كل تهافت
يقترب من نظام بشار
الأسد، لا مبرر له إن كان سياسيا وأخلاقيا أو براغماتيا، وتسويق
التطبيع مع النظام
السوري عربياً وإقليمياً "كضرورة" للتعامل مع ما هو قائم على مذابح
وجرائم وحطام وكوارث السوريين، للعودة لنقطة الصفر تمهيداً لإعلان انتصار
الأسد
على ضحاياه، يعني في نهاية المطاف الاعتراف برواية ومزاعم النظام عن محاربة "الإرهاب"،
وبمد خطوط التواصل والتطبيع معه تسقط الخدعة الصاخبة عن مؤازرة الضحايا.
والتبرير التركي في هذا الشأن
والسجال حول البدء بخطوات تطبيع أولى مع نظام الأسد، مع تواصل أمني لم ينقطع لا مع
التركي ولا الأمريكي ولا مع أي جهاز استخباري عربي وإقليمي ودولي، يعني أن ركيزة الوظيفة الأساسية للنظام
الأمنية هي المبتغى لكل الخطوط الممدودة نحو دمشق.
الترحيب
بترسيخ سيطرة النظام العسكرية والأمنية، لإعادة تسويقه، ضرورة ليست عربية فقط، بل هو
حاجة إسرائيلية وأمريكية وروسية وغربية لمن نكّل بشكل جماعي بالسوريين. فلا مصلحة
اقتصادية واجتماعية وسياسية في العلاقة مع نظام ارتكب ويرتكب
جرائم الحرب والإبادة
بشهادات وتقارير محلية ودولية ضخمة، ولا العلاقة مع النظام السوري فيها من
البراغماتية شيء سوى القفز عن مطالب وتضحيات السوريين لنيل حريتهم وكرامتهم
ومواطنتهم، لكن من باب النكاية والإفلاس والغدر يصبح الأسد نموذجا وقدوة لممارسة
النفاق العربي والدولي المجرب مع قضايا عربية على رأسها القضية الفلسطينية.
الترحيب بترسيخ سيطرة النظام العسكرية والأمنية، لإعادة تسويقه، ضرورة ليست عربية فقط، بل هو حاجة إسرائيلية وأمريكية وروسية وغربية لمن نكّل بشكل جماعي بالسوريين. فلا مصلحة اقتصادية واجتماعية وسياسية في العلاقة مع نظام ارتكب ويرتكب جرائم الحرب والإبادة بشهادات وتقارير محلية ودولية ضخمة
كان
واضحا خلال السنوات العشر الماضية، أن المتشرنقين بالشعارات المؤازرة للأسد، والملتحفين
بشعارات مضادة "تدعم" السوريين، يحملان منطقاً واحداً متماسكا ومنسجما
مع قواعد تنطلق من عدم القبول بإحداث تغيير جذري في
سوريا ينطلق من اجتثاث الأسدية
بعد هز أركانها. انعكس هذا الوضوح بشكل حاد ما يعتقده بناة جسور التطبيع مع النظام
السوري، أو العائدون لحضنه اليوم، من خلال الإقرار بأن كل شيء انتهى ومحسوم
بالسيطرة والتدمير الشامل، وبمساعدة قوى محتلة تشكل أحد أضلاعها قوةً عظمى، صبت كل حمم الموت فوق رؤوس السوريين مع تواطؤ دولي وتآمر إقليمي،
لكن من قال إن هذا ينهي الصراع ويبني مستقبلا للسوريين؟
قبل
الثورة السورية، مرت خمسة عقود
والنظام يقيم علاقته الطبيعية مع محيطه ومنسجم مع وظيفته، شيّد كل البنى في سوريا
باسمه واسم عائلته، ومع ذلك تهاوت أركانه. الآن يشهد ونشهد مع كل العالم خذلان
الثورة والهجمة المضادة ضدها وضد السوريين، وهذا لن يغير من المعادلة طالما عرفنا
أن كل العالم متواطئ مع الأسد كضرورة باطشة على المجتمع.
والسؤال الآخر: ما الذي يمتلكه نظام الأسد
ليقدمه للمجتمع العربي والدولي غير ما قدمه طيلة العقود الخمسة الماضية من البطش
والقهر المتوج بجرائم الإبادة؟ كل الإجابات الغربية والعربية عن هذا السؤال تطالب
باستعادة هذه الوظيفة وإعادة تمكينها وسيطرتها كأخواتها العربية المستبدة. في
المقابل، ما الذي ستقدمه خطوات التطبيع مع نظام الأسد للسوريين سوى تمكينه مجدداً
من رقابهم وإنعاشه لأطول فترة ممكنة؟
سلسلة المكافآت المخزية التي تقدم لنظام
الأسد، سواء بالتغاضي عن
جرائمه أو بالتطبيع معه، لا تنتمي لعالم السياسة أو بقية
العلوم الأخرى، بالمعنى المشار إليه، فلا سياسة غير سياسة النظام وحلفائه المكرسين
سيطرته بالقمع والجرائم، وسياسة المعارضة التي تتحكم بها قوى إقليمية ودولية،
تنتقل بمواقفها وفقاً لإيقاع يصنعه خصمها.
قد جرى الانطلاق من محطة اشتباك إلى أخرى
ومن جولات مفاوضات سوتشي وأستانا واللجنة الدستورية، كلها أخفقت في لجم جرائم
الأسد، وأخفقت في إرغام النظام على احترام القرارات الدولية المتعلقة بحماية
المدنيين وإطلاق سراح عشرات آلاف المعتقلين والكشف عن مصير المختفين، وبالتالي الإخفاق
الشامل في التعامل مع جرائم الأسد لفرض إحباط وهزيمة وتمزق على السوريين.
نتيجة ما نراه اليوم من هرولة الاستثمار
بوظيفته السابقة يغدو الحديث عن التطبيع مع الأسد مرتبطا في ذهن كل سوري؛ بمحطات
الجرائم التي اقترفها في كل حي ومنطقة ومدينة.
هذا الواقع السوري والعربي القاسي والمُر، لا تتم مواجهته بالتأملات العبثية، ولا بالخطب التي أُشبعت وغُدرت فيها الثورة السورية، ولا بالكلام السطحي الفارغ لأركان المعارضة السورية، إنما يحتاج لقوى وأفراد جديين لأبعد الحدود، يملكون الإرادة والقناعة والقدرة على الإمساك بالحقيقة
إن أي متابعة بسيطة لما يجري الحديث عنه على
صعيد تطبيع العلاقة مع النظام السوري من محيطه الإقليمي والعربي، سيوضح دون عناء
أن يد الهيمنة والبطش والإذلال تحت مظلة تفوّق النظام على الشعب السوري تفرضها
المصلحة المشتركة بينه وبين النفاق العربي والدولي. وهو السبب الذي يدفع بإخراج
العلاقة للعلن مع الأسد في ظل خطوات التطبيع مع إسرائيل التي تحذو نحوها أنظمة
عربية وإقليمية؛ تحت نفس الذرائع والأسباب التي كشف من ورائها فرض الشعور بالمرارة
والمهانة والهزيمة على كل مواطن عربي شهد آماله وحقوقه تُداس ببساطير العسكر في
الميادين والساحات، وبدبابات وبراميل متفجرة نزلت على رأسه.
هذا الواقع السوري والعربي القاسي والمُر،
لا تتم مواجهته بالتأملات العبثية، ولا بالخطب التي أُشبعت وغُدرت فيها الثورة
السورية، ولا بالكلام السطحي الفارغ لأركان المعارضة السورية، إنما يحتاج لقوى
وأفراد جديين لأبعد الحدود، يملكون الإرادة والقناعة والقدرة على الإمساك بالحقيقة
البعيدة عن أجندة ومصالح تناقض تطلعات المجتمع السوري.
ليس مسموحاً المداورة والمراوغة وتبرير
العجز والتآمر والتطبيع، ولا الدخول في دهاليز النقاش العقيم عمن يدعم السوريين
ومن يخذلهم، بينما تراث الأسد الكبير والهائل جداً من الدماء يجري مسحه بالتطبيع،
تماماً كما يجري الالتفاف على حقوق أشقائهم في فلسطين على طاولة المراوغات
السياسية. لذلك التطبيع مع الطاغية والمحتل بأي شكل ولون مكافأة مجزية للسفاح، واطمئنان
للطاغية وللمحتل بأن رصيده من الإرهاب يمكن الاستثمار فيه وتصريفه بعناوين كثيرة
وبعيدة عن مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية وحرية وكرامة ومواطنة.
twitter.com/nizar_sahli