روى لنا صديقنا الفنان التشكيلي خير الدين
أنَّ المتظاهرين أسروا شبيحًا في الشهر الخامس من الثورة السورية، وعجبوا من أمره،
فقد كان منهم، سنيًّا من قرى إدلب، وليس علويًا من الساحل، وكان قد جندل كثيرًا من
المتظاهرين، فاستجوبوه، فأٌقرّ بالقتل، وفخر به، وعندما سألوه عن السبب، قال: عبد
مأمور، فحكموا عليه بالإعدام، وسألوه عن رغبته الأخيرة، فقال: رغبتي أن تقتلوني
مدبرًا غير مقبل، ووجدوا فيه شجاعة قلّ نظيرها، فقد قُتل باسمًا.
كان ستانفورديًا مخلصًا، مثل محمود عباس
وبقية الرؤساء العرب السجانين.
يروي فيلم "جسر على نهر كواي" وهو
فيلم بريطاني من إخراج دافيد لين، وإنتاج سام سبيغل عام 1957، اقتباسا من رواية
كتبها بيير بول، تحمل نفس العنوان، حكاية جنود بريطانيين أسرهم اليابانيون، وكلفوا
جنرالًا بريطانيًا أسيرًا ببناء جسر سيعبر عليه اليابانيون، ليداهموا البريطانيين
في معاقلهم، فعمل الجنرال البريطاني الأسير في بنائه بإخلاص قلّ نظيره، مع أنه جسر
ضد جيش الباني ووطنه وعقيدته، ثم ينجح زملاؤه في إقناعه بنسفه، فيقنع بعد لأي
بتدمير الجسر العظيم. كاد إخلاصه لمهنته أن يكون أوثق من إخلاصه لوطنه.
شاهدت بالأمس بودكاست مع الكاتب مصطفى
خليفة، كاتب رواية القوقعة المعروفة، عَذَر فيها الجلادين الذين عذبوه، ووصفهم
بأنهم مجرد أدوات وآلات، وهذا غريب حقًا، ولم يكن هذا
رأي زميله الكاتب راتب شعبو،
صاحب رواية "ماذا وراء الجدران". يمكن أن يربي المرء الكلب على أمر أو
أمور، كأن يهجم على أصحاب اللحى، أو المغيرين على السور، أما الإنسان، فكائن عاقل،
قادر على الاختيار بين النجدين، أو بعبارة إسلامية مأثورة: "لا طاعة إلا في
معروف"".
تجربة ستانفورد ليست بدعة، فالحكومات تقوم بإجراء تجارب واختبارات، وثمة شهادات على قيام نظام الأسد بتجارب كيماوية مروعة على مساجين تدمر، ويمكن أن تكون هيروشيما وناغازاكي اختبارًا، عدا عن كونه عقوبة لليابان
تجربة سجن جامعة ستانفورد في كاليفورنيا
شهيرة، وملخصها أنَّ رئيس الجامعة يقترح متطوعين لخوض اختبار قياس تأثير الظروف
على الأسير والآسر، مقابل أجر، فيتطوع أربعة وعشرون طالبًا، يقسمون في الاختبار
إلى فريقين، فريق سجناء، وفريق سجانين، وفي اليوم الثاني تستهوي التجربة السجانين،
فيمضون أبعد في إهانة المسجونين عسفًا وتعذيبًا، وقد استمرت التجربة ما يقرب من
أسبوع، بعد أن أوغل السجانون في إيلام المسجونين. وكُتبت عن التجربة البشرية أبحاث
كثيرة، وصورت عنها أفلام روائية، غالبًا ما يصنف الباحثون أبحاثها حول تأثير الظروف
والبيئة المحيطة على السلوك والطباع البشرية، خيرًا أو شرًا، كُلٌّ بحسب إيمانه
ومعتقداته.
الإنسان كائن عاقل يميز الخير والشرّ،
ويختار أحد النجدين، إما شاكرًا وإما كفورًا، ولهذا نرى مظاهرات في جامعات العالم
نصرة لأهل
غزة، فقد عدت إسرائيل طورها، واستهانت بكل القوانين الدولية والأعراف
الأخلاقية، وبتنا نرى مظاهرات في جامعات بعيدة مثل جامعة طوكيو. ونذكر أن جنديا
أمريكيًا اسمه ارون بوشنا نحر نفسه حرقا تبرئة لها من جريرة حكومته، احتجاجًا منه
على استعمال الأسلحة الأمريكية في قتل شعب غزة، أما الشعوب العربية، فأسيرة، مثل
فريق المسجونين الذين رضوا بالعيش والسلامة.
تجربة ستانفورد ليست بدعة، فالحكومات تقوم
بإجراء تجارب واختبارات، وثمة شهادات على قيام نظام الأسد بتجارب كيماوية مروعة
على مساجين تدمر، ويمكن أن تكون هيروشيما وناغازاكي اختبارًا، عدا عن كونه عقوبة
لليابان، فقد عدا الأمريكان القوانين الدولية وعاقبوا سكان بلدتين يابانيتين
بأطفالها ونسائها وشيبها وشبانها وحيواناتها الدابة والطائرة والسابحة، مخالفين
الشرائع الدينية والدولية.
وقد قطفت جائزة القنبلتين، وهي سيادة
العالم، وأضحت سجان الكوكب.
أصل تجربة ستانفورد قديم، سنجده في كل
الحروب، فالإنسان مجردا من الأخلاق، يميل إلى كسر قواعد اللعبة، سنجد خرق قواعد
اللعبة في سباق داحس والغبراء، ونجده في يد مارادونا التي أدخلت هدفًا ولم يره
الحكم، الخداع في
الحرب غير الغش في
المواثيق، بل نجد اختبار ستانفورد في قصة قابيل وهابيل، وكان الميثاق أن يقدم كل
منهما قربانًا، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فحسد قابيل أخاه هابيل،
فقتله، ربما كان أصل الاختبار في قصة آدم، وكان ميثاقه أن يلزم الخط الأحمر، وهو
عدم الاقتراب من الشجرة، شجرة الخلد، لكنه أكل منها، فظلم نفسه وظلم زوجه.
لم تدم تجربة ستانفورد الجامعية سوى ستة أيام، في حين أن اختبار غزة ما زال مستمرًا منذ 289 يومًا، ونحن نرى خرقًا لكل قواعد الحرب والسلم في غزة، بما فيها مواثيق السلم والحرب، في عدم حرمان الشعب من الدواء والغذاء، حتى غدت حرب الإبادة مشهدًا مألوفًا نراه كل يوم.
لم تدم تجربة ستانفورد الجامعية سوى ستة
أيام، في حين أن اختبار غزة ما زال مستمرًا منذ 289 يومًا، ونحن نرى خرقًا لكل
قواعد الحرب والسلم في غزة، بما فيها مواثيق السلم والحرب، في عدم حرمان الشعب من
الدواء والغذاء، حتى غدت حرب الإبادة مشهدًا مألوفًا نراه كل يوم.
ذكرنا قصصًا ووقائع عن ستانفورد، وسنروي قصة
واحدة من قصص الأخلاق: تقول قصة بائع الجرار إن رجلًا اشترى منه جراره كلها، وطفق
يكسرها، فأقبل عليه البائع مستنكرًا، فقال له الشاري إنه دفع له ثمنها، فقال
البائع: أنا أبيعها من أجل أن يشرب الناس فيها الماء، وليس من أجل ثمنها، وقذف في
وجهه ماله، واستعاد جراره.
تقول واقعة فتح سمرقند إن قتيبة بن مسلم
الباهلي فتح سمرقند، ولما علم أهلها أن فتحها عنوة مخالف للإسلام، والإسلام يوجب
إمهال أهلها ثلاثًا، وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية أو الحرب، اشتكوا للخليفة عمر
بن عبد العزيز، وكان يطين بيته، فكتب رسالة على ورقة من سطر إلى عامله (كان لقب
الأمير وقتها العامل) أن ينظر في أمرهم، فنصب قاضيًا، فأمر القاضي الجيش بالخروج
من المدينة، وأن يمهلهم ثلاثًا، ففعل، ودخلت سمرقند كلها في الإسلام.