بغض النظر عن مواقف بعض الدول العربية من الربيع العربي وثوراته والحرية التي هتفت بها الشعوب وبُحّت معها حناجرها لأحد عشر عاماً، وضحّت خلالها بأعزّ ما تملك ونحن نرى عواقب ذلك ونتائجه في سوريا والعراق واليمن وليبيا وتونس، لكن يبقى أمن الدول العربية وحتى الحكام أنفسهم مهدداً؛ إن لم يتم التوصل إلى موقف جماعي من النازلة والغارة التي يواجهونها، وهي الغارة
الإيرانية.
ولعل ما تعرّضت له
الإمارات من قصف وهي تفاوض الإيراني في طهران وتستعد لاستقباله في أبو ظبي؛ دليل للمرة الألف على ما نقوله وقاله العقلاء في عالمنا العربي والإسلامي من قبل، وربما يكون مقدمة أو "بروفة" لما قد تتعرض له دول أخرى في طابور الاستهداف الإيراني.
نسمع اليوم عن لقاءات أمنية بين المملكة العربية
السعودية وإيران في الأردن وبوساطة عراقية، وقد كانت بالأمس القريب الأراضي العراقية مصدر تهديد علني للمملكة بقصف مناطقها وتهديد مقدساتها، زادته تسريبات لأبي مهدي المهندس وغيره ممن يتفاخر بهم العراق وإيران؛ حين قال إن قتال وتدمير السعودية أولى من إسرائيل. وهذا يعني أن هذه اللقاءات السرية لن تكون نتيجتها أحسن حالاً من لقاءات سبقتها على مدى عقود، فأسفرت عن ولادات جديدة من الحوثي إلى حزب الله فالمليشيات الطائفية في العراق، وقريباً تبرز مليشيات طائفية في السعودية ذاتها.
هذه اللقاءات السرية لن تكون نتيجتها أحسن حالاً من لقاءات سبقتها على مدى عقود، فأسفرت عن ولادات جديدة من الحوثي إلى حزب الله فالمليشيات الطائفية في العراق، وقريباً تبرز مليشيات طائفية في السعودية ذاتها
طبعاً مثل هذه اللقاءات أتت بعد لقاءات مسؤولين إماراتيين مع الإيرانيين ظانين أنهم قادرون على عقد صفقات في طهران بعيداً عن حليفتهم السعودية، ومناكفة قطر، وهم الذين كانوا يتهمونها بذلك، بل وكان مبرر غزوهم الفاشل لها تعاونها كما يدعون مع إيران.
طهران لن تضحي بحلفائها، ولعل ما جرى للحوثي من دعمه حتى بالصواريخ البالستية وطائرات الدرون وتوفير دعم سياسي دولي وإقليمي له، بل والسماح له أن يلعب في ملاعب إقليمية باستهداف السعودية والإمارات، يؤكد ذلك، في حين أن الحليف المحلي
اليمني للسعودية والإمارات لا يُسمح له حتى باللعب في مربعه اليمني ذاته، ونحن نتابع كيف يتلاعب التحالف العربي بالفصائل اليمنية، وكيف يخوض شركاء متشاكسون في التحالف معركتهم بوجه حلفاء الحوثي الواقفين معه كالجدار الفولاذي يقاتلون عن يمينه ويساره ومن أمامه وخلفه.
أما على الجانب العراقي الذي استولت عليه طهران كاملاً مكملاً، فلم يسقط فقط من أجندة الدول العربية وتحديداً السعودية، وإنما غدا أمثال قاسم الأعرجي يتوسط بينها وبين طهران، فجمجمة العرب غدت جمجمة للفرس في طهران، والأسوأ أن يقبل أمثال المملكة بذلك، وبهذا الدور الجديد! للتفاوض بعيداً عن العراق وإنما تفاوض على اليمن وربما على أمنها واستهداف الحوثي لمدنها.
أما في سوريا فقد رأينا كيف وقع الانسحاب العربي الكامل منها، وترك تركيا مكشوفة أمام احتلالات روسية وإيرانية متعددة. والكل يرى اليوم كيف أن العاصفة الثلجية والواقع الصحي الأليمين يضربان ملايين الأهالي المشردين، دون أن تتحرك الدول العربية لمساندتهم والتخفيف عنهم، فضلاً عن دعمهم عسكرياً من أجل مواجهة قطعان المليشيات الطائفية والدفاع عن أنفسهم، ليعودوا إلى بيوتهم المحتلة، تماماً كما يفعل الناتو والغرب وأمريكا اليوم بمناكفة روسيا في أوكرانيا، أملاً في وقفها وسدّ الطريق عليها قبل وصولها إلى أوروبا.
ما تبذله إيران على أرخبيل مليشياتها الطائفية في دول كالعراق وسوريا واليمن ولبنان لا يشكل شيئاً مما أنفقه تحالف السعودية والإمارات في اليمن، ولو تم إنفاق جزء ضئيل من هذا على القوى الحقيقية الشعبية المؤثرة لكانت الخريطة ليست كما نراها اليوم بالتأكيد، ولما رأينا الصواريخ الحوثية تتساقط على مدن في السعودية والإمارات
إن ما تبذله إيران على أرخبيل مليشياتها الطائفية في دول كالعراق وسوريا واليمن ولبنان لا يشكل شيئاً مما أنفقه تحالف السعودية والإمارات في اليمن، ولو تم إنفاق جزء ضئيل من هذا على القوى الحقيقية الشعبية المؤثرة لكانت الخريطة ليست كما نراها اليوم بالتأكيد، ولما رأينا الصواريخ الحوثية تتساقط على مدن في السعودية والإمارات، لكن الطفولة السياسية والمناكفات التافهة، وقلة العقل التي دفعت بدولة كالإمارات لتذهب داعمة مستبداً كالسيسي، وكذلك حفتر.
ونحن نرى صمتاً سيسياً وحفترياً اليوم تجاه ما تتعرض السعودية والإمارات له، والأعجب من ذلك هو لهاث حكام المملكة وراء مغرور كحاكم الإمارات في قتال كل من لا يشكل خطراً على بلاده، ليستفيق اليوم - ولا أدري إن استفاق - على خطر داهم قد يكون الأوان قد فاته في معالجته.
ما لم يتم وضع الخطر الإيراني اليوم على أجندة العالم العربي كله، فإن الفوضى والتشتت والتمزق ستكون قادمة إلى كل واحدة من الدول العربية؛ الفارق الوحيد أن البعض في حكم المعجل والآخر في حكم المؤجل. أما تعويل البعض على طهران، حركات ودولا، فلن يجدي ولن ينفع، ففي السياسة يتم التعامل معك رغبة أو رهبة بحسب وزنك المالي والسياسي والعسكري والأمني، وقبل ذلك كله الاجتماعي، وأعني حاضنتك الشعبية التي تقف معك وتدعمك، أما دون ذلك وخلافه فهو عبث في عبث.