أفكَار

وزير تونسي سابق لـ"عربي21": أحلام المثقفين قيّدها المستبدون

منصف السليتي: أحلام المثقفين العرب" كبلتها أجندات رموز الاستبداد والفساد عربيا وأقصى اليمين والشعبويين أوروبيا
منصف السليتي: أحلام المثقفين العرب" كبلتها أجندات رموز الاستبداد والفساد عربيا وأقصى اليمين والشعبويين أوروبيا

الكاتب الصحفي والناشط السياسي التونسي المخضرم المنصف السليطي مهندس تونسي تولى مسؤوليات إدارية وحكومية عديدة في بلاده في الثمانينيات من القرن الماضي وبعد ثورة كانون أول (ديسمبر) كانون الثاني (يناير) 2011 .. بينها عضوية حكومة إلياس الفخفاخ عام 2020.


خاض تجربة طويلة في المهجر حصل خلالها على الدكتوراه في العلوم البحرية من جامعة "بوردو" بفرنسا ثم انخرط في تجارب ثقافية وإعلامية وسياسية بصفته مهاجرا ثم خبيرا دوليا . 

ينتمي السليطي إلى جيل أبناء الجهات المهمشة والأرياف الفقيرة والناشطين السياسين ممن نجحوا في الجامعة التونسية ثم اضطروا للهجرة "في ظروف غير عادية" ومواكبة معاناة آلاف المثقفين والسياسيين والمهاجرين العرب والأفارقة في أوروبا عامة وفرنسا خاصة.. لا سيما منهم من خاضوا في مرحلة من عمرهم تجربة المعارضة والنشاط الحقوقي..

هذه التجربة المتنوعة والثرية دفعت السليطي إلى تأليف كتاب في شكل "رواية " سردية باللغة الفرنسية طبعه في فرنسا وتونس وهو الآن بصدد ترجمته إلى العربية، اختار له تسمية "الأحلام المكبلة " ( أو "الأحلام المقيدة")، عرض فيه بأسلوب جريء وشيق قصة معاناة "المهمشين" في بلدانهم ثم في بلدان المهجر وانعكاس ذلك على أسرهم وخاصة على "الجنس اللطيف" من أسرهم: الأم والأخت والزوجة والبنت..

 



الإعلامي والاكاديمي كمال بن يونس قرأ الكتاب وأجرى الحوار التالي مع مؤلفه لـ "عربي21"، حول أبعاده الإنسانية والثقافية والسياسية عربيا وإفريقيا دوليا :

س ـ أولا لماذا هذا الكتاب الذي تراوح بين "الرواية" والقراءة التحليلية والنقدية لمسيرة جيل من الشباب والمثقفين والسياسيين التونسيين والعرب بين مواطنهم والمهجر؟


 ـ الكتاب عبارة عن رواية، وهي سردية بطلها شاب يدعى "سامي".... كان  سامي الشخصية المحورية في الكتاب.. وهو ينحدر من عائلة ريفية من الشمال الغربي لتونس، كان همها الوحيد أن يبلغ أبناؤها مبلغا متقدما من التعلم والدراسة، في عهد كان فيه التعليم أهم سبيل للرقي والخروج من دائرة "المهمشين" والفقراء ..

كان التعليم وقتها، مثلما أورد كبار علماء الاجتماع التونسيون: أهم "مصعد اجتماعي" لأبناء العائلات الفقيرة الذين يطمحون إلى الصعود إلى "الطبقة الوسطى" وربما إلى "الطبقات الميسورة".. تعرض روايتي أن "سامي" نجح في تحقيق جزء من أحلامه وأحلام عائلته ومجتمعه فنجح في جامعة المهندسين بتونس وأصبح مهندسا في وزارة فنية بتونس. ثم تحصل على دكتوراه من جامعة في فرنسا في العلوم البحرية ونجح في افتكاك مواقع في المجتمع المدني والإعلام في أوروبا.

نفس الشاب "سامي" عاد لاحقا إلى بلاده ورافق مرحلة "الانتقال الديمقراطي" والثورات العربية، وتحمل مسؤوليات إدارية وسياسية عليا في الدولة، كما خاض تجربة جديدة في عالم الثقافة والإعلام.

لذلك فالكتاب يتجاوز جانب السيرة الذاتية ويعالج إشكاليات وتعقيدات الحياة اليومية للمثقف التونسي في بلاده وفي المهجر. ويقدم رسائل متعددة تهم النخب التونسية والعربية التي عانت من الاستبداد والظلم في موطنها ثم بعد لجوئها إلى "واحة الديمقراطية وحقوق الانسان" في فرنسا .

وضعية هذا الشاب المثقف عاشتها بصيغ مختلف العديد من النخب العربية والإفريقية بصفة عامة، وخاصة الذين واجهوا صعوبات وتعقيدات قبل تسوية وضعيتهم القانونية أو الحصول على صفة "لاجئ سياسي" أو وثيقة "إقامة عادية" أو "جواز سفر" بما يسمح له بالحق في العمل وحرية التنقل ..

ومن بين أهم المسائل التي حاول الكتاب إثارتها، بأسلوب "الرواية"، تطور مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية والتعذيب وحقوق الإنسان بين بلدان الجنوب التي يفر منها الشباب والمثقفون والسياسيون المعارضون و"بلدان الشمال الديمقراطية "، التي أصبح الحصول فيها على حقوق المهاجرين القدامى واللاجئين السياسيين السابقين صعبا جدا .

الهجرة واللجوء الاقتصادي والسياسي

س ـ بعد تزايد تأثير "أقصى اليمين" و"الشعبوية" في مؤسسات صنع القرار في أوروبا وأمريكا تؤكد عديد الدراسات المستقلة والتصريحات الرسمية تغييرا في أولويات الساسة الأوربيين والغربيين: أصبحت الأولوية للأمن ومحاربة الهجرة وليس للدفاع عن قيم حقوق الإنسان الكونية. هل تعتبر أن الكتاب/ الرواية لامس هذ المعطى؟


 ـ فعلا.. فالكتاب تناول بأسلوب الرواية مسائل تمس تعقيدات حياة الفارين من الدكتاتورية إلى فرنسا "بلاد الأنوار" و"ثورة 14 تموز / يوليو 1789 " التي أفرزت ميثاق حقوق الإنسان العالمي الذي تبنته الأمم المتحدة..  فرنسا فكتور هيجو وبلزاك وجون جراس التي يلجأ إليها منذ عقود أجيال من الفارين من الموت والاضطهاد أصبحت أحيانا، مثلما تبينه الرواية بلدا تسجل فيه انتهاكات إدارية وعنصرية ولوحات موجعة ومؤلمة للاجئين ممنوعين من العمل ومن حرية السفر وأحيانا يمنعون من "الحلم" ..

ويسجل أن تزايد تأثير أقصى اليمين والشعبويين في القرار الرسمي للدول عقدت وضعية اللاجئين وأصبح الحصول على صفة "لاجئ سياسي" حلما صعب التحقيق بسبب رهانات سياسية وانتخابية جهوية ووطنية وإقليمية في أوروبا وأمريكا ..

رسائل إلى صناع القرار

س ـ ماهي أهم الرسائل من تأليفك هذا الكتاب/ الرواية الذي حاول الخوض بأسلوب أدبي في قضايا أمنية وسياسية استراتيجية وملفات الهجرة والانتخابات والانتقال الديمقراطي ومعارك الحريات ومعاناة عائلات المثقفين والنشطاء السياسيين من الجنسين؟


 ـ الرسائل عديدة من بينها التأكيد بأسلوب أدبي على أهمية المسألة المركزية في حياة الشعوب: الحرية.. التي تبقى قيمة خالدة ترنو إليها الشعوب العربية وتحلم بتجسيدها وقد تلامسها.. ولئن عاشت الشعوب في فترات عديدة مناخ "الحرية" فإن هذه القيمة كانت في أغلب الأحيان "أبرز الممنوعات والمحرمات" التي يحرص الحكام العرب على إبعاد "شرورها" عن شعوبهم.. 

ويتجلى ذلك في العديد من "اللوحات" التي يبرزها الكتاب بينها "صور فيلم مكتوب" حول استعداد بعض المعارضين إلى الهجرة للفرار من الاستبداد فحفروا "خندقا في غابة جبلية قرب الحدود اختفوا به لمدة شهرين حتى لا تكتشفهم" عيون العسس"..

هذا " الخندق " سميته في الكتاب "خندق الديمقراطية"..

اللوحة الثانية اجتماع "اللاجئين" في مقهى باريسي قريب من إحدى الجامعات، حيث كان يجتمع بعض المعارضين للسلطة والفارين من القمع والاستبداد كل أسبوع لتبادل الأخبار والروايات والقصص الدرامية وجديد معاناة العائلات التي شردت واعتقلت وتعرضت بدورها للقمع بسبب الأنشطة السياسية لأبنائها ..

النساء وعائلات المعارضين

س ـ الكتاب لم يغفل كذلك عن الأذى الذي يلحق بعائلات اللاجئين السياسيين العرب والأفارقة وأقربائهم بعد فرار أبنائهم من بلدانهم؟ 


 ـ فعلا اهتم الكتاب بظاهرة "العقاب الجماعي" لعائلات النشطاء السياسيين الفارين والمهاجرين ..ونقل الكتاب صورة لمعاناة عذاب العائلات ودورها في مواجهة الاستبداد والقمع بعد فرار الأبناء ..

عادة ما يقع التنكيل بالمعارضين والنشطاء لكن عذاب الآباء والأمهات والعائلات يكون مضاعفا.. والأسرة تتحمل القسط الأوفر من ارتدادات الصمود والتصدي لآلة القمع: مرة بغياب الإبن / الزوج / الأب.. ومرة ثانية بتحملهم مباشرة كل أنواع التنكيل والقمع.. ومن بين اللوحات المؤثرة التي قدمها الكتاب في هذا السياق بالإضافة إلى الحديث عن معاناة أم "سامي" وعائلته بعد فراره ..

استحضر "سامي" هذه المشاهد والمعاناة عن بعد وهو في أعلى سلم "برج إيفل" .. كان في أعلى سلم "التور ايفيل" لكن جيبه كان فارغا.. ليس فيه وثيقة سفر أو عمل ولا أي وثيقة تقنن وجوده  في "بلد الأنوار".. مشهد سامي يرمز إلى آلاف المثقفين والشباب والنشطاء الذين وصلوا فرنسا وبلدانا غربية بدون وثائق قانونية ولم يكن لهم مورد رزق محترم.. وكانوا يعيشون على أوجاع الغربة والحرمان من حق العودة إلى الوطن ومن تمكين عائلاتهم من حق اللحاق بهم ..

 

سامي عاش في فرنسا بينما عائلته في موطنه وهما ممنوعان من السفر ومن الالتقاء ومن العيش الكريم معا ..

حاول سامي "التحليق بعيدا في عالم الافتراضي".. استخدم "منظار برج ايفيل" متناسيا واقعه وأسرته ومشاهدة روعة باريس وجمالها بينما كان يحاول أن يصل بنظره إلى بعيد وأن يتصل بأبنائه وعائلته.. وكله تقديرا للمرأة التي وقفت إلى جانبه عندما كان طفلا ثم شابا في موطنه وبعد فراره إلى "المنفى الاختياري": الأم والأخت والزوجة والبنت ..

تتداخل المشاعر والمواقف والأفكار والأجندات.. لكن الكتاب محاولة للبرهنة على كون "أحلام المثقفين العرب" كبلتها أجندات رموز الاستبداد والفساد في الدول العربية وأقصى اليمين والشعبويين في أوروبا"..


التعليقات (1)
ناصر
الثلاثاء، 06-09-2022 03:44 ص
(( تأليف كتاب في شكل "رواية " سردية باللغة الفرنسية طبعه في فرنسا وتونس وهو الآن بصدد ترجمته إلى العربية، )) الثقافه عند التونسي هي ان يحسن الكتابه بالفرنسيه و السليطي مثال جيد للثقافه التونسيه المضروبه مثل ورقه الزواج العرفي في الافلام المسريه .. تصنع الثقافه في تونس شائعا في تونس بل صنع اجيال و خير مثال على الثقافه التونسيه الرئيس الحالي قيس سعيد فهو استاذ القانون الدستوري الذي صنع اسوء دستور في تاريخ تونس فما هذه الجامعات التي تخرج مثل هذه العاهات ؟ تونس بحاجه لمواجه واقعها الشبه أمي لان غالب من يسوقون لانفسهم كمثقفين بحاجه لمصارحه انفسهم ماذا قدمت ثقافتنا لتونس بل هل نحن فعلا مثقفين ؟ الثقافه في تونس تصنع و قشور تماما كما هي في لبنان و النتيجه ان كلا البلدين يعيشان مجاعه