حماية الفئات الضعيفة أي الفقراء في
مصر من أثار برنامج الإصلاح
الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي كانت إحدى محاور المناقشات بين الطرفين، فكيف استعدت لها الحكومة المصرية وهل تعد الإجراءات التي كشفت عنها كافية في حمايتهم من الآثار المباشرة.
الآثار الأولية ظهرت سريعا؛ حيث قفز التضخم السنوي في مصر إلى 36 بالمئة خلال شباط/ فبراير الماضي قبيل التعويم، صعودا من 31.2 بالمئة في كانون الثاني/ يناير السابق له، وسط توقعات بتسارع وتيرة التضخم خلال الأشهر المقبلة.
أعلن صندوق النقد الدولي، الأسبوع الماضي، عن توقيع اتفاق قرض مالي على مستوى الخبراء مع مصر بقيمة 8 مليارات دولار، بدل اتفاقية القرض السابق الموقعة بين الجانبين في كانون الأول/ ديسمبر 2022، بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
استبق البنك المركزي المصري توقيع اتفاقية القرض مع الصندوق برفع سعر الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس (6%)، وخفض قيمة الجنيه إلى 50 جنيها بدلا من نحو 31 جنيها، وكذلك تحرير سعر صرف الدولار الجمركي على السلع.
اظهار أخبار متعلقة
بشأن إجراءات حماية الفئات الضعيفة، قال رئيس الوزراء المصري إن البرنامج والصندوق يؤكدان على ضرورة حماية الفئات التي يمكن أن تتأثر نتيجة أية خطوات في طريق الإصلاح الاقتصادي، لافتاً إلى أن هذه النقطة تم إعلانها بالفعل من خلال القرارات التي قامت بها الحكومة بناء على توجيه الرئيس (
السيسي) بحزمة حماية اجتماعية غير مسبوقة، بدأ تنفيذها بالفعل اعتباراً من هذا الشهر.
تمثل المحور الخامس في اتفاق مصر مع الصندوق على الحاجة إلى توفير ما يكفي مستويات الإنفاق الاجتماعي لحماية الفئات الضعيفة.
في هذا الصدد، قالت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إيفانا هولار، إنه بالإضافة إلى التوسع في برنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية في عام 2023، فقد أعلنت الحكومة المصرية مؤخرًا عن حزمة حماية اجتماعية إضافية بقيمة 180 مليار جنيه للسنة المالية 2024-2025.
وأوضحت هولار أن السلطات أعلنت أنها ستواصل تقديم الدعم لضمان ظروف معيشية مناسبة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط وقد تضررت بشدة من ارتفاع الأسعار.
ما هي برامج الحماية الاجتماعية في مصر؟
رفعت مصر، قبيل التعويم، الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الحكومي 50% ليصل إلى 6 آلاف جنيه بدلا من 4 آلاف، وارتفعت قيمة الحد الأدنى للأجور إلى (193.9 دولار) شهريا لكن هذه الزيادة تلاشت بعد قرار خفض الجنيه، وأصبحت تعادل (120 دولارا) شهريا.
أما بخصوص برنامج الحماية الاجتماعي معاشات تكافل وكرامة، فإنه يبلغ عدد المستفيدين 5.2 مليون أسرة أو نحو 22 مليون مستفيد، لكن ميزانية البرنامج البالغة 36 مليار جنيه (720 مليون دولار) لا يوفر الحد الأدنى للمعيشة لأيام وليس لشهر.
"عدالة اجتماعية وليس حماية اجتماعية"
اعتبر عضو اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع، هاني الحسيني، أن "اختزال الفقر أو الطبقات الضعيفة في معاشات تكافل وكرامة يقلل من حجم الأزمة، وفي الحقيقة فإن الحماية يجب أن تمتد للطبقات الفقيرة والمتوسطة بعد تغول الأسعار وتراجع قيمة الجنيه، والهدف منها هو تخفيف حدة الآثار التي سوف تنتج عن الاتفاق مع صندوق النقد".
وأكد في حديثه لـ"عربي21" أن "حجم الدعم أقل بكثير من نسب الزيادات في الأسعار والاحتياجات الأساسية للمواطنين، ونحن ندعو لمفهوم العدالة الاجتماعية وليس مفهوم الحماية الاجتماعية وهو أوسع وأشمل ويضمن توازنا في التوزيع وفي نوعية الخدمات المقدمة مثل الصحة والتعليم والسكن"، مشيرا إلى أن "حزمة الزيادات الأخيرة في الأجور يتم خطفها من الناحية الأخرى وكأنها لم تكن، إلى جانب تسليع الخدمات ورفع أسعارها بشكل مبالغ فيه".
وصف الحسيني سياسة الحكومة الاقتصادية بأنها "لا علاقة لها برأسمالية الدولة بل هي رأسمالية الحكومة الجديدة أو الأقليات الجديدة، وهي تحتكر أسعار الخدمات، وفي السوق أقلية تحتكر السلع، وفي كل نشاط هناك أقليات تهيمن على كل قطاع، مثل عصر الإقطاعيين، نحن نرفض مثل هذه الاتفاقيات منذ الحديث عنها في عام 2016 ولم تثبت جدواها وفي كل مرة يزداد الوضع صعوبة".
معدلات الفقر في ارتفاع
تبلغ معدلات الفقر الرسمية في مصر طبقا لمسح الدخل والإنفاق، عام 2019-2020 نحو 29.7 بالمئة، أي أكثر من 30 مليون شخص، وهذه النسبة قبل جائحة فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها والقرارات الاقتصادية المتعلقة بخفض الجنيه عدة مرات وصولا للتعويم.
توقعت دراسة مستقلة، في وقت سابق، أن يرتفع مستوى الفقر في مصر إلى 35.7 بالمئة، في عام 2022-2023، وأشارت الدراسة إلى أن 90 بالمئة من الأسر المصرية خفضت استهلاكها من اللحوم الحمراء والأسماك والدواجن، في 2023 بسبب ارتفاع أسعارها، والبحث عن بدائل جديدة أقل تكلفة مثل النشويات، ما يؤدي إلى مضاعفات صحية.
اظهار أخبار متعلقة
وتمتد آثار الفقر إلى زيادة وتيرة الجرائم حيث تأتي مصر بالمركز الـ 65 عالميا والـ 19 أفريقيا والثالث عربيا بمعدلات الجرائم بين الدول، وفق تصنيف "نامبيو" لتقييم مستوى الجريمة ودرجة الأمان بدول العالم عن العام 2022.
الدعم بحاجة إلى إعادة نظر
يعتقد الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، أن "قيمة الدعم بجميع أنواعه يجب ان تزيد رغم أنه لا يشكل إلا نسبة قليلة من بنود الموازنة، على سبيل المثال فإن قيمة الدعم الغذائي (بطاقات التموين والخبز) بالغة الأهمية لتحقيق قدر من السلام الاجتماعي، في ظل ارتفاع حالة الفقر والغلاء، ولا تتجاوز 4 في المائة من الإنفاق".
وأعرب عن اعتقاده في حديثه لـ"عربي21" أن "العديد من بنود الدعم في الموازنة العامة المصرية تحتاج إلى إعادة نظر، وحري بممثلي صندوق النقد الدولي أن يوجهوا الأنظار إليها، بدلا من التركيز على تقليص الدعم الغذائي في ظل غياب الدور الرقابي للبرلمان والإعلام".
وتوقع الخبير الاقتصادي، أن "تستمر موجة ارتفاع الأسعار وخاصة الخدمات التي تقدمها الحكومة، ومعدلات التضخم خلال الفترة المقبلة وسوف يشكل ذلك عبئا إضافيا على المواطنين، كما أن الإجراءات التي أعلنتها الحكومة المصرية أو ما تسميها بالحزمة الاجتماعية هي دون شك غير كافية وغير قادرة على مواجهة ارتفاع الأسعار لأنها حزمة ضعيفة بالأساس وهي اسمية أكثر منها فعلية".