هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مآسينا في فلسطين تتراكم وتتجدّد، منذ قرن من الزمان وهي تتراكم وتتجدد، وتطال الشعب أفراداً وجماعات.. ففي كل يوم قتل واعتقال وسجن لأبنائنا وبناتنا، وتدنيس لمقدساتنا، وقضم لأرضنا، وافتراء وتزوير وتزييف للحقائق والوقائع وتشويه للضحايا والنضال والتاريخ في وطننا التاريخي فلسطين.
وكل ذلك يقوم به الصهيوني المحتل بوحشية وانعدام أخلاق وصَلَف، ويتجدد إرهابه ويزداد همجية واستباحة للشعب والأرض والحقوق والحريات ولكل حق لنا في الحياة، وفي كل يوم يرتفع صوت مجرميه في القدس والأقصى وفي أرجاء فلسطين بالتهديد والوعيد: "الموت للعرب".. ونحن ننزف الدم، ونذرف الدمع، ونشيع الشهداء، نزيد عدد المقابر ومساحتها، وننتظر أحبة لنا هم منذ عشرات السنين تحت التعذيب في سجون النازية الجديدة ومعتقلاتها..
نعيش بؤس الواقع وبؤس الحصار وبؤس الخَذل من الأهل، ونلهث وراء لقمة العيش، ونرفض المحو ونقاوم الاحتلال باللحم والدم.. يحدث لنا كل هذا الظلم والعالم الذي بيده القوة ويملك القرار يتواطؤ مع العنصرية الصهيونية والوحشية النازية ضدنا، ويُمِدُّ الإرهاب الصهيوني بالسلاح والمال وأشكال الدعم "المادي والمعنوي، السياسي والإعلامي و.."، ويرفض أن تُرفع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تُرتَكَب بحقنا إلى محكمة العدل الدولية، ويتغاضى عن برنامج الإبادة المنهجية الذي يتم تنفيذه ضد الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين، وعن السلاح النووي الإسرائيلي بمئات الرؤوس النووية وأعداد من المفاعلات، وهو سلاح يستهدف الفلسطينيين والعرب والمسلمين في المنطقة، ويكيل بمكالين ويفاخر بازدواجية المعايير ونهج النفاق وسطوة القوة الوحشية.
ولا تكتفي دول عظمى في هذا العالم بذلك كله بل تعمل على عزل الشعب الفلسطيني عن أمته العربية وعالمه الإسلامي، وتدمير كل من يناصره، وتَجْهَد لتُدخله دائرة اليأس، وتجبره على الاستسلام والتنازل عن وطنه وحقوقه، وعلى رأسها حق العودة وحقه في الحياة.
وها نحن اليوم نحمل نعوشاً بعد نعوش، ونعيش فصلاً جديداً من فصول مأساتنا المروِّعة في فلسطين، فصلاً تتفاقم فيه الوحشية والهمجية الصهيونية ويَسْتَحِرُ فيه القتل والاعتقال والاستيطان.. فصلاً يُنَكَّل فيه بالفلسطينيين المدنيين العزَّل ويضطهدون ويحاصرون من غزة إلى جنين، وتُستباح فيه المقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى وقبة الصخرة والحرم الإبراهيمي، ويُقصى المصلون عنها ويُضربون في قاعاتها وساحاتها، ويدنِّسُها الصهاينة بقطعانهم من المستوطنين القذرين الهمج.. ويريدون فرض تقسيمٌ زَمَكانيٌّ فيها بين أصحابها واليهود المجلوبين من كل حدْب وصوب، وهي بيوت خالصة للفلسطينيين والمسلمين، وبينها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
ويزيد هذا الفصل مأساوية مراراً وقسوة ودِلالات مفجعة تواطؤُ دول عربية مع العدو الصهيوني المحتل وحلفائه الغربيين، حيث يتحالفون معه، ويباركون عدوانه، وينسقون معه، ويستقوون به على الفلسطينيين وعلى الأمتين العربية والإسلامية.. وتحتفي دولة من تلك الدول ـ باسمها واسم المطبِّعين أمثالها على الأرجح ـ بأعياد الصهاينة الدينية و"الوطنية"، وتبارك لهم بيوم إقامة كيانهم الإرهابي في أرض الوقف والرباط، أرض فلسطين، في وقت هو ذروة من ذرى تنكيل أولئك العنصريي بالمقدسيين خاصة والفلسطينيين عامة خلال شهر رمضان. تبارك لهم تلك الدولة التي كان لمؤسِّسها موقف قومي مشرف من دولة العدوان والعنصرية " إسرائيل"، تبارك لهم بيوم إلحاقهم النَّكبة بالشعب الفلسطيني، وذبحه لهم وتشريدهم واغتصاب وطنهم وإقامة كيان عنصري تلمودي ذي نهج إرهابي ممنهج، معادٍ للعروبة والإسلام، في قلب الوطن العربي ليشكل رأس حربة في خاصرة الأمة العربية كلها.
ها نحن اليوم نحمل نعوشاً بعد نعوش، ونعيش فصلاً جديداً من فصول مأساتنا المروِّعة في فلسطين، فصلاً تتفاقم فيه الوحشية والهمجية الصهيونية ويَسْتَحِرُ فيه القتل والاعتقال والاستيطان.. فصلاً يُنَكَّل فيه بالفلسطينيين المدنيين العزَّل ويضطهدون ويحاصرون من غزة إلى جنين، وتُستباح فيه المقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى وقبة الصخرة والحرم الإبراهيمي،
لقد أعلنت تلك الدولة "أنها تندم أو تأسف على السنوات السابقة التي لم تكن لها خلالها علاقة مع "إسرائيل"، حين شاركت مع دول عربية في اجتماع "سديه بوكر" ـ النَّقب، وكانت على رأس دول التطبيع الأخير والتواطؤ والتحالف مع الصهيوني ضد قضية فلسطين والأمة العربية.. وبدت ناشزاً عن أمتها وعن العدل والحق بمباركتها لدولة الإجرام، وقوبل موقفها ذاك بما هو أكثر من الصمت المريب من دول عربية شريكة لها في الفعل المدان العجيب، ولا غرابة فكلها دول مخترقة من قبل من صنع وسمى ووقع ما يُسمى "اتفاق إبراهيم" الذي هو ضد أبناء إبراهيم الخليل الحقيقين، لأن الصهاينة الذين يحتلون فلسطين ويقيمون فيها "دولة؟" عنصرية ـ نازية جديدة، ويضطهدون شعبها، ويحكمونه بالحديد والنار، هم قبائل الخزر المتهودين، " القبيلة الثالثة عشرة" كما يعرفهم ويعرِّف بهم باحثون يهود منهم آرثر كوستلر.. وهم ومعهم يهود آخرون يخترعون تاريخاً لليهود في فلسطين، وليس لهم أدنى صلة بفلسطين ولا بإبراهيم خليل الرحمن، وهو منهم براء. لقد صمتت دول عربية أخرى على ما كان من اتفاق، وتطبيع، ومباركة ناشزة..
وما كان ذلك ليحدث أصلاً لو:
1 ـ أخذ ساسة دول التطبيع العربية بحقائق التاريخ، وهدى الرحمن، وصريح القرآن الكريم ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٦٧﴾ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٦٨﴾ وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٦٩﴾ سورة آل عمران.
ما كان ذلك ليحدث لو وعوا، ولَعزَّزوا سنة أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام، وأعلوا مكانة بيته عن أن يجعلوا يهود الخزر شركاء فيه ويقسمونهم اسمه، ويستظلون بظله وهم مَن عاثوا في بلداننا خراباً كما كان شأنهم عبر تاريخهم الأسود في كل البلاد التي كانوا فيها ونبذهم أهلُها. إن بيت إبرهيم هو ذلك الذي بناه معه ولده إسماعيل بمكة المكرمة، ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿١٢٧﴾ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿١٢٨﴾ سورة البقرة.
2 ـ ولولا تمزق الصف العربي على يد الصهاينة والغربيين، وإشتعال نار الحرب البينية بين دول عربية، وأخرى عربية ـ إسلامية، وتدمير دول عربية معنية بقضية فلسطين أكثر من غيرها، وإدخالها أو دخولها بقصور نظر سياسي في حروب طائفية وعرقية مقيتة وعقيمة، خربتها وأخرجتها من ساحة الصراع مع العدو المحتل لسنوات.
3 ـ ولولا الانقسامات الفلسطينية العميقة المُزمنة التي بدأت منذ كامب ديفيد وتجذرت باتفاق أسلو المشؤوم، واستمرت وتطورت وأدخلت القوى الفلسطينية في صراعات بينية فتحت بدورها الباب أمام: انقسامات عربية حول فلسطين الشعب والقضية والمواجهة والمقاومة ـ وتنصل بعض العرب من مسؤليتهم عن قضية مركزية طالما كانت محور النضال القومي والمسؤولية القومية الأولى، هي قضية فلسطين ـ ونكوص وطني وقومي، وتَفَلُّتٍ من القضية والمسؤولية، بدأ بسياسة " أنا أولاً" التي ثَقبت مركب الأمة، وخلقت موجة تسابق على الخروج من المركب المثقوب قبل الغرق، فغرق من خرج أو كاد، وبقي في المركب من يصارع ويكاد يغرق.. فسياسة "أنا أولاً" لم تنقذ وأضعفت "الأنا" و"النحن".
ومن جراء التفكير بـ "أنا أولاً وبعدي الطوفان" وغيره وغيره من الآراء والمواقف، ومن جراء الانقسام الفلسطيني العميق المستمر، دخلنا عربياً دائرة التخاذل والتواكل والتآكل والتواطؤ التي انتقلت من طور إلى طور، وساهمت في التأسيس للتبعية للاستعانة بالأعداء وإعادة احتلال أقطار عربية وأقطار بصورة مبشرة أو غير مباشرة، ولمصائب كثيرة. وأصبح في الساحة الفلسطينية خيارات متضادة وتناقضات حادة واتهامات متبادلة.. والكل يعرف اليوم أن هناك من الفلسطينيين من يقاوم الاحتلال، ويعاني في السجون والمعتقلات، ومَن يلاحق ويحاصر، ومَن يتعرض كل ما يبنيه لتدمير دوري يستهدف إرادته ووجوده، ومَن يستشهد على طريق التحرير والحرية والاستقلال، ومَن يدين المقاومة ويصف بعض المقاومين والشهداء الفلسطينيين بالإرهابيين.؟!
4 ـ وما كان ذلك ليحدث لولا التبعية، واستعانة دول عربية بأعداء الأمة والدين ضد شعبها وذاتها وأمتها، ولولا الموالاة العمياء لأعداء تاريخيين طامعين لا يرحمون.
وكل ذلك الذي جرى ويجري سبب عجزاً عربياً عاماً، وانعدام ثقة متبادلة بين دول وساسة، وصراعات عربية بينية أنهكت الجميع.. ومن ثم تآكلت القوة العربية، والمواقف السياسية العربية، وانصرف عرب انصرافاً واضحاً فاضحاً مخجلاً ومداناً عن قضية فلسطين، وترك الجميع شعبها يواجه العدو الصهيوني وحيداً، معزولاً عن أمته، يأتيه صدى صوت جماهيرها داعماً بينما دماؤه تسيل.
إلى متى نبقى مستنزَفين، مضطهَدين، محكومين بالوحشية والهمجية والعنصرية، محاصرين وممزقين ومتضادين ومتعادين ومشردين ومشريع قتل وتعذيب وتشريد؟!.. إلى متى يبقى البعض منا في غيبوبة وهم النجاة من خلال موالاة الأعداء وغياب الوعي والانتماء، ونحن كلنا مستهدفون؟!
وفي هذا الخضم من المآسي المتجددة، والواقع القاسي، والعدوان الصهيوني العنصري المتصاعد، والطغيان المستمر، والتواطؤ الدولي، والعجز والانقسام العربي ـ العربي، والفسطيني ـ الفلسطيني.. نتساءل: إلى متى نبقى مستنزَفين، مضطهَدين، محكومين بالوحشية والهمجية والعنصرية، محاصرين وممزقين ومتضادين ومتعادين ومشردين ومشريع قتل وتعذيب وتشريد؟!.. إلى متى يبقى البعض منا في غيبوبة وهم النجاة من خلال موالاة الأعداء وغياب الوعي والانتماء، ونحن كلنا مستهدفون؟! أفما آن لنا أن نفكر ونقرر ونعمل لكي نخرج من دائرة الضحايا والمستضعفين ومن دوائر الإذلال والمآزق القتَّالة.. أما آن لنا أن نخرج من خنادق الضيق إلى خنادق الفرج ونلتقي في خندق واحد؟!
لقد كان للإنقسام الفلسطيني على الخصوص دور في ما وصلنا إليه، وما زال له دور يقوم به ويؤثر سلباً أو إيجاباً فيما يمكن أن نصبح عليه، فالوضع العربي العام يتأثر بالموقف الفلسطيني الموحد ويشد باتجاه قضية فلسطين أكثر من سواه.. ولذا فإن من أولى الأولويات أن يتوحد الصف الفلسطيني وراء خيار المقاومة حتى التحرير والحرية والاستقلال. إن علينا أن نكون بذواتننا لأننا لن نكون أبداً بغيرنا، ولا نكون بذواتنا إلا إذا أصبحنا كما نريد نحن أن نكون بإرادة حرة ووعي مسؤول وانتام عربي عام يعلو على الوطني الضيق.. ولن يتحقق ذلك إلا بالأمة وعبرها والولاء لها.
لقد آن لنا أن ندرك أن مستقبلنا واحد ومصيرنا واحد، وأنه لن يخرجنا مما نحن فيه من تمزق وتبعية للأعداء وضعف وقهر واحتلال و.. و.. إلا اجتماع كلمتنا، ووحدة صفنا، واعتمادنا على أنفسنا في الدفاع عن أنفسنا، وحماية بلادنا وثرواتنا وأموالنا بقوتنا، وتفاعلنا الإيجابي مع محيطنا الإسلامي والإنساني باقتدار؟! إن الذين منا لا يبالون بما يجري سيجدون أنفسهم في الفخ، أمَّا الذين هم بيننا ووطنهم المال، وانتماؤهم للقرش وليس للأرض والمقدس والهوية.. فلن يتمسكوا بوطن ولا يعنيهم أن يخلصوا لأمة وعقيدة ويدافعوا عنهما ولا عن هوية ووجود ومصير، وقد لا يعتمَد عليهم في شيئ، فهم يبيعون ويشترون وينتقلون مِن سوق إلى سوق، ومِن ظل إلى ظل..
أمَّا الذين يعنيهم الأمر والوجود والمصير وما تعيشه الأمة فهم أولئك الذين شروشهم ضاربة في عمق الأرض والتاريخ، وسقفهم الوطن القوي والإيمان المتين، الذين انتماؤهم لأمة وعقيدة، ويحملون هوية ويدافعون عن حقوق وحريات ووجود.. وليس لهم ولا أمامهم إلا أن يتحدوا ويعلوا شأن إرادتهم وشأنهم ومصيرهم على كل إرادة وشأن ومصير، ويجمعوا صفوفهم بصدق وإخلاص ووعي، ويحددوا خياراتهم، ويملكوا قوة شاملة :" معرفية وعلمية وتقنية ومادية وروحية"، ويقفوا بوجه الظلم والقهر والاحتلال والعنصرية والإبادة، ويحبوا الحياة وحقهم في الحياة، ويدافعوا عن أنفسهم وأبنائهم وبيوتهم، وعمّا يعنيه لهم وطن ويعنيه لهم أمن من جوع وخوف، وما تعنيه حياة حرة كريمة، لمواطن حر كريم في وطن آمن حرٍّ قادر مستقل سيِّد، يعيش فيه الإنسان نداً وسنداً وعوناً لأخيه الإنسان.
والله من وراء القصد.