تعيش المنطقة العربية أجواء انتكاسة وتراجع لمرحلة ثورات الربيع العربي، خاصة في المربع الإسلامي الذي تصدر المشهد ولعدة سنوات في العديد من الدول وبنسب متفاوتة، كان آخرها المغرب وحزب العدالة والتنمية؛ لأسباب واعتبارات كثيرة تتعلق بالكيانات الإسلامية على مستوى الفكر والتنظيم والتجربة، كما تتعلق بالمحيط المحلي والإقليمي والدولي، ما جعل خصوم المربع الإسلامي يتعجلون بالحكم والحسم بنهاية مرحلة الكيانات الإسلامية العاملة في ميدان السياسة، والحديث عن مرحلة ما بعد الجماعات الإسلامية، أو ما بعد مرحلة الإسلام السياسي، كما يطلق عليه البعض.
نعم هناك أخطاء وخطايا وقعت فيها هذه الكيانات، وقد يكون الرهان على إعادة النظر والتقييم والمراجعات رهانا واردا بنسب متفاوتة، وغير وارد لدى البعض الآخر لطبيعة البناء الفكري والتنظيمي وطبيعة العقول والكفاءات التي تتصدر بعض
التنظيمات، فضلا عن المشكلات الداخلية الكبيرة التي أصابت البعض؛ منها الانحراف الفكري والانشقاق التنظيمي والاختراق الأمني، لكن بشواهد التاريخ وحكم التجربة، نجد أن ميدان العمل الإسلامي أكثر سعة ورحابة من الكيانات الإسلامية نفسها. فما إن ينهي كيان ما دورة حياته في المجال العام؛ خاصة السياسي المرتبط بالسلطة والحكم، إلا وبمرور الوقت يفرز المناخ العام كيانات أخرى تحمل الموروث والرصيد والتجربة لتبدأ دورة حياة جديدة، وهذا غير موجود في المربعات والأفكار والاتجاهات غير الإسلامية لأسباب كثيرة؛ أهمها توافق وقبول
المزاج الشعبي العام للفكرة الإسلامية، وثقته العالية والغالية في ما يرتبط بالإسلام شكلا ومضمونا، برغم حالات التعثر بل والفشل الذي أصاب الكيانات الإسلامية التي تصدرت المشهد باختيار شعبي خالص. وكان شاهد الفشل هو عدم تحقق الاحتياجات الجماهيرية التي من أجلها اختار الشعب هذه الكيانات.
ما زال المزاج الشعبي العام يمثل المخزون الاستراتيجي لهذه الكيانات أو الكيانات البديلة لها لأسباب كثيرة؛ أهمها اليقين بفشل كل الأنظمة الحاكمة سابقا مهما كانت خلفيتها الفكرية، التي حكمت قرابة 70 عاما في الكثير من البلدان العربية بصفة خاصة. وليس الفشل وحده، بل الفساد الذي أضاع ثروات البلاد وانتهك كرامة العباد، فلا حقوق ولا دولة ولا قانون، لكنها إما اقطاعيات ملكية أو وحدات عسكرية بفارق قليل بين هذا وذاك.
ما زال المزاج الشعبي العام يرى أن هذه الكيانات الإسلامية هي الأقرب إلى هواه وهويته، أيضا يعي أن حالات الإخفاق والنجاح هي حالات تعانيها كل كيانات الحكم السابقة والحالية والقادمة. وتبقى الإشكالية الكبيرة في الحرص المحلي والإقليمي والدولي على إفشال تجارب
الإسلاميين دون غيرهم، بل هناك دعم بلا سقف لأنظمة مستبدة وفاسدة، تفرط في الأرض والمياه والثروات من أجل البقاء في السلطة.
انحياز المزاج الشعبي العام للمربع الإسلامي ليس معناه بقاء الإسلاميين أو زوالهم أو وصولهم أو سقوطهم، فهناك أسباب واعتبارات ومتطلبات أخرى كثيرة بل وتحديات تفوق الإمكانات؛ أهمها وعي مربع الثورة المضادة بهذا المزاج العام. لذا؛ فهي تتخذ من الوسائل والإجراءات والقوانين والتشريعات والعلاقات والتحالفات ما يقطع الطريق على هؤلاء وعلى الجماهير في إمكانية الاختيار الحر، وعلى المربع الإسلامي في الوجود الحر، ليبقى الجميع تحت ضغط الخوف والبطش والتصفية الجسدية إن لزم الأمر، فهذه لم تعد جرائم تزعج السلطة ولا المجتمع الدولي إلا ببعض التصريحات والقلق والاستنكارات. نعم المزاج الشعبي العام هو من نقاط القوة، لكن وحده لا يكفي.