لو افترضنا وجود مُشاهِد في القمر، يراقب ما
يجري في
فلسطين، أو لو افترضنا بأن أحدنا هو ذلك المُشاهِد، فماذا سيرى أو نرى؟
سيجد أسراباً من الطائرات تقصف قطاع
غزة،
وتقتل الآمنين بالجملة، كما تدمّر البيوت على سكانها بالجملة، وسيرى الشوارع ملأى
بأشلاء الأطفال والنساء والرجال. ولو كان هذا المُشاهِد يراقب منذ تسعة، أو أكثر،
لوجد ما سبق مكرراً يومياً، وليلاً نهاراً، وساعة بعد ساعة، بلا توقف.
وسيرى داخل هذا المشهد اندلاع حرب بريّة،
تتسّم بقصف الطيران والمدفعية، وزحف ارتال الدبابات، تقتحم قطاع غزة، شمالاً
وجنوباً، ومن البحر إلى الحدود مع مصر.
ولكن هذا الهجوم، عدا قتل المدنيين وقصف
المشافي والمباني، لن يرى استحكاماً لمقاومة أمامه. فالمقاومة متحصنة تحت أنفاق
عميقة، تغطي القطاع كله تقريباً.
وهنا يجد الحرب البريّة تتسّم بخروج
المقاتلين، من تحت الأنفاق، يتصيدون الدبابات، أو يضربون مجموعات الجنود التي تنزل
من الدبابات أو غيرها من الآليات، ليصبحوا صيداً سهلاً، أو يقعوا في فخ أعدّ لهم،
ليسقطوا فيه فرادى أو جماعات.
وتكون حصيلة ما يرى المُشاهد، هزائم وخسائر
متعدّدة، تقع بقوات الجيش المهاجم. ولكنه يرى في الوقت نفسه، حشداً أشدّ، وتصميماً
أقوى من جانب الجيش، وبلا حساب لفداحة الخسائر، على مواصلة الحرب البريّة، وبلا
إعطاء فرصة لاتفاق هدنة.
الأمر الذي يعني أن ثمة حرباً ضروساً في
قطاع غزة، يُراد منها الغزو ـ الهجوم ـ العدوان الآتي من الأرض الفلسطينية المحاذية.
وبهذا تكون حرباً مفتوحة، حتى لو لم يكن ثمة أمل لانتهائها، بوقت قريب، كما ثبت
طوال تسعة الأشهر، منذ ما بعد السابع من أكتوبر.
يرى المُشاهد أن جبهات مساندة للمقاومة، راحت تنشط منذ الثامن من أكتوبر. وأولها حزب الله الذي فتح معارك مع الشريط الحدودي، من جهة الجليل. وكذلك تدخلت المقاومة في العراق. وفتحت جبهة مساندة ثالثة من جانب اليمن، شملت باب المندب والبحر المتوسط، وبحر العرب حتى البحر المتوسط، ضد السفن الداخلة إلى، أو الخارجة من، شواطئ فلسطين التي يحتلها الكيان الصهيوني.
وفي المقابل، يشهد دعماً دائماً متواصلاً،
من أمريكا والغرب بالأسلحة والذخائر، عبر جسور جويّة لا تتوقف. مما يفسّر لماذا
استطاع، الكيان الصهيوني أن يدعم جيشه، بالقوّة، بحيث لا يحدث الانهيار، بسبب
الخسائر والفشل، كما يفسّر أن ثمة قراراً دولياً بمواصلة الحرب، وبأمل ضعيف بإمكان
الانتصار فيها. وهو ما تؤكده حصيلة المعارك، طوال تسعة الأشهر.
وفي المقابل، يرى المُشاهد أن جبهات مساندة
للمقاومة، راحت تنشط منذ الثامن من أكتوبر. وأولها حزب الله الذي فتح معارك مع
الشريط الحدودي، من جهة الجليل. وكذلك تدخلت
المقاومة في العراق. وفتحت جبهة
مساندة ثالثة من جانب اليمن، شملت باب المندب والبحر المتوسط، وبحر العرب حتى
البحر المتوسط، ضد السفن الداخلة إلى، أو الخارجة من، شواطئ فلسطين التي يحتلها
الكيان الصهيوني. وكانت بمثابة التحدي لأمريكا، بتعطيل لملاحة دولية.
وهنا لا بد من أن يُتابع المُشاهد، تظاهرات
عالمية ترفع شعارات ضد الكيان الصهيوني، كما متعاطفة مع المقاومة والشعب، والقضية
الفلسطينية، ولا سيما اعتصامات وتظاهرات في أغلب الجامعات الغربية.
من يُدقق في حرب العدوان على غزة، ويُتابع
تصميم نتنياهو وقيادة الحرب على مواصلتها. وما أخذ يبرز من تصعيد على مستوى القتل
الجماعي (الإبادة)، ويتابع نتائج الحرب البريّة، والصمود الشعبي في قطاع غزة، يدرك
أن الأولوية التي ليس بعدها أولوية، هي حشد كل طاقات الشعب الفلسطيني، للالتفاف
حول القيادة والمقاومة والشعب في القطاع، لكسب هذه الحرب.
ومن ثم يجب أن يخضع كل جهد سياسي، أو عمل
فلسطيني، لدعم الانتصار في هذه الحرب. فكل جهد يبذل خارج هذا الدعم، يُعد تغميساً
خارج الصحن، وجهداً في غير مكانه، حتى لو كان تحت أي ضرورة أخرى مستقبلية.
هذا هو الخط السياسي الصحيح في الوقوف مع
المقاومة، ومساندتها أو دعمها.
ويلاحظ الأمر نفسه، بعد ما يسمّى اليوم
التالي.
ويحضُر هنا موقف حزب الله، والقيادة
اليمنية، والمقاومة العراقية في حصر المساندة، لتلبية متطلبات دعم المقاومة في
غزة، وجعلها أولوية يُلحَق بها أيّة قضية خاصة أخرى. ويُلاحظ الأمر نفسه في كل
التظاهرات في العالم، حيث حصرت هدفها بوقف الحرب، ووقف المجزرة.
بكلمة، عندما تكون هنالك حرب، فكل الجهود
يجب أن توجّه، وتتجه لتحقيق النصر في الحرب، ومن ثم دعم الجبهة مباشرة، بكل نشاط
سياسي أو مادي، لتحقيق النصر العسكري الذي يتوقف عليه، المستقبل وما تُسمّى مرحلة
اليوم التالي.