عن تحوير حكومي بأكمله يستعمل عبارة فورا يعني أداء اليمين مباشرة بعد التصويت بالبرلمان لا تتجاوز 48 أو 72 ساعة بينما العادة لا تتجاوز الأسبوع أو أربعا وعشرين ساعة".
وعن أداء اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، يقول الباحث في القانون الدستوري وعضو الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية الأستاذ رابح الخرايفي لـ"عربي21" هي "حلقة دستورية أساسية في مسار متكامل لاكتساب المرشح للوزارة صفة الوزير بصفة نهائية حتى وإن نال ثقة المجلس، وبالتالي اليمين إجراء أساسي وجوهري وليس إجراء شكليا وثانويا كما يروج له البعض، ولو كان الأمر كذلك لتغافل عنها المؤسسون ولم يضمنوها بالدستور".
رفض اليمين
إلى ذلك، قال أستاذ القانون الإداري والدستوري كمال بن مسعود لـ"عربي21" إن رفض رئيس الجمهورية قبول وزراء لأداء اليمن يعد خرقا للدستور ولو كانت المحكمة الدستورية موجودة لاعتبرته من قبيل الخرق الجسيم لأحكام الدستور الذي يمكن أن يفضي إلى تحريك إجراءات عزله.
وكشف ابن مسعود أن أداء اليمين من قبل أعضاء الحكومة أمام رئيس الجمهورية من حالات الاختصاص المقيد للرئيس وليس له الحق في رفضه، فهو ليس مخيرا عليه أن يدعو الوزراء ويضم موكبا لأداء اليمين".
وقلص ابن مسعود من فرضية رفض سعيد أداء اليمين للوزراء وأن رئيس الجمهورية عبر عن موقف سياسي من بعض الوزراء الذين تحوم حولهم شبهات فساد حتى لا يتحمل المسؤولية في حال فشلهم أو فشل الحكومة.
من جانبها أكدت أستاذة القانون الدستوري منى كريم في ردها على سؤال بخصوص فرضية رفض سعيد أداء اليمين لعدد من الوزراء، أن "القانون لا ينظم هذه الحالة، ورئيس الجمهورية مجبر لأن صيغة اليمين جاءت بالأمر والجزم والتأكيد ولا بديل لهذه الفرضية".
اقرأ أيضا: ردود فعل داخلية مرحبة وأخرى رافضة للتعديل الوزاري في تونس
وشددت منى كريم على أنه "دستوريا رئيس الجمهورية ليس في حالة خيار بل اختصاص مقيد وليس له سلطة تقديرية".
في مقابل ذلك يذهب الباحث رابح الخرايفي إلى أن "سلطة رئيس الجمهورية في قبول أداء الوزراء اليمين أمامه، هي مسؤولية غير مقيدة، وغير ضيقة، ودوره ليس شهادة معاينة، وبالتالي، فيمكن أن يرفض أداء يمين وزير تتعلق به شبهة فساد، لأن الدستور أعطى صلاحية حمايته للرئيس وهو مؤتمن على حماية المال العام، فالوزير سيتقاضى مرتبا من المال العام وفق الفصل 10 من الدستور، ووجود هذا الوزير يمكن أن يلحق ضررا بالمال العام".
وأفاد رابح بأن "قراءة رئيس الجمهورية للدستور هي القراءة الرسمية التي تعتمد في الدولة في غياب المحكمة الدستورية".
مباشرة المهام
وقالت أستاذة القانون منى كريم إن هناك حلولا في حال رفض الرئيس أداء اليمين وإمكانية مباشرة الوزراء لمهامهم من ذلك "توجد حلول مرنة للحد من الأزمة بقيام رئيس الحكومة بالتخلي عن أسماء أو مراجعتها وتسمية أعضاء بالنيابة ولكن يوجد الإجراء المستحيل الذي نرجو أن لا يحصل لأنه يعمق من الأزمة، فبمقتضاه (الإجراء المستحيل) يتم المرور على أداء اليمين ويتم تسلم الوظائف انطلاقا من مبدأ سير دواليب الدولة".
إلا أن الأستاذ الخرايفي يؤكد وجوب الأداء "إذا تجاهل رئيس الحكومة أداء اليمين وأذن للوزراء بمباشرة أعمالهم فإننا أمام بطلان القرارات الإدارية التي سيتخذها الوزير الذي لا يؤدي اليمين".
ويتابع الخرايفي: "إذا لم يؤد الوزير الجديد اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية طبق مقتضيات الفصل 89 في فقرته الأخيرة من الدستور، تعد كل قراراته موضوع طعن أمام المحكمة الإدارية، بدعوى تجاوز السلطة أو خرق القانون والإجراءات والصيغ الجوهرية وفق قانون 1 جوان 1972 والقوانين المنقحة له لاحقا. المنظم للمحكمة الإدارية، فكل شخص متضرر من قرارات الوزير الذي لم يقسم أمام رئيس الجمهورية، له الحق في الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية لأنها باطلة لخرقها لشروط جوهرية".