تحدثت شخصيات سياسية
وازنة في
مصر عن مستقبل البلاد في غياب رئيس النظام الحالي عبد الفتاح
السيسي، وذلك
مع اقتراب
الانتخابات الرئاسية في البلاد.
نائب الرئيس
المصري الأسبق الدكتور محمد
البرادعي، تحدث عن "مستقبل قريب" ينتظر
بلاده دون ذكر مصير السيسي، مثيرا الكثير من الجدل بشأن دلالات حديثه، وحول ما إذا
كان طرحه هو الحل الأمثل للأزمة المصرية.
رئيس وكالة الطاقة الذرية الأسبق، كتب السبت الماضي
على صحفته على موقع إكس (تويتر سابقا)، عن "مستقبل قريب"، جاء فيه
"توافق وطني تفصيلي جاد بين القوى الرئيسية في البلاد المدنية، والعسكرية،
والليبرالية، والإسلامية، على ركائز نظام سياسي واقتصادي قائم على الحرية والعدالة
الاجتماعية".
وأوضح أن هذه
الرؤى سيتم تنفيذها "خلال فترة انتقالية محددة بمشاركة الجميع، تكون الأولوية
فيها إعادة بناء المؤسسات".
"حديث
غامض"
تغريدة
البرادعي، رآها البعض غامضة ولم تحدد وسيلة تنفيذ أفكاره المطروحة، ولا النظام أو
الجهة التي ستقوم على تحقيقها، ووضع النظام القائم الآن منها، وهل هو داخل تلك
المعادلة أم خارجها؟ وهل حصل على إشارة من جهة داخلية أو خارجية أو دولة ما تؤيد
أو تدعم دعوته؟
وكان البرادعي
قد استبق ذلك الحديث بالقول إن أحوال المصريين "ليست على ما يرام في الكثير
من الأمور الداخلية والخارجية"، مؤكدا أن "هناك حاجة ماسة إلى توافق
وطني جاد ومفصل بين شركاء الوطن مبني على الحقيقة والعلم وبعيد عن الشعارات على
شكل المستقبل وأهدافه وآليات الوصول إليه".
اظهار أخبار متعلقة
وفي الوقت
الذي تساءل فيه البعض حول احتمال أن يكون ما طرحه الرجل أحد رموز ثورة يناير 2011،
مجرد أمنيات رفعت سقف الطموحات لدى البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أتبع
البرادعي تغريدته المثيرة للجدل بأخرى.
وقال في
تغريدة جديدة: "أملي أن أرى بلدنا تواكب مسيرة التقدم بعد عقود طويلة من
الاستبداد وغياب الحكم الرشيد والتخلف عن ركب الحضارة"، موضحا أن دوره يقتصر
على "إبداء الرأي وتقديم المشورة لكل أبناء الوطن"، ومؤكدا أن
"التغيير يأتي بالعمل الجماعي السلمي المنظم".
"نصيحة بدراوي"
وفي سياق
التصريحات المثيرة للجدل قال الأمين العام السابق للحزب الوطني المنحل حسام
بدراوي، إن النظام الحالي يكرر نفس لغة نظام مبارك، ولكن بفارق واحد، هو أن هناك
مساحة للتعبير عن الرأي سابقا حتى داخل الحزب الوطني.
وأضاف بدراوي
لقناة "بي بي سي" الجمعة الماضي، أن الإصلاح يجب أن يأتي من داخل
النظام، والخيوط حاليا فـي يد السيسي، وهو في اختبار صعب جدا أمام التاريخ، وهو من
في يده نقل السلطة.
وأكد أنه
"إذا لم يرشح السيسي نفسه لفترة ثالثة فسيدخل التاريخ"، لافتا إلى أن
مصر دولة مركزية، وأن من سيرشح نفسه في الانتخابات يجب أن تكون لديه خلفية سياسية
كبيرة، وتنظيم قوي، واتفاق مع القوات المسلحة.
"اختيار
جاد"
وفي هذا
الإطار، أثار المتحدث باسم "التيار الحر" الليبرالي المعارض، عماد جاد،
الشارع السياسي المصري بأطيافه بقوله إن رئيس أركان الجيش المصري الأسبق الفريق
محمود حجازي، هو الرئيس الأمثل لمصر في المرحلة القادمة.
اظهار أخبار متعلقة
جاد في بيان له بعنوان "نداء من أجل
الوطن"، دعا لمرحلة انتقالية يقودها أحد أبناء مؤسسات الدولة، مضيفا:
"لا نريد قفزة في الهواء، ولا نريد انتخابات هزلية، ولا نريد مرشحين هواة من
خارج دولاب الدولة".
"تزايد الفجوة"
وعلى الجانب
الآخر، أعلنت الحركة المدنية الديمقراطية في مصر التي تضم 12 حزبا وبعض الشخصيات
المؤثرة في المشهد المصري، رغبتها بعدم ترشح السيسي، مؤكدة أن البلاد لن تحتمل
فترة رئاسية ثالثة له، محذرة من التأخر في فتح مسار آمن للتغيير يضع مصر على شفا
الانفجار.
وتتزايد
الفجوة بين النظام والمعارضة في الداخل وخاصة التيار الليبرالي بعد حكم محكمة
الجنح الاقتصادية في القاهرة، السبت الماضي، بحبس الأمين العام لمجلس أمناء التيار
الحر هشام قاسم (64 عاما)، 6 أشهر، مع تغريمه 20 ألف جنيه.
اظهار أخبار متعلقة
كما كشف
المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، الذي يعده البعض المنافس الوحيد للسيسي، أن
هاتفه تحت المراقبة الأمنية منذ أيلول/ سبتمبر 2021، بجانب ما طال أعضاء حملته
الانتخابية من تضييق.
"وضع قاس"
وتعيش مصر منذ
العام 2013، أزمة سياسية طاحنة، إثر انقلاب قائد الجيش حينها عبد الفتاح السيسي،
على أول تجربة مدنية ديمقراطية بعد ثورة يناير 2011، بالإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، وسجنه.
وتولى السيسي حكم مصر مدتين رئاسيتين الأولى 4
سنوات من 2014، وحتى 2018، والثانية منذ ذلك التاريخ، وحتى نيسان/ أبريل المقبل،
لمدة 6 سنوات، وفي طريقه للترشح لفترة رئاسية ثالثة بعد تعديلات دستورية أقرها عام
2019، وتمنحه حكم البلاد حتى 2030.
خمسة أشخاص
أعلنوا الترشح لمنافسة السيسي، حتى الآن، على رئاسة الجمهورية، وهم رئيس حزب
"الوفد" عبد السند يمامة، وعضو الحزب فؤاد بدراوي، ورئيس حزب
"الشعب" حازم عمر، ورئيس حزب "السلام" أحمد الفضالي،
والبرلماني السابق أحمد الطنطاوي.
"تحول داعمي السيسي"
ويرى عضو
"الحركة المدنية الديمقراطية" سمير عليش، في حديثه
لـ"عربي21"، أن "هناك تحولا واضحا من داعمي السيسي، الخارجيين،
بقيادة أمريكية".
المتحدث الرسمي السابق باسم "الجبهة
الوطنية للتغيير"، قال على سبيل المثال إن "خطاب البرادعي، ما هو إلا
طرح لفكرة يمكن أن تجتمع عليها الأكثرية كسبيل للخروج من نفق مظلم أدخلنا فيه
النظام العسكري بقيادة السيسي".
وأشار إلى ضرورة أن يحدث ذلك "دون صدام
كامل معه عبر تأسيس نظام سياسي جديد مبني على شعارات 25 يناير 2011، من الحرية
والعدالة الاجتماعية".
"نوع من التخدير"
من جانبه، قال
القيادي في جماعة الإخوان المسلمين والبرلماني المصري السابق الدكتور جمال حشمت:
"لم نعد نثق فيما يُقال ونحن محاصرون كأبناء مصر، وهناك من يتخذ القرار لنا
ويصرح، ولا ندري ماذا يحدث؟"، مضيفا أنه "لذلك هناك قرارات تم اتخاذها
منذ فترة والعمل قائم بها".
حشمت، وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى
"قول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، إن أمريكا ستفعل كل ما بوسعها لمنع
ديمقراطية حقيقية في الشرق الأوسط"، مضيفا: "وقد عاصرنا هذا منذ انقلاب
يوليو 1952".
وتساءل السياسي المصري، "من نصدق؟ هل
البرادعي صاحب الأثر في الانقلاب العسكري عام 2013، أم نعوم تشومسكي؟".
وختم حديثه
بالتأكيد على أن "أي كلام بلا حراك صار نوعا من التخدير الذي نستمع له لا
نرفض الجيد منه، لكن لن ننسج منه أحلاما لمستقبل مصر الحقيقي الذي يحتاج لجهد وعرق
وصبر وإخلاص".
"رقص في
مسرح العسكر"
وفي قراءته
لحديث البرادعي، قال رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل
لـ"عربي21": "من الطرائف الموجودة فيمن يسمون أنفسهم النخبة أنهم
يخلطون عمدا أو خطأ بين ما يأملون حدوثه وبين الواقع".
السياسي
المصري، أضاف: "كما أنهم يمتلكون قدرة هائلة على صناعة عالم مواز ليس له
علاقة بالواقع، هذا إن أحسنا الظن، أما إذا أسأنا الظن فهم يحاولون وضع أنفسهم
بالمنطقة الآمنة سواء كانت ملاصقة لأصحاب القوة العساكر، أو التي تبتعد عن الصدام
معهم أو التي تساعدهم لإحكام السيطرة".
وأرجع عادل السبب إلى أنه "لا يمكنه
الانسحاب من على خشبة المسرح، فبدلا من الخروج من التاريخ فهو يحوله إلى مسرح
عبثي"، مضيفا أن "البرادعي والكثير مثله يعيشون في أوهام النموذج الذي
يرسمه العساكر".
وأكد السياسي
المصري المعارض من الخارج أن "السلطة تعني القوة؛ سواء قوة السلاح، أو قوة
المؤسسات، أو قوة القانون، أو قوة الجماهير الكاسحة، ومؤسسات المجتمع
المدني".
وأوضح أنه "لا توجد أي من هذه الأدوات إلا
وسيطر عليها العساكر باستثناء الجماهير، ولا يوجد ما يدعوهم للتخلي عنها"،
ويعتقد أنها "فقط مناورة لكسب الوقت، وإعادة الساعة إلى عام 2013".
ويعتقد ضابط
الجيش المصري السابق، أن "المؤسسة العسكرية فقدت الآن كل احترام لها من قطاع
واسع من الشعب، ولو حدث كما يقول البرادعي -وأشك في ذلك- فهو عمل تكتيكي من
العساكر لضبط المجال العام، وتقليل حدة الغضب لدى الجماهير".
ويرى القيادي بالمجلس الثوري المصري، أن
"الحل الآن هو تأجيج غضب الجماهير، وليس الصعود على المسرح لإنقاذ العساكر
بحركات مسرحية تحمل الكوميديا السوداء التي ابتلينا بها من نخب لا تعرف شيئا إلا
الرقص في مسارح العساكر".
"أهلا به لو يقدر"
وفي قراءته
لدلالات حديث البرادعي، تساءل السياسي المصري، مجدي حمدان موسى: "أين يسكن
البرادعي؟"، مجيبا بقوله إنه "يسكن جنيف في سويسرا، بعيدا عن الأرض
المصرية وعن المواطن والشارع المصري، وبالتالي تكون رؤيته من خلال مواقع التواصل
الاجتماعي".
ولذا يستبعد
تماما عضو المكتب السياسي والهيئة العليا بحزب "المحافظين"، وعضو
"الحوار الوطني"، في حديثه لـ"عربي21"، أن "يكون
للبرادعي وضع قائم في المنحنى السياسي بالحياة السياسية المصرية".
وبشأن حديث البرادعي عن توافق وطني يجمع
المدنيين، والعسكريين، والليبراليين، والإسلاميين، تعجب موسى، من تلك الخلطة،
وتساءل مجددا: "كيف يمكن لتلك الجبهات أن تجتمع رغم حالة الاختلال
الأيديولوجي بينها؟".
وتابع تساؤلاته: "كيف يجتمع المدني مع
العسكري، والليبرالي مع الإسلامي في أيديولوجية واحدة؟"، مؤكدا أنه "لم
يحدث في التاريخ ولن يحدث لاحقا"، مضيفا أن "الليبرالي يعكس مفاهيم
مختلفة عن الإسلامي، والعسكري لا ينتمي للمنظمات المدنية ولا ينتمي للمدنية".
وبشأن حديث البرادعي عن "نظام سياسي
واقتصادي قائم على الحرية والعدالة الاجتماعية"، أكد موسى، أن "هذا جزء
أساسي في الدستور المصري، فهناك الباب الثالث بالكامل بعنوان الحريات للصحافة
والمواطن والحياة الشخصية وإبداء الرأي وغيرها".
وعاد السياسي
المصري يتساءل: "هل الرئاسة الحالية أو القادمة قادرة على تطبيق هذا الأمر؟"، مؤكدا أنه لا يقدر القول إن
"هناك نظاما سياسيا واقتصاديا قائما على الحرية والعدالة الاجتماعية بمصر لأنه
غير موجود تماما".
بل يرى أن "النظام الحالي يتعامل بالعصا
لكل من يبدي رأيا مخالفا، والجزرة، مثل ما أصدره السبت الماضي من قرارات ثمانية
تدشن لحزمة مساعدات".
وعن قراءته
لمعقولية تنفيذ أفكار البرادعي تلك بالجمع بين العسكر والإسلاميين بعد ما وقع من
حمامات دم راح ضحيتها الآلاف خاصة في مجزرتي رابعة والنهضة، لا يعتقد موسى، أبدا
أن "يكون هناك توافق بين العسكريين والإسلاميين في الوضع الحالي".
وختم حديثه بالقول: "لا توجد عقلانية
والأجواء السياسية مختلفة عن 25 يناير 2011، وعن 30 يونيو 2013، وإذا كان البرادعي
قادرا على تنفيذ هذه النقاط فأهلا به، لكن غير ذلك للأسف فهي غير موجودة على الأرض،
ولن تنفذ لاختلافات كثيرة في الـ10 سنوات الماضية".