تعلو صيحات بشائر
الانتصار الكاذب على صفحات
المعارضة، بأسراب بشائر كاذبة، كفيديو لسيدة مصرية تسب النظام، أو تكشف سرا من أسرار عورته المكشوفة مثل سوأة العنزة، أو فيديو لصعيدي مغترب يتهكم على السيسي، أو يستغيث به، ويذكّره ببيعته.. وفي
تونس مظاهرة في شارع الحبيب بورقيبة، أو ذكر تقرير يتباهى بنسبة المقاطعين لاستفتاءات خطيب العرب والعجم والإنس والجان السيد قيس سعيّد، الإلكترونية، وهي مظاهرات غير ذي بال في الصراع الدموي على الحكم.
أما الصفحات السورية فتطرب باعتقال مخبر في ألمانيا، وتدعو إلى الاحتفال بمقابلة الكونغرس الأمريكي لـ"قيصر" مرتديا زي الشتاء في فصل الصيف، أو مقابلة الكونغرس لـ"حفّار القبور"، وكلاهما مقنّعان، كأنهما شخصيتان من فيلمين من أفلام الغموض والتشويق، لكننا في هذين الفيلمين نعرف القاتل ونجهل القتيل.
وفي مواسم الانتخابات الإسرائيلية، نشمّر عن سواعد الدعاء وشدِّ المآزر، رافعين أكف الضراعة، داعين الله أن ينتصر حزب العمال على حزب الليكود، والفرق بينهما كالفرق بين الساطور والسيف. القشة التي تقصم ظهر البعير هي القشة التي تجعله يطير.
هناك انتصارات أخرى تعويضية مثل:
احتفال طائفة أخرى من المعارضين بانتصار فريق مؤمني ليفربول على فريق كفار ريال مدريد. يسوّغ بعض الحكماء الموالاة العربية لفريق ليفربول بوجود لاعب مصري في صفوفه، وقد يستأنس العرب بحكم تماس إن خلا الفريقان الأوروبيان من لاعب عربي، ولو كان حكم ساحة لكان أدعى للفخر.
أحيانا يحاول مفكرون مجدّون انتقاد انصراف العرب من هزائم السياسة إلى انتصارات كرة ليست كرتهم، في ملاعب ليست ملاعبهم، فيشعرون بالذنب وعذاب القدم والضمير،
وهم ينتقدون مزج ماء الرياضة بلبن السياسة، ويستهلّون نقدهم بالثناء على هذه اللعبة الرائعة ولاعبيها الأبطال، ويمدحونها، فهي لعبة مقدّسة لا يجوز نقدها ولها معتنقون وأتباع. لا خوف من لاعبي كرة القدم على السياسة عادة.
الأمريكيون يحسنون بالحكايات والقصص العبث بالشعوب، ويحافظون على ناعورة الأمل دائرة، وإن كانت فارغة الدلاء، فهم دعاة الديمقراطية في الكرة الأرضية، ويزقوننا بمسكنات للألم، وهم الذين اخترعوا العلكة لتصريف الغضب.
تلعب بعض مؤسسات أمريكا دور معارضة الدكتاتوريات "الشرقية"، خاصة صحفها، فتدعمها سرا، وتنتقدها جهرا، وتقوم بواجب عزاء الشعب السوري وبثِّ الأمل فيه بزيادة العقوبات على بعض أصحاب المال، فيزدادون مخالب وبراثن. والأمل هذا كاذب، فمن الأمل ما قتل، وبعض الأمل عذاب، فاليأس إحدى الراحتين.
وقد استبشر تونسيون بإضراب القضاة، والذين أعلنوا أنهم يريدون حوارا مع الرئيس التونسي، وقد نجح الإضراب بزعمهم، لكنه لم يثمر بعد حوارا، فالرئيس قد استيقظ من نومه، وانتوى مكافحة الفساد، فبدأ بتنظيف المؤسسات المنتخبة وتجريفها من المنتَخبين. المظاهرات غير ذات بال في موازين القوى، هذه ليست حكومات مدنية حتى يسقطها التظاهر أو الإضراب، فلم يحدث أن سقط نظام عربي بالمظاهرات، وكلها أنظمة عسكرية مسلحة، فحتى مظاهرات مصر لم تسقط مبارك إلا بتخلي الوزغ عن ذيله، الذي وهمنا أنه رأس.
رأت صحيفة غربية أن الاتحاد التونسي للشغل هو الذي يقود المعارضة حاليا، فقد تردّى الحزب الأول (حركة النهضة) إلى الصفوف الخلفية، خوفا من الانتقام، فالحركة تدرك أنها المستهدف الأول، والغنوشي يقتصد في التصريحات. رئيس البرلمان تحوّل إلى ناشط سياسي خجول، يبثُّ أحيانا تغريدات متأخرة تعدُ بالمستقبل المشرق، وتبشر بسقوط الانقلاب بذكر بعض دروس التاريخ ومواعظه وعبره.
من جانب آخر تلحُّ مؤسسات إعلامية غربية على إبراز أسماء معارضين مصريين أو سعوديين أو سوريين ينتسبون إلى تيارات غربية المصدر والمنشأ، مثل التيار الليبرالي الذي يوصف بالعلماني أحيانا، وباليساري أحيانا أخرى، فله عدة أسماء، وأحيانا تتشابه التيارات هذه أو تتطابق، كأنه ليس من مناضلين في السعودية سوى لجين الهذلول أو رائف بدوي، وفي مصر سوى علاء عبد الفتاح، وحسن نافعة الذي سرّح. الإسلاميون، وهم مواطنون فاز حزبهم بالانتخابات، يقبعون في المعتقلات بمئات الآلاف، وحالهم أسوأ بكثير من حال هؤلاء الذين تسود صورهم صفحات الإعلام، ويجتهد الإعلام العربي والعالمي في تعظيمهم وأيقنتهم، والأيقنة كناية عن التقديس.
تضغط الحكومات الغربية لإطلاق سراحهم ضغطا يشبه العناق، وسيخرجون قريبا أبطالا يقودون المعارضة عن بعد، وتظهر صورهم على صحيفة التايم، مثل ظهور اسمي ناشطين حقوقيين سوريين، وقد تسمى بأسمائهم شوارع في واشنطن أو ولايات أمريكية أقل شأنا.
لقد أصبحت مصر مديونة للبنك الدولي بفوائد القروض، أما سوريا، فمدمرة وتحتاج إلى قروض ولا تطولها، وتونس عاجزة عن الحركة، والسعودية تبني قبلة أخرى تشبه "قليس" أبرهة الحبشي، في نيوم.. كان أبرهة تقيّا يحبّ دينه، ويغار من الكعبة.
قبل أيام ظهر رجل على شرفة منزل في غزة وهو يستغيث من حماس وجورها بأمريكا، وقد استنجد بالذئب، أقصى ما يطمح إليه هذا الرجل أن يعيش في رام الله، يأكل ويُهان على الحواجز، ويدعو لعباس (أبي مازن) بطول العمر، كأن حماس هي السبب في البطالة، وليس إسرائيل ومَن وراءها.
كانت سوريا بلا معارضة مثل مصر الآن، أما المعارضة التونسية، فهي معارضة جديدة نقابية، وقد حلّت محل النهضة. إن النظام العالمي بعد أن بدّل أنظمة الحكم في
العالم العربي، نجح إلى حد كبير في تبديل المعارضة.
الخلاف القادم سيكون بين معارضة وحكومة، ويكون الخلاف بينهما خلافا عائليا.
هناك نصر لا شك فيه، أو هو صمود بطولي، والصمود نصر في أيامنا، والعدو نووي، كصمود أبي مازن في وجه الغطرسة الإسرائيلية، فلن يسلّم سموأل فلسطين الرصاصة التي قتلت شيرين أبو عاقلة، بل وطالب رئيس وزرائه الباسل العدوَ بتسليم البندقية التي قتلتها حتى يقتص منها، فيعذبها عذابا شديدا، ويقيم عليها الحدّ.
twitter.com/OmarImaromar