هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منذ أن وصلت حركة طالبان إلى كابل، وتم لها السيطرة الكاملة على معظم أفغانستان، ولا حديث إلا عن طالبان، ما بين مغرق في التأييد لها، أو مغرق في القدح فيها، شأن كثير من قضايانا السياسية في عالمنا العربي والإسلامي للأسف.
واللافت للنظر هو جرأة البعض على الحديث في ملف لا علم له به، لا من حيث معلوماته، ولا تاريخه، ولا استشراف مستقبله، فمنهم من نظر إلى طالبان من حيث الشكل، فهم من ذوي اللحى، إذن هم سلفيون وهابيون متعصبون، رغم أن الأفغان معظمهم مذهبهم حنفي ماتريدي، من حيث المذهب الفقهي والمعتقد، وهو ما لا يلتقي مع الوهابية، من حيث المبدأ العلمي، فما بالنا في ما يتم فيه الخلط في نقاشات أخرى.
ومنهم من يضعهم مع الإخوان المسلمين، وداعش في سلة واحدة، وأن كل الإسلاميين مذهب واحد، كلهم سواء، سواء حكموا بصندوق الانتخابات، أو وصلوا للحكم بصندوق الذخيرة عبر محاربة المحتل لبلدهم كما في حالة طالبان، هكذا يتم التعميم، دون أي مراعاة أو احترام لأي معايير علمية.
كثيرون لا يتعلمون من الزمن، ولا الأحداث، ويظل أسيرا لأوهامه، وأسيرا لأفكاره التي لا تنطلق من صواب، ولا تستند لرؤية عاقلة، فيتسرع في التأييد أو الرفض المطلق، وكلاهما يبتعد عن الصواب، والأولى أن ينظر هنا إلى أصحاب الشأن، وهم الأفغان أنفسهم، ورؤيتهم لمستقبلهم، وموقفهم مما يدور على أرضهم وفي بلادهم،
ثم بدأت حملات ونقاشات القلق على الحريات في أفغانستان، والخوف والهلع على المرأة الأفغانية، وكيف أن طالبان ستفرض على المواطنين والأجانب الحجاب في الأماكن العامة، ومن البديهي أن يفكر الناس في مستقبل الحريات في أي بلد يتغير نظام حكمه، حتى لو تغير للأصلح.
لكن هذا الاهتمام بالحريات لم نجده من نفس القلقين عليه في أفغانستان، عندما قام الرئيس التونسي قيس سعيد بحل البرلمان التونسي، وإلقاء القبض على سياسيين بتهم عسكرية، ووضع السلطات كلها في يده، بل وجدنا من يهلل ويفرح لما قام به وقتها.
أما عن حريات المرأة فالذين انتفخت أوداجهم الآن قلقا على المرأة الأفغانية، هم أنفسهم من دافعوا عن قرارات فرنسا في منع الحجاب من الجامعات والمدارس، ونادوا: بأن على من يريد أن يعيش في بلد أن يراعي قوانينه ونظامه العام، وهم أنفسهم من يبررون لبعض أماكن الاصطياف والشواطئ في بلاد عربية عندما تمنع من ترتدي (البوركيني) من النزول، وأن زي البحر المعتمد عندها هو البيكيني، وكأن حرية المرأة مرهونة فقط بالخلع لا اللباس، ونحن ضد فرض الخلع أو اللباس على أحد، لكنا هنا نناقش هذا التناقض الصارخ في المواقف.
اللافت للنظر في كل هذه النقاشات الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو المواقع الأخرى: أن أحدا لم يهتم بسؤال الشعب الأفغاني نفسه، أو استطلاع رأيه، أو الوقوف على موقفه مما يحدث على أرضه، وفي بلاده، هل مع أم ضد؟ ولم يفكر أحد أن يهتم بمستقبل هذا الشعب، في إطار موقفه، الكل اهتم أن يكون له موقف من طالبان وحكمها للأفغان، لكنه لم يهتم بموقف المحكوم، أو الآلية التي سيحكم بها، وهل تناسبه أم لا، وهو الموقف ذاته الذي مارسه الاحتلال الأمريكي، حينما داهم بلادهم عسكريا، وأقام فيها مآسي وخرابا، لم يعن يوما بالتفكير في حال هؤلاء المواطنين.
وهو ما حدث من قبل وقت حرب أمريكا على أفغانستان بحجة أحداث سبتمبر، وأن تنظيم القاعدة كان وراءها، وسواء صح أم لم يصح الاتهام، وقد قامت حرب لا يد للأفغان كبلد فيها، أكلت الأخضر واليابس، ومع ذلك لم يتحرك العالم إلا أحراره فقط، لأجل منع هذه الحرب، والوقوف ضدها، لكن بلا جدوى، وعندما أقدمت طالبان وقتها على هدم تماثيل (بوذا)، قامت هيئات دولية بالسعي للتحاور مع طالبان لأجل إنقاذ ما تبقى من هذه التماثيل، وهو ما دفع الشعب الأفغاني للتساؤل: أيهما أولى: الحجر أم البشر؟!
للأسف كثيرون لا يتعلمون من الزمن، ولا الأحداث، ويظل أسيرا لأوهامه، وأسيرا لأفكاره التي لا تنطلق من صواب، ولا تستند لرؤية عاقلة، فيتسرع في التأييد أو الرفض المطلق، وكلاهما يبتعد عن الصواب، والأولى أن ينظر هنا إلى أصحاب الشأن، وهم الأفغان أنفسهم، ورؤيتهم لمستقبلهم، وموقفهم مما يدور على أرضهم وفي بلادهم، وينظر إلى تجارب التاريخ والواقع، كي يتعلم منها ما يفيده لحاضره، فضلا عن استشرافه لمستقبله.
[email protected]