الاهتمام البالغ الذي يبديه النظام الرسمي العربي بسوريا، في حقيقته اهتمام
بمصير النظام السوري على ما دلت أحداث العقد الماضي.. نتائج سريعة وملموسة تحققت
في إطار ما يسمى عودة
سوريا إلى "الحاضنة العربية" وبقية مسميات مجلس
الجامعة العربية، والعلاقة المباشرة الطبيعية وفتح سفارات بعض الدول في دمشق واستقبال
الأسد في عواصم عربية يحصل على أنقاض غير طبيعية في الواقع السوري المحطم على كل
المستويات.
تقريب المسافة بين النظام و"أشقائه" في الأنظمة الأخرى كانت
حاضرة دوماً، بعبارة حرصاً "على سلامة الشعب السوري ووحدة أراضيه وتعزيز
للعلاقة العربية- العربية"، كما يقال في بيانات التطبيع العربي مع نظام دمشق
الذي اتخذ من الزلزال الأخير فرصة شجعت بعض المتحرجين من هذه العلاقة بدواعٍ
إنسانية مرتبطة بالحرص المذكور سابقاً. فإقامة محطات تشويش عربية سياسية وأمنية كي
لا يصل صوت الضحايا السوريين، هو المتقن في سياسة عربية ملحقة بنفاق غربي ودولي اطمأن
له نظام الأسد؛ بأن بقاءه نهائي ولا رجعة فيه للمصلحة التي يرتبط فيها وجوده
وسياسته مع ما أنجزه على الأرض.
لم يتغير في المشهد السوري سوى إعادة البسط والسيطرة بالقمع والوحشية على الجغرافيا السورية، بالإضافة لافتضاح أكاذيب الحرص على سلامة الشعب السوري ووحدة أراضيه
وفي الإشارة السريعة لبعض السياسات التي قطعت علاقتها مع النظام، بذريعة
اقترابه من إيران أو رفضها لسياسات القمع التي انتهجها مع الشعب السوري، فإن جميع
المستديرين في الذريعة الأولى عززوا علاقتهم مع إيران، وزادوا من وتيرة العلاقة
السياسية والاقتصادية معها بعد التثبت من التغلغل الإيراني في سوريا، وفي الإشارة
الثانية من لحظة القطع مع النظام إلى لحظة الوصل، تضاعفت الجرائم والمذابح
والكوارث المنسوبة للنظام وجيشه بحق الشعب السوري منذ 12 عاما. لم يتغير في المشهد
السوري سوى إعادة البسط والسيطرة بالقمع والوحشية على الجغرافيا السورية، بالإضافة
لافتضاح أكاذيب الحرص على سلامة الشعب السوري ووحدة أراضيه.
فسوريا بلد محتل بتواطؤ النظام نفسه الذي رحب بقواعد الاحتلال الروسي وطالب
بوتين بزيادتها، ورهن مقدرات سوريا الاقتصادية لموسكو وطهران. ومن جانب آخر هناك احتلال
أمريكي وتركي وإسرائيلي، وحالة من التفسخ الاجتماعي مع انهيارات اقتصادية وأمنية
غير مسبوقة. والأهم من كل ذلك أن كل ما يتعلق بالعملية السياسية وقرارات مجلس
الأمن والأمم المتحدة المتعلقة بالانتقال السلمي للسلطة؛ تم تجاهله عن قصد لأسباب
متعلقة بما أُنجز في سوريا وترك أثره "المريح" لدى بقية الأنظمة
المتسابقة للتطبيع معه
ما الذي بمقدورها أن تفعله العلاقة العربية مع نظام بشار الأسد؟ قبل العام 2011 كان دور النظام في كل الملفات العربية له دور أمني ومفصلي ومقتصر على إدارة الاقتصاد السوري بما يخدم أجندة النظام وأزلامه في السلطة، فضلاً عن دوره الأساسي في استدامة القمع والقهر على المجتمع السوري
إذا كان هناك من يريد فعلاً الخير والسلام للسوريين ولسوريا، وإذا كان
النظام القائم من طينة مختلفة عن الخير والسلام اللذين يريد البعض، فما هي الحاجة
الملحّة والضرورية في مد يد العون للنظام؟ روسيا موجودة في سوريا وكذلك إيران،
الأولى دولة "عظمى" في إمكانياتها العسكرية والاقتصادية من جهة الغاز
والبترول وكذلك إيران، ومع ذلك لم تستطيعا تأمين جرة غاز أو عبوة زيت للمواطن
السوري، فقط مخازن أسلحة وقواعد عسكرية وذخيرة ومليشيا حاضرة لقتل السوريين، وتمكنتا
من إجهاض أي حل سياسي يرمي لتحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والمواطنة وبناء
الديمقراطية.
إذا ما الذي بمقدورها أن تفعله العلاقة العربية مع نظام بشار الأسد؟ قبل
العام 2011 كان دور النظام في كل الملفات العربية له دور أمني ومفصلي ومقتصر على
إدارة الاقتصاد السوري بما يخدم أجندة النظام وأزلامه في السلطة، فضلاً عن دوره
الأساسي في استدامة القمع والقهر على المجتمع السوري، وما أنجزه النظام في السنوات
الـ12 الماضية من خراب وقتل وتدمير وتهجير لملايين السوريين لا يمكن حله بعناق
وابتسامة المطبعين معه.
لكن من قال إن سوريا الآن بما فيها من خراب مقيم، لا يخدم أجندة النظام
والمطبعين معه؟ فهو كان وسيبقى الحلقة المركزية في بقاء الاستبداد والطغيان
العربي، وأي خلل في قواعده كانت له ارتدادات في المنطقة كلها. وهذه دروس انتبهت
لها منذ البداية كل القوى الإقليمية والدولية المتقاطعة مصالحها معه ومع أشقائه في
أنظمة الانقلابات العسكرية والثورات المضادة، ولأجل ذلك تمت الإشارة ببدء التطبيع
والتحالف معه وإخراج الدعم السري لنظامه إلى العلن.
نبع محورية وأهمية سوريا بشار الأسد للملفات العربية؛ من قدرة النظام في البطش الذي يمثل مرآة الأنظمة الداعمة له عربيا، وإذا افترضنا أن النظام عاد لحضن الجامعة، وتجول الأسد في عواصم عربية وألقى خُطباً عصماء عن "سوريا والعروبة وفلسطين"، وأعاد اجترار كلمات "أنصاف الرجال" وتحدث عن النصر وهزيمة المؤامرة والبطولة، وصفق له الحاضرون، فهل سيغير ذلك نتائج ما أنجزه؟ هل ستُطمس جرائم الحرب وضد الإنسانية؟
وتنبع محورية وأهمية سوريا بشار الأسد للملفات العربية؛ من قدرة النظام في
البطش الذي يمثل مرآة الأنظمة الداعمة له عربيا، وإذا افترضنا أن النظام عاد لحضن
الجامعة، وتجول الأسد في عواصم عربية وألقى خُطباً عصماء عن "سوريا والعروبة
وفلسطين"، وأعاد اجترار كلمات "أنصاف الرجال" وتحدث عن النصر
وهزيمة المؤامرة والبطولة، وصفق له الحاضرون، فهل سيغير ذلك نتائج ما أنجزه؟ هل
ستُطمس جرائم الحرب وضد الإنسانية؟ هل سيختفي مشهد صور عشرات الآلاف المقتولين تحت
التعذيب في مسالخه البشرية؟ هل سيكون حال العمل العربي المشترك أفضل حالاً؟ وهل ستكون
قضية العرب الأولى، فلسطين، في مرحلة متقدمة عن حفر الإعدام التي أقيمت لأبنائها
في مخيم اليرموك؟
جزء من الأجوبة يتلخص في نتائج زيارة الأسد لأبو ظبي مؤخراً، وأهم نتيجة إعلان
الإمارات والاحتلال عن إقامة منطقة تجارية حرة لخّصها أيضاً نتنياهو بالآتي:
"خفض التعريفات الجمركية مع الإمارات سيؤدي إلى خفض تكاليف المعيشة في
إسرائيل، ويعطي دفعة للأعمال التجارية بين إسرائيل والإمارات، وأنا متأكد من أننا
سنواصل توسيع دائرة السلام الإسرائيلية مع دول أخرى في منطقتنا".
يمكن أن يتساءل البعض: لماذا نأتي على نموذج الإمارات في علاقته مع الأسد؟
والجواب ببساطة لأن هناك تحالفا بين الاحتلال والإمارات وليس تطبيعا، وذكرنا
سابقاً أن الإمارات ليست بحاجة لعلاقة اقتصادية وسياسية مع إسرائيل، لإمكانيات
الأولى، فالعلاقة تخدم المشروع الاستعماري بنسبة 100 في المائة، والعلاقة العربية
مع سوريا التي يريدها النظام الرسمي العربي لن تكون بعيدة عن هذه الأسس التي
تقودها أبو ظبي والرياض والقاهرة وعمان وبقية العواصم، أسس لا علاقة لها بالإنسان
السوري ولا العربي وقضاياه كلها، ولا علاقة لها بفلسطين وشعبها حتى لو تفوه الزاحفون
لدمشق بها، وأي كلام يقال عن العلاقة مع سوريا بنظامها القائم هو أقل من الحقيقة المستباحة
مع جثث الضحايا.
twitter.com/nizar_sahli