كتاب عربي 21

لهذا يعذِّب السجّان العربي ضحيته حتى الموت

أحمد عمر
1300x600
1300x600
لم يكن أشين من الكذب عند العرب، كان العربي يغزو وينهب، لكنه لا يكذب، حتى الكفار لم يكونوا يكذبون ونرى أمثلة في السيرة النبوية، مثال ذلك أبو سفيان وقد أتيحت له الفرصة ليكذب وقد دعي إلى المثول بين يدي هرقل ملك الروم، وعمرو بن العاص عندما أوفدته قريش إلى النجاشي، فلم يتّهم المسلمين بما ليس فيهم، بل إن قريشاً عندما قالت للنبي عليه الصلاة والسلام: لا نكذِّبك بل نكذب ما جئت به، لشدة توقيرها للنبي وثقتها بصدقه، فكان ذلك منتهى صدق المشركين، فلم تجرّب عليه كذباً، فلماذا يكذِّب الحكّام العرب، بل لماذا لا يصدقون في أصولهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم، ولماذا يكذب إعلامهم حتى في نشرة الطقس، وهي نشرة أحوال جوية، وليست نشرة بورصة، ولا نشرة مخابرات.

ارتفاع الحرارة ليس رجساً من عمل الشيطان، وليس تخصيبا لليورانيوم، وانخفاضها ليس توهيناً لنفسية الأمة، فالحرارة ترتفع في كل البلاد السامية والنامية، فلن تخيس درجات الحرارة بناموس الرئيس، وارتفاع حرارة الجو لا يعني أن البلاد بها حُمّى، وليس البرد ولا الضباب من أقارب الرئيس وبقية أهله. ولماذا يحب الرئيس الغرف المغلقة ويكثر من كلمة الشفافية؟ ومن ذكر المؤامرة الكونية، ويأمر الشعب بأن لا يصدقوا شيوخ الفتنة وأن يتجنبوا الفضائيات المغرضة؟

الجواب معروف، ويمكن الاستئناس بمسرحية عدو الشعب الرئيس للنرويجي هنريك أبسن. يعلم الرئيس أنَّ والده الذي ورّثه الحكم هو السبب في كل مآسي البلد، وأنه لو صدق الناس لصدقوه وقالوا إنَّ والده، وهو من بعده، السبب في كل الكوارث، وأن البلد تدور بالمقلوب وعكس عقارب الساعة ومتعيش مع عقارب التاريخ، ويعلم أن الجرائم تورّث، وأن المجتمع تحوّل إلى قبائل في عهده وعهد والده أو عهد سلفه، وأنه يغلي، وإن شرط استلامه الحكم - والشرعية غربية - هو الكذب. الشرعية ستحترق إن صدق.

ونعلم أنَّ الكذب يلقّن للتلاميذ في المدارس، والجنود في الثكنات، والقضاة في "محاكم الظلم"، وأنّ الرئيس يقسم كذباً، وقد حاول رئيسان عربيان، أو ادعيا الصدق، فتأسيا بأتاتورك، فأقسما بشرفهما ومعتقدهما على الدستور، فعبنا عليهما لأنها جعلا شرفهما مقدساً، لكنهما كانا صادقين، فقسمهما بشرفهما يبيح لهما الكذب والنكول عما جاء في الدستور.

الدستور خدعة عربية. مكيدة. حفرة لصيد الشعب واستئناسه.

تخرج المسيرات "العفوية"، بأمر صارم وإيعاز ووعيد وتحشيد، والويل لمن لا يكون عفوياً في مجتمع يضبط كالآلة، وتنتخب أجهزة الرئيس أبرع المذيعين في الخداع والكذب، وأبرع الفقهاء في انتحال الفتيا في الأوقاف. وجميع أجهزة الدولة العربية المعاصرة تجدل حبل الكذب، حتى طال كثيراً أطول من ليل الضرير، وعندما يصدق مواطن، يُعتقل فوراً، ويجرَّ إلى دواليب التعذيب حتى يعذِّبه السجان تعذيباً شديداً، كي يفضي بما في سريرته، فإن صدق كذّبه السجان، لأن الصدق ممنوع، وجزاء الصدق القتل، فيعذبه حتى الموت لاعترافه بذنبه ولأنَّ الصدق خيانة عظمى، وتكون روحه وهي تُنتزَع أصدق الشهادات. فلا صدق أكثر من الموت.

وإن كذب الضحيّة، فالسجانون يستشعرون الصدق والكذب في النبرة وومى العين وخلجة النفس، ليس لذكائهم وإنما بالخبرة، عذّبوه لأنه يكذب مع أنهم يسرّون بالكذب، لكنهم خائفون، ويريدون معرفة الحقيقية. ويعرف السجان صدقه وكذبه ليس من لسانه وعقله وقلبه، وإنما من اسمه وأصله ومذهبه، وأنه لا يكذب إلا لأنه خائف، لكن الكذب في المعتقل غير الكذب خارجه، وقد خسر فرصته، فصدق مرة وكفر، فكان جزاؤه القتل. فلا الصدق يجدي ولا الكذب ينجي.

النظام العربي هو صانع آلات بشرية، والآلة التي لا تدور حسب "كاتلوج" المصنع ودليله جزاؤها التلف. والحبل طويل، ولو انقطع الحبل لانفرطت كل خرزات الدولة المزيفة.

ولذلك رفعت الدولة العربية المعاصرة من شأن الممثلين، لأنهم يصدقون في الكذب ويكذبون في الصدق، وتضيع شخصياتهم الحقيقية، وعمل المخابرات العربية هو في تحرّي الصدق بين أفراد الشعب وصيد الصادقين وإعادتهم لضبط المصنع، كما الأمر في دولة العميان في رواية هربرت جورج ويلز، وكانوا قد اكتشفوا مبصراً وافداً، فقرروا سمل عينيه، فهرب ونجا بنفسه.

تقبل الدولة العربية الوطنية المعاصرة السكوت عادة إلا في المناسبات الوطنية، فواجب المواطن الكذب إن تعرض لامتحان مقابلة التلفزيون، أو دُعي لحفلة العرس الوطني، أو الانتخاب، وإن رقص مدعياً الفرح ارتفع شأنه، وسما قدره، ونال بعض الحظوة.

دولة الكاذبين تعاقب على الكذب غير المعقول، كأن يبالغ المواطن في تقديس الزعيم تقديساً أكثر من الرب في السماء، فالزعيم متواضع ويقبل بمرتبة المرسلين، وأحياناً بمنزلة الإله، وقد يُعاقِب بعض المغالين، إيهاماً للناس بغيرته على الدين، والحق إن هذا وهم عندي، فلم أجد رئيساً يعاقب على المبالغة في الكذب.

الراعي الكذاب في الحكاية كذب ثلاث مرات فأودى الذئب بالقطيع، فكيف بالراعي الرئيس والقطيع هو الشعب؟

سيعدُ الرئيس السوري بالمنّ والسلوى في الدورة الرئاسية الجديدة، ويعدُ الزعيم الليبي بساعة الصفر وهي ماركة غير الماركات السويسرية، وقد وافق على نتائج الانتخابات ونيته الغدر حسب مواعيد ساعته الزئبقية. ويدعو الرئيس المصري الذي يعيش على الماء والقسم، ضيفه الحبشي إلى القَسَم بالعربية وليس بالحبشية، فيردد وراءه وهو لا يعرف معنى ما يقول، ويعدُ بمصر تانية خالص، مصر فرعونية  تستعبد الشعب المصري لا بني إسرائيل. مصر فيها ثلث آثار العالم، وكل كذب العالم.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (2)
الواثق بالله
الثلاثاء، 16-02-2021 11:56 ص
أرجو ملاحظة وجود خطأين في التعليق هما : الصحيح في السطر الأول "بهذا التعقيب المتواضع".الصحيح في السطر السابع "أو الأقوال التي تصل إلى مرتبة...". لطفاً ، أرجو المعذرة من الجميع .
الواثق بالله
الثلاثاء، 16-02-2021 10:25 ص
اسمح لي يا أستاذ أحمد بهذا التقيب المتواضع : كثير من الناس حياتهم عبارة عن كذبة كبيرة ، يخادعون الله و الذين آمنوا و ما يخدعون إلا أنفسهم و ضلَ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً و زيَن لهم الشيطان سوء أعمالهم من دون أن يحسبوا حساب ذلك اليوم العظيم الذي يقومون فيه لرب العالمين ليجزي كل نفس بما كسبت . لديهم استهانة بالمعصية و لا ينظرون إلى من عصوه أي ما قدروا الله حق قدره . نعيب زماننا و العيب فينا و ننتظر الفارس الأسمر على الحصان الأبيض ليأتي و ينقذنا مع أن التغيير لا يتأتى حتى نقوم نحن بتغيير ما بأنفسنا . أوضح لنا الله سبحانه و تعالى من خلال خاتمة الرسالات الغير قابلة للتحريف و التزييف ما يتوجب علينا أن لا نفعله و حذَرنا من مغبة الوقوع في الحرام و خاصة تلك الأفعال أو الأقوال التي إلى مرتبة الكبائر و الموبقات أي المهلكات . من المعلوم من الدين بالضرورة أن هنالك تحريم صارم حاسم للمعاصي الثلاثة (الكذب و الظلم و تعذيب الناس) . الكذب يؤدي إلى الفجور و الفجور يؤدي إلى النار ، و الظلم حرَمه الله على نفسه و أمرنا أن لا يظلم بعضنا بعضاً ، و تعذيب الناس له عقوبة من جنسه أي يتولى الله تعذيبه "من يعمل سوءاً يجز به" . لا يزال العبد بخير ما لم يشرك بالله أو يلحق الضرر بالناس أو يقوم بتعذيبهم تعذيباً قد يقتلهم جسدياً أو معنوياً . في بلاد قمعستان ، الممتدة من الخليج "السائم " إلى المحيط "الهائم " ، توجد بالفعل عاهات بشرية و هي مطايا ركبها الاستعمار لتقوم بإدامة سيطرته عن طريق القتل و التدمير و التهجير فأعطاها من القوة ما يلزم فقط لإخضاع الشعوب . حين يجدَ الجدَ فتقوم حرب أو معركة ، تكون هذه المطايا أول الهاربين ، و قد رأينا ذلك في مهزلة 1967 و غيرها من المهازل . هذه المطايا ، و بسبب تدنَي مستواها الإدراكي ، اشترت أوهام أن العمرة أو الحج أو حتى الشهادة ستغسل الذنوب أو تكفَرها و غاب عنهم أن حقوق العباد لن تكون محلَ غسل أو تكفير في ديوان المظالم يوم الحساب إلا بقرار من المظلومين و المعذبين و المقهورين الذين كانوا مستضعفين في الدنيا . و بحسب مقتضى الحال ، و هو اقتراب دخول جهنم أو الجنة ، فإن المستضعف معذور إن لم يعفو و إن لم يسامح و ليس مطلوباً منه أن يغفر بدليل ما ورد في سيد الاستغفار "... فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "، أي أن غفران الذنوب مقتصر على الله . باختصار ، مطايا العرب الحاليون سيخسرون الدنيا و الآخرة بعون الله و قد حصلت نماذج أمامنا ممن كانوا عتاة ظلمة في عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية و في مختلف أقطار قمعستان ، فصبر جميل و الله المستعان على البائسين المعاصرين .