مضت ستة عشرة عاماً على جريمة
حصار غزة، التي أُطبق عليها من البر والبحر
والجو، فأحالت الجريمة نحو مليوني
فلسطيني إلى أوضاع بالغة الصعوبة والتعقيد منذ
العام 2006. وفي سنوات الحصار تلك نداءات محلية ومحاولات كسر للحصار، ودعوات
منظمات دولية وتقارير تنادي لتخفيف معاناة الغزيين وتكشف آثار الجريمة وتداعياتها.
والأسباب والذرائع بإدامة الحصار وتشديده هي ذريعة
الاحتلال الإسرائيلي اليوم
في مدن الضفة الفلسطينية المحتلة، ولمن ينفذ شروطه على الأرض في الجانب العربي، إلى
جانب طلب السلطة الفلسطينية العقابي على ما اقترفته غزة بانتخابات 2006 ونجاح حركة
حماس فيها ثم حدوث
الانقسام الفلسطيني. والمنفّذ لشروط الحصار على الأرض في معبر
رفح، هو النظام المصري الذي يطبق إجراءات وشروط الاحتلال مع غزة وسكانها بما
يتماشى مع القوائم الطويلة للاحتلال في إدارته للحصار وفق شروطه ومعاييره لحياة
الفلسطيني في غزة.
بقي مطلب إنهاء الانقسام الفلسطيني واحدا من الطرق التي تؤدي لتخفيف
الحصار، وهو طريق لا يقل تعقيداً عن بقية الذرائع التي يتراشق بها طرفا الانقسام
على الساحة الفلسطينية، ويدفع ثمنها مواطنو القطاع والشعب الفلسطيني كله، لما كان
له من آثار كارثية على القضية الفلسطينية برمتها، لأن من ضمن الأسباب والشروط التي
قادت لعملية الانقسام وجريمة الحصار؛ الانتخابات الفلسطينية، وفوز حركة حماس فيها،
وما أعقب هذه الانتخابات من تداعيات تعيش ظروفها الساحة الفلسطينية منذ عقد ونصف،
وما تخللها من عدوان إسرائيلي وحشي متكرر على غزة منذ العام 2008-2009، و2014، و2021،
وخلف دماراً هائلا في البنية التحتية للقطاع وجعل من حياة البشر الاجتماعية
والاقتصادية والنفسية والصحية والتعلمية أكثر صعوبة بإضافتها لجريمة الحصار.
المعايير التي تدار بها حصار غزة معايير إسرائيلية وهي غير خافية على أحد، وما يُنفذ منها عربياً يخضع لهذه المعايير، سواء بما يتعلق بدخول البضائع وتنقل الأفراد، أو تزويد القطاع بالطاقة وتمويل رواتب الموظفين، غير أن المسؤولية ذاتية بالمقام الأول من ناحية إنهاء ظواهر الانقسام وإنهاء العقاب الجماعي الذي يتعرض له السكان، إذ بقيت الأرقام التي تخص غزة لجهة تداعيات الحصار والعدوان، مخيفة ومرعبة للذي يدقق بها ويبحث في تفاصيلها
المعايير التي تدار بها حصار غزة معايير إسرائيلية وهي غير خافية على أحد،
وما يُنفذ منها عربياً يخضع لهذه المعايير، سواء بما يتعلق بدخول البضائع وتنقل
الأفراد، أو تزويد القطاع بالطاقة وتمويل رواتب الموظفين، غير أن المسؤولية ذاتية
بالمقام الأول من ناحية إنهاء ظواهر الانقسام وإنهاء العقاب الجماعي الذي يتعرض له
السكان، إذ بقيت الأرقام التي تخص غزة لجهة تداعيات الحصار والعدوان، مخيفة ومرعبة
للذي يدقق بها ويبحث في تفاصيلها. ومن يراجع التقارير المحلية والدولية التي ترصد
واقع الكهرباء والماء والغذاء والصحة والصناعة والتجارة، يُدرك أن خنق القطاع
مستمر بطرق وأدوات تُبقي على الحد الأدنى من الحياة الإنسانية للبشر، فضلاً عن
عملية التدمير التي لحقت بقطاع السكن والمصانع والمشافي، وزيادة نسبة الفقر وسوء
التغذية وتلوث مياه الشرب.
لم تجرِ معالجة أي من هذه الظواهر، وما أشيع لاحقاً من بنود وتفاهمات بعد
كل عدوان تدميري على غزة، لإعادة البناء لم يطرأ عليها أي تغيير وتستخدم أدوات
للضغط السياسي والأمني على غزة، وإلا لماذا يختفي الخطاب الفلسطيني والعربي من
مطلب عاجل وملحّ لإنهاء حصار غزة؟ وعلى سبيل المثال هل يوجه النظام المصري لنفسه
مطلب رفع الحصار عن غزة؟ وإلى من توجه السلطة الفلسطينية مطلبها إن تحقق لها ذلك
لتخفيف معاناة الغزيين؟
سيعود جزء من الإجابة على هذه الأسئلة والمطالب، إلى ذرائع الانقسام الذي
تتقاسمه أطراف عربية مع السلطة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي، ولأن في مضامين
الأجوبة ثوابت ترى في غزة "بؤرة للإرهاب" كما صُنفت ذات يوم عربي وأدرجت
المقاومة فيها على لائحة "القضاء المصري" بتصنيفها كذلك. ولأن الرؤية
الرسمية العربية لغزة حصار ومعاناة غير بعيدة عن شمولية التعاطي الرسمي العربي مع
القضية الفلسطينية برمتها؛ من عدوان وحصار وتهويد واستيطان، وكحالة استعمالية في الخطاب
السياسي العربي، وتنصل من ادعاءات السلام واتفاقاته، نعيد التذكير بما قاله بعض
قادة الاحتلال عن الحصار والالتزام بتنفيذه:
- دوف فايسغلاس (المدير السابق لمكتب شارون): "سنجعل الفلسطينيين في
غزة يضعفون دون أن يموتوا".
- إيهود أولمرت، رئيس وزراء الاحتلال السابق: "ليمش جميع سكان غزة على
أرجلهم"، في تعليقه على قصف محطات توليد الطاقة وقطع الوقود عن غزة 2006.
يدخل قطاع غزة عاماً جديدا من الحصار، وتتضاعف معاناة سكانه، ليبقى السؤال المؤلم في واقع الفلسطينيين والعرب والعالم، يحمل خزياً وعاراً إنسانياً وأخلاقياً: من يكترث لرفع المعاناة عنهم؟ ومن بمقدوره وقف جريمة حصار غزة والجهر بأنها جريمة حرب وضد الإنسانية؟
تبقى الإجابة الحقيقية لكل الذرائع والأسباب في جريمة فرض الحصار ما عرفه
الشعب الفلسطيني عن غزة في العقدين الأخيرين؛ من نمو ظاهرة المقاومة فيها
واتساعها، وقدرتها على صد العدوان ولجمه، وقدرتها على إحداث الألم والرعب في
الجانب الصهيوني رغم الحصار والتضييق وضعف الامكانيات وهشاشة الأوضاع الأمنية
والاقتصادية.
أخيراً، يدخل قطاع غزة عاماً جديدا من الحصار، وتتضاعف معاناة سكانه، ليبقى
السؤال المؤلم في واقع الفلسطينيين والعرب والعالم، يحمل خزياً وعاراً إنسانياً
وأخلاقياً: من يكترث لرفع المعاناة عنهم؟ ومن بمقدوره وقف جريمة حصار غزة والجهر
بأنها جريمة حرب وضد الإنسانية؟
أجوبة كثيرة يمكن أن تحل في ذهن ضحايا جرائم الحصار وضحايا الاحتلال عموماً
في كل الأرض الفلسطينية، أولها الكف عن النظر إلى الفلسطينيين في غزة من منظور
أمني وصهيوني، والكف عن تجاهل ملف هذه الجريمة في أروقة السياسة العربية الرسمية،
وإنهاء عبث الانقسام، ووقف التعاطي مع فلسطين بكل ملفاتها كملف صهيوني يجب حمايته
عربياً وفلسطينيا ودولياً. أما حصر الحضور العربي في غزة وفق نظرية الصهيوني دوف
فايسغلاس والعمل على نقل رسائل وتهديدات الاحتلال لغزة وتهديدها باستمرار الجريمة
إن لم تركع، فهذا يعني أن من يكترث لحصار غزة والمشاركة بهذه الجريمة لم تُخطئه
بصيرة الضحايا الذين هم اليوم بحاجة ماسة لوضع معاناتهم من جريمة الحصار على سلم
أولويات السياسة الفلسطينية، للتصدي لبقية الجرائم الإسرائيلية في بقية الجغرافية
الفلسطينية.
twitter.com/nizar_sahli