أجواء الحياة وإثارة كرة القدم لم تنقطع في
الغوطة الشرقية رغم أن الموت على مرمى صاروخ والنزاعات المتواصلة ما بين الفصائل العسكرية لا تتوقف .
لابد من يوم عطلة
في صــالة شعبية بارزة في دوما بريف دمشق، يجتمع مدنيون وربما عسكريون أيضاً لحضور
مباريات كأس العالم ، فعلى على مدار السنوات الثلاثة من عمر
الثورة السورية لم تأخذ تلك المدينة الصامدة يوم عطلة واحد أو متنفس ينأى بها عن كل الآلام التي تأتي ولا تذهب ، كانت المدينة مدمرة فارغة من أهلها في أيام القصف ، مليئة بالآمال المنقطعة إبان عودة الأهالي تحت خيمة
الحصار والجوع .
وليس بكثير على مدينة ذاق أهلها أشد الويلات أن تتنفس في بعض ساعات الليل مع أصوات المشجعين .
بهاء الصمادي الفتى العشريني وثلاثة من رفاقه الهواة للعبة كرة القدم ، قاموا بتجهيز الصالة التي تنادي بالحياة رغم الموت ، كانوا على يقين بأنّ هنالك أعداد كبيرة ستأتي إلى القاعة ، بالرغم من صعوبة تأمينهم لشاشة العرض ومولدات الكهرباء ومشروبات القهوة والشاي على نار الحطب ، بالإضافة لجهاز فك تشفير الفضائي الذي كان من الصعب جداً إدخاله في مثل هذه الظروف .
شاشة صغيرة .
كان دافعهم كبيراً باستعادة ذكرياتهم في مونديال سنة 2010 ، حيث كانوا يجتمعون في مقاهي وساحات دمشق الكبيرة في الأيام الماضية ، يقول بهاء : " لا مشكلة .. أياً كانت المتاعب سنواصل وسنشاهد المباريات كافة ونسترجع ذكرياتنا الجميلة قبل الحرب مع كل فريق ، لا خيار أمامنا إلا أن نهدي أنفسنا لحظات من السعادة " مضيفاً بأن من يراهم يشاهدون المباريات ليلاً يظن بأن حوادث الاغتيالات والتفجيرات تحدث في بلاد أخرى.
ولا يخفي بهاء سروره في خلق مناخ ملائم لحضور المباريات بعيداً عن أجواء المدينة التي تتلظى فيها نيران المعارك من كل جانب ، ويقول أنه يشعر بتفاؤل كبير كلما وجد إشارات حزن على وجوه مشجعي الفريق الخاسر وابتسامة في المقابل لمن ربح اللعبة .
ويشير أن فكرته بدأت من شراء شاشة صغيرة بقليل مما وفر من المال حتى يشاهد المباريات لهوسه بها أياً كانت الظروف ، ثم ما لبثت أن توسعت الفكرة تلقائياً حين أخبر أصدقائه وأبناء حيه بذلك الذين أبدوا الرضا لمساعدته في جعل المشروع الصغير صالة كبيرة تلم شمل كل من يحب الحضور من أهل البلدة .
وعن المبلغ الذي يتقاضاه عن كل شخص لحضوره المباراة يقدر ب" 150" ليرة سورية ، هو سعر يقل ثمن رغيف الخبز أي أن بإمكان متوسط المستويات من الشبان أن يحضروا .
مسيرة احتراف
ذكريات "بهاء" وأيامه الجميلة التي قضاها في نادي المحافظة لازالت تخيم على أفكاره وعلى أفكار من يستمع إليه ، فهو كان لاعباً جيداً في فريقه قبل حلول الثورة ، وعندما قام الفريق بشرائه واختيار المدرب له لإعجابه بلعبه بدأت الثورة تخيم على حياته دون إرادة منه ، وبدأ النظام بملاحقته على تهمة أنه ابن شخص كان له دور ريادي في تأسيس المظاهرات ضمن مدينة دوما ، تسيطر الحسرة على قلبه وهو يتحدث عن بعض أصدقائه السوريين من رفقاء منتخبه القديم حين علم أنهم يواصلون اللعب ومسيرة الاحتراف في أندية أوروبا ، وهو لازال يمكث في البلدة المحاصرة جل همه كيف يؤمن لنفسه وأهله وجبة طعام يومية ، بينما يواصل العديد من أصدقائه اللاعبين بناء مستقبلهم وخوضهم في مباريات حتمية .
فكرة خوض المباريات وتشجيع الفرق حين تحرز الأهداف وفق ما يقول أحد الحاضرين ليست بطقس بعيد جداً عن طقوس أهل المدينة اليومي ، الذين بات لكل منهم كتيبة تروقه يشجعها وينتمي إليها ويفرح باسمها لما يراه لامعاً على شاشة الأخبار أكثر من أخرى حين تحرز هدفاً أو اقتحام حاجزاً فلانياً من دمشق ، ويقول أن البلاد بأسرها أصبحت في عين أهلها عبارة عن مباراة كرة قدم ، وفرق تتنافس على الفوز والحكم ، لذلك فمن المريح جداً للأعصاب أن يشاهد المحاصرون منافسات صغيرة لا علاقة لها بالدماء والموت"