قضايا وآراء

تعدد الزوجات مشكلة دينية أم اجتماعية؟!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

ناقشنا في مقالينا السابقين قضية تعدد الزوجات، وهل الأصل واحدة أم التعدد، وهل يمكن للقانون أن يمنعه أو يقيده أم لا؟ وبقيت مسألة لا يتصور أن يناقش تعدد الزوجات دون التعرض لها، وهي: هل تعدد الزوجات مشكلة دينية أم اجتماعية؟ أعني بذلك هل العامل المؤثر فيها هو العامل الديني أم الاجتماعي؟ 

بداية لا نجد أحدا ممن يناقشون المسألة يختلف حول مشروعية التعدد، كل ما هنالك أنه يناقش الشروط والضوابط، وهل يمكن العدل بينهن أم لا؟ وهل الظروف المعاصرة تتيح لرجل أن يعدد الزوجات ويعدل؟ وهكذا، وهو ما يجعلنا نجزم بأن عامل القبول بالموضوع أو رفضه، الترحيب به، أو مهاجمته، هو عامل اجتماعي بالدرجة الأولى، وهو ما نراه في موقف عالم كبير مثل الإمام محمد عبده، فقد بنى موقفه من رفض التعدد في زمانه، بسب ما رآه من حالات التعدد الظالمة في حياته وبيئته، فكانت لهذه الحالات الأثر في تكوين رأيه، سواء اتفقنا معه أم اختلفنا، لكن يظل العامل الاجتماعي مؤثر بشكل كبير في المسألة.

ولذا نرى من يريد أن يضيق في مسألة التعدد أو يرفضه، يحاول تفسير النصوص الشرعية في ضوء ما شهده من وقائع، وفي ضوء متغيرات الحياة، ونظرة الناس للموضوع، ونظرة المرأة أيضا، وهو عامل صنعته الظروف الاجتماعية، وصنعته وسائل الإعلام، والأفلام والمسلسلات المصرية بشكل كبير، وهو ما يبين أهمية وقوة العمل الدرامي في صنع ثقافة المجتمعات بالسلب أو الإيجاب.

فقد كنا نرى المجتمع المصري ـ وبخاصة الريف منه ـ ونرى فيه قضية التعدد قضية عادية، لا تشغل بال أحد، ونرى المطلقة بعد انتهاء عدتها تتزوج بلا أي مشكلة، ويتزوج الرجل من تكبره، أو من تصغره، ويموت الشخص فيتزوج الأخ أرملة أخيه، ويضم أبناء أخيه إلى أبنائه، وينظر المجتمع لذلك الصنيع نظرة تقدير لهذا الرجل الذي لم يترك أبناء أخيه وزوجته لعوامل الزمن الاجتماعية، أو دون عائل.

وفي كثير من المجتمعات المحافظة نرى التعدد قضية لا تشغل مساحة من النقاش، فليست بذات موضوع، لأنها متروكة لحاجة الناس، ولتقديرهم، والزواج بوجه عام يسير في هذا الاتجاه، فكانت تحكمه عوامل اجتماعية بسيطة، لا تعقيد فيها، ولا شروط الحياة الحديثة التي كبلت الشاب والفتاة، وجعلت الزواج بواحدة من صعوبات الحياة الكبرى.

ثم جاءت ثقافة الوافد الغربي، والذي كان من ثقافته التعدد أيضا، لكنها تغيرت بعد ذلك، وبدأت الأفلام المصرية تناقش التعدد كأنه جريمة، وتصور المرأة التي تتزوج بزوج له زوجة أولى، بأنها: (خطافة رجالة) و(خرابة بيوت)، ورأينا أفلام مثل: الزوجة الثانية، والزوجة 13، في أسوأ حالات التطبيق للتعدد، إلى أن جاء مسلسل: (عائلة الحاج متولي) فكان استثناء من حيث العرض، لكنه جاء في إطار كوميدي ساخر، وليس في إطار مناقشة حقيقية للموضوع.

ولأن الفن قوة ناعمة، فقد أدى دورا في الموضوع، وساهم في تغيير العامل الاجتماعي، ليس في مصر وحدها، بل في كثير من البلدان العربية، فقد أصبحت هناك حالات دعاوى طلاق من زوجات في الخليج العربي منذ سنوات، وقد سألت عددا من القضاة في هذه البلدان: عن سبب الطلاق في مثل هذه الحالات، فكانت الإجابة، بسبب تعدد الزوجات، فقد تزوج زوجها عليها، رغم أنك ستجد هذه الزوجة في عائلتها التعدد موجود، من الأب، أو الأخ، أو العم، أو درجات قريبة منها، لكن نظرة المجتمع تغيرت له.

بل من أعجب الحالات التي رأيتها، أن من هذه الحالات، ستجد إمرأة تزوجت وكانت الثانية، أي حالة تعدد، فلما تزوج الرجل بالثالثة، طلبت الثانية الطلاق، لأنها ترفض التعدد، رغم أنها متزوجة بالتعدد ذاته، ووصل الحال ببعضهن إلى رفع حالات خلع، بدل الطلاق، لأنه كإجراء سيرفض قضائيا لعلة التعدد، فيكون الأسهل لها الخلع.

 

نرى من يريد أن يضيق في مسألة التعدد أو يرفضه، يحاول تفسير النصوص الشرعية في ضوء ما شهده من وقائع، وفي ضوء متغيرات الحياة، ونظرة الناس للموضوع، ونظرة المرأة أيضا، وهو عامل صنعته الظروف الاجتماعية، وصنعته وسائل الإعلام، والأفلام والمسلسلات المصرية بشكل كبير،

 



ومما يؤكد أنه حالة اجتماعية من الدرجة الأولى، ما بدأ يتسرب لسلوك حالات لنساء ممن ينتسبون للسلفية، ويلبسون السواد والنقاب، ومع ذلك عندما تعلم بأمر تعدد زوجها للزوجات تطلب الطلاق، وتصر عليه، فبينما الموضوع مرحب به في مستويات، فهو مرفوض في مستويات أخرى من نفس طريقة التدين. فتجد في الجماعة الواحدة مناطق تقبله، وأخرى ترفضه، فمثلا جماعة الإخوان المسلمين، ستجد في بلاد حالات التعدد فيها تكاد تكون صفرا، وهو موضوع غير مرحب به تماما، بينما في بلدان أخرى يعيشون كما يعيش أبناء مجتمعهم، وهو التعدد، كاليمن مثلا، وبلدان أخرى إفريقية.

والحقيقة أن الاستثناء في ذلك الأمر يتعلق ببعض حالات في حركة إسلامية كحماس، تعاملت مع الأمر فيما يتعلق بزوجات الشهداء، بزواجهن بعد استشهاد الزوج، ورأينا حالات تتزوج، أو تكون زوجة ثانية، ليعينها في ذلك أحد أبناء الحركة على تربية أبنائها، فالأبناء لا يحتاجون لرجل للرعاية المالية فقط، بل وللرعاية المعنوية والخلقية، وهو ما لم تستطع أن تتعامل معه جماعة الإخوان مع حالات أرامل شهداء رابعة والنهضة وغيرها، ولا يزال العامل الاجتماعي يضغط بالرفض.

كل ذلك مفهوم في سياقه الاجتماعي، من حيث القبول أو الرفض للموضوع، لكن الذي لا تفهمه، وتقف أمامه مشدوها، هو موقف بعض الناشطين والناشطات في مجال المرأة، ومجال الأقليات والحقوق الجنسية، فسوف تجد تناقضا عجيبا في مواقف سواء لكتاب، أو لناشطين، رجالا كانوا أو نساء، ستجد الواحد/ة، في الموقف من المثلية الجنسية مثلا، ستراه رغم أنه مسلم ويعلم حكم الشرع في الموضوع، لكن لديه مساحة من التسامح في التعامل مع القائم به، والدعوة للرفق به، ورعاية حقوقه، بينما في موضوع التعدد تجد المرأة صاحبة نفس الموقف، أو الرجل صاحب نفس الموقف، يتعامل مع الموضوع بعدوانية، ولو كان الأمر بيده لأصدر فرمانا بمعاقبة من يعدد الزوجات، أو تجريمه، فسماحة هناك، وجبروت هنا!!


التعليقات (0)