قضايا وآراء

نظام الأسد.. التراخي العربي والتشدد الغربي

أحمد موفق زيدان
سانا
سانا
لُوحظ خلال الفترة الماضية تراخٍ عربي تجاه التعاطي مع نظام بشار الأسد، والذي قوبل بتشدد غربي ظاهري مع النظام لا سيما بعد تفشي ظاهرة بيع الكبتاغون والمخدرات المنتجة سورياً ووصولها إلى الأسواق الأمريكية والغربية، مما دفع الكونغرس الأمريكي إلى تشريع قانون لمحاربة هذه التجارة، وأطلق التشريع الأمريكي الجديد المصادَق عليه من قبل الكونغرس على بشار الأسد صفة ملك المخدرات، وهو الأمر الذي بدأ يتوقع له البعض نهاية على غرار ما حصل مع بارونات المخدرات في أمريكا اللاتينة وغيرها.

لكن اللافت أن بعض الدول العربية التي كانت متشددة مع نظام الأسد طوال السنوات الـ12 عاماً الماضية من عمر الثورة السورية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بدت متراجعة تماماً، وكانت البداية من الاتفاق على عودة الأعمال القنصلية للسفارتين في الرياض ودمشق، وتوقعات بإعادة النظام إلى الجامعة العربية في أيار/ مايو المقبل خلال القمة المنعقدة في الرياض، بعد أن كانت من أشد المعارضين لعودته في اجتماع الجزائر الأخير.

من الصعب فهم أسباب ودواعي تلك الاستدارة العربية وتحديداً السعودية، لكن البعض يعتقد أن حرباً قد تكون في الأفق، بين المحور الغربي وإيران، فتحاول السعودية من خلال هذه الاستدارة الالتفاف عليها وتجنبها، وذلك في الساحتين اليمنية والسورية
من الصعب فهم أسباب ودواعي تلك الاستدارة العربية وتحديداً السعودية، لكن البعض يعتقد أن حرباً قد تكون في الأفق، بين المحور الغربي وإيران، فتحاول السعودية من خلال هذه الاستدارة الالتفاف عليها وتجنبها، وذلك في الساحتين اليمنية والسورية. ولذا فهي تريد أن ترتب علاقاتها مع الصين وروسيا وإيران؛ المحور الصاعد هذه الأيام في مواجهة المحور الأمريكي في أوكرانيا، يضاف إليه أن المحور الغربي وعلى مدى 12 عاماً لم يقدم لحلفائه جديداً فيما يخص النظام السوري، وإنما جعل سوريا ساحة استنزاف للسعودية ولتركيا ولدول كثيرة كانت معارضة للنظام السوري وتطالب بإسقاطه وتنحيه، بينما استغلت السياسة الغربية والأمريكية تحديداً الساحة لاستنزاف سياسي ومالي وعلاقات دولية لحلفائها، مما زاد من فجوة الثقة بين الجانبين وهو ما يتجلى الآن في ابتعاد هؤلاء الحلفاء عنها في ساحات عدة.

الاحتكاكات التي وقعت في شمال شرق سوريا وفي قاعدة التنف الأمريكية مثيرة للجدل، حيث غابت المضادات الجوية الأمريكية عن مواجهة الهجمات، وهو أمر لا يزال محل شك، لم تفسره القوات الأمريكية بشكل علمي وعسكري صحيح. والظاهر أن القوات الأمريكية تسعى ما وسعها الجهد إلى حصر المعركة في أوكرانيا وتتجنب توسعتها، كما يرغب أصحاب المحور الآخر وهو الروسي- الصيني- الإيراني. ولعل احتدام الأزمة في الكيان الصهيوني ستعزز فرص إيران في سوريا بمواجهة القوات الأمريكية في سوريا أملا في توسيع النفوذ.

ومما زاد من مخاوف تنامي هذا المحور وانعكاساته على الساحة الدولية العملية بشكل مباشر ما تردد عن نقل مقاتلات روسية محملة بصواريخ نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا، وهو ما قرع أجراس الخطر في الغرب من إمكانية وقوع التهديد النووي الروسي، وهو على ما يبدو غدا استراتيجية روسية لابتزاز الغرب في أوكرانيا، حيث تكرر هذا التهديد غير مرة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير من العام الماضي.

اللافت أن أمريكا التي حشدت أكثر من ستين دولة لمواجهة تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا، تقف مكتوفة الأيدي اليوم في مواجهة المليشيات الإيرانية التي تقصف قواعدها العسكرية في سوريا والعراق بشكل شبه يومي، بل وتُعطل مضاداتها الجوية في مواجهة القصف الإيراني وطائرات الدرونز، يعزز ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد كل حادثة بأنه لا يريد حرباً مع إيران، في حين الكل يعلم أن مثل هذه الحروب غير موجودة وغير مرغوبة أمريكياً، ولكن كما يقال أن التشدد يخدم بعضه بعضاً..

أمريكا التي حشدت أكثر من ستين دولة لمواجهة تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا، تقف مكتوفة الأيدي اليوم في مواجهة المليشيات الإيرانية التي تقصف قواعدها العسكرية في سوريا والعراق بشكل شبه يومي
في مقابل التشدد والتراخي تظهر القوة العسكرية للثوار على الأرض، فالواضح أن ثمة تعزيز للقوى العسكرية في شمال غرب سوريا، وبدا التنسيق العسكري واضحاً أكثر من ذي قبل من خلال العمليات العسكرية المتتالية خلال الأيام الماضية، وقدرت بعض الأوساط العسكرية المراقبة عدد قتلى النظام السوري ومليشياته الطائفية خلال عشرة أيام فقط من شهر آذار/ مارس بـ90 قتيلاً نعتهم صفحات النظام وصفحات حزب الله. وقد استهدفت العمليات العسكرية المذكورة نقاط التمركز التابعة للنظام حول المناطق الحرة في شمال غرب سوريا، كما استهدفت العمليات تدمير مدافع روسية طويلة المدى، ومثل هذه المدافع التي يقدر عددها بـ250 مدفعا منصوبا حول المناطق المحررة، تعيش أزمة إصلاح واستبدال، كون أي مدفع يدمر لا يمكن إصلاحه في سوريا، ولا بد من نقله إلى روسيا، وما دامت الأخيرة اليوم تستورد قطع غيار المدفعية من كوريا الشمالية، فسيتعذر تماماً إصلاح مثل هذه المدافع والتي هي بحاجتها في حربها بأوكرانيا.

ينبغي التذكير بأنه منذ بدء الحرب الأوكرانية وحتى اليوم لم تطلق القوات الروسية قذائف الكراسنبول الليزرية على المناطق المحررة، وذلك بسبب ارتفاع كلفتها، فضلاً عن نقلها إلى مسرح العمليات الأوكرانية، الأمر الذي منح الثوار في شمال غرب سوريا مساحة أكثر في التحرك، يضاف إلى ذلك كله توقف القصف الروسي عن عملياته منذ ذلك التاريخ، وهو أمر تُعول عليه القوى الثورية في إمكانية تطوير عملياتها وتصعيدها في الفترة المقبلة.
التعليقات (0)