لماذا يظل تنظيم الدولة الإسلامية (
داعش) مشكلة أمريكية وتحتاج إلى حل أمريكي؟
هذا سؤال حاول الصحافي ستيف كول في مجلة "نيويوركر" الإجابة عنه. وبدأ بالمقارنة بين حالة عاصمة الخلافة التي أعلن عنها أبو بكر
البغدادي، أي مدينة
الرقة اليوم، وما كانت عليه من مجد زمن هارون الرشيد، فقد "بنى هارون الرشيد الخليفة العباسي، في نهاية القرن الثامن، قصرا في الرقة على نهر الفرات فيما تعرف الآن بسوريا، وامتدت دولته من تونس الحالية إلى الباكستان، وكان عصرا إسلاميا من الاكتشاف في مجال العلوم والفن والموسيقى، وألهم بلاط الرشيد ووزراؤه قصص ألف ليلة وليلة".
وماذا حدث للرقة العباسية؟
سؤال آخر يجيب كول عنه، بأنه "في حزيران، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش، الرقة عاصمة للخلافة الجديدة التي يحكمها أبو بكر البغدادي، الواعظ الشرس الذي سجن مرة في سجن أمريكي في العراق، ويعيش الآن مختفيا عن الأنظار. وفقدت المدينة بهاءها، وتحولت فيها مظاهرالإعدام في ساحاتها العامة، كميدان النعيم وميدان الساعة إلى حدث عام، وذلك حسب تقرير للأمم المتحدة الشهر الماضي. ويقوم مقاتلو داعش برفع الموتى على صلبان لتحذير السكان المحليين".
ويتحدث كول عن جذور داعش، فيقول: "ظهر داعش قبل عقد من الزمان كفرع صغير لتنظيم القاعدة في العراق، وكان فرعا متخصصا في العمليات الانتحارية وتحريض الأقلية السنية ضد الغالبية الشيعية.
وتجدد نشاط التنظيم بعد عام 2011 وسط عنف متزايد في العراق ومصائب الحرب الأهلية السورية، وفي هذا العام قام داعش بغزو مدن وحقول نفط ومساحات واسعة، في كل من سوريا والعراق. وبنى التنظيم وغذى قوته على المجتمعات العربية السنية التي عارضت الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد، والعلويين في دمشق بقيادة بشار الأسد".
وأشار إلى وصف وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل للتنظيم الذي قال عنه إنه متطور وممول بشكل جيد أكثر من أية جماعة أخرى، و"لدى التنظيم ضباط من الجيش العراقي السابق، يستطيعون قيادة المروحيات واكتشاف الدبابات والمناورة في المعارك. وأصبح داعش تنظيما هجينا يشبه حزب الله، بأنه جزء من شبكة إرهابية وذو شكل شبيه بالدولة".
ويقول كول، إن "الرئيس الأمريكي باراك
أوباما قرر أن على
الولايات المتحدة ضرب داعش وإن كان من الجو، ومع بدء الغارات الجوية قضى الرئيس عطلته في مارثا فينيارد ولعب الغولف. ولم يكن صريحا بما فيه الكفاية لشرح السبب الذي يجعله يعود للمعركة بعد أن تعهد بإنهاء الحرب المكلفة في العراق".
ويستدرك بأن "أوباما قدّم في مقابلاته وأحاديثه العامة، المبرر للحرب، في ثلاثة أجزاء: الأول، أن داعش قام بذبح الأقليات الدينية بما فيها المسيحيون والإيزيديون، ومن هنا فإن الغارات الأمريكية قد توقف القتل. والأمر الثاني، هو حماية منطقة الحكم الذاتي في إقليم كردستان، الحكومة التي تملك النفط والمتحالفة مع واشنطن التي كانت قبل عدة أسابيع تترنح تحت وطأة تهديد داعش، ولكنها تعافت منذ ذلك الوقت بسبب الدعم الجوي الأمريكي. أما السبب الثالث، فهو الأكثر ترددا ويتعلق بالدفاع عن النفس، أي تشويش قوة داعش قبل أن يتمكن من الهجوم على الأمريكيين في داخل الولايات المتحدة وخارجها.. ولكن داعش قطع رأس جيمس فولي الصحافي الأمريكي وهدد بقطع رأس آخر".
ويشير إلى أنه مع ذلك، "فقد تحدث عدد من الخبراء في مجال الإرهاب عن أن داعش منشغل في الحرب الطائفية في سوريا والعراق، ولهذا فإنه لا وقت لديه لشن هجمات ضد الغرب، أو أن لديه القدرات على عمل هذا. ورغم كل هذا، فقد جذب داعش 500 متطوع بريطاني وأعدادا أخرى من حملة الجوازات الأوروبية وحتى بعض الأمريكيين للقتال في صفوفه، والذين قد يعودون مرة أخرى لبلادهم ويوجهوا انتباههم إلى لندن وبرلين أو نيويورك. ففي الأسبوع الماضي أعلنت السلطات البريطانية أن التهديد على أراضيها قد رفعت درجته إلى "خطير"، وذلك في ضوء العدد المتزايد من الجهاديين البريطانيين الموجودين في العراق وسوريا".
ويرى كول أن "السؤال حول عودة باراك أوباما للحرب في العراق، ليس حول ما إذا كانت مبررة، ولكن حول ما إذا كانت تقود لنتائج. فغارات جوية ضد جماعات مسلحة تسليحا جيدا لديها الكثير من التعزيزات، لن تفعل الكثير إن لم ترفق بعمل عسكري على الأرض. وستكون كارثة لو قررت الولايات المتحدة لعب هذا الدور. ولكن من هي تلك القوة التي تستطيع الإطاحة بالخليفة الذي نصب نفسه، وبعدها قام بالسيطرة على السكان؟".
ويقول إنه، في الوقت الحالي تقوم السياسة الأمريكية على فرضية قيام السياسيين الشيعة الذين يتشاجرون دائما بحث الجيش العراقي على قتال داعش في المناطق السنية. ولكن هذا التقييم وبناء على الأدلة المتوفرة سابقا يبدو غير عملي.
ويلفت إلى أن الخيارات في سوريا تظل أسوأ؛ فقد ظل الرئيس أوباما يكرر أنه لا يعتقد بقدرة المعارضة المعتدلة على الإطاحة بالرئيس الأسد أو هزيمة الجهاديين. لكن البدائل ستسمح للعنف في سوريا بالاستمرار على حساب حياة عشرات الألوف من المدنيين السوريين، أو دعم نظام الأسد القاسي، وإن كان بشكل تكتيكي.
ويضيف كول أن "أوباما اتخذ والمستشارون حوله ملجأ في المنطق الذي يحللهم من المسؤولية والذي يقول: لا يمكننا إجبار الناس في بلدان أخرى على جمع أنفسهم حول أجندة واحدة، وإن لم يفعلوا فأي مصيبة تحصل فهم مسؤولين عنها"، ويرى أن "هذا الشكل من الواقعية الذي يبتعد عن الغطرسة الأمريكية يحمل نوعا من الجاذبية، ولكنه فشل في المساهمة في استقرار الشرق الأوسط فشلا ذريعا".
ويواصل الكاتب بأنه "لا يعرف بعد ما إذا كان داعش سيظل تهديدا خطيرا أم لا، فعادة ما يواجه المتطرفون الغزاة الذين يتحركون بسرعة، مشاكل الحفاظ على المناطق التي سيطروا عليها بسرعة. وداعش وعد بحكم فاعل بنفس الطريقة التي يستفز فيها السكان، لكن موهبته تكمن في ابتزازهم وفي التطهير العرقي وليس في تنظيف المرافق الصحية أو توفير فرص العمل، ويعاني من مخاطر الانفجار أو الثورة من الداخل".
و"من هنا فصعود التنظيم السريع هو عرض لعدم استقرار يضرب عميقا، وواحد من أسباب هذا الوضع هو فشل المجتمع الدولي وسياسته في كل من العراق وسوريا. وعليه فإن عودة الولايات المتحدة للحرب في المنطقة يتوقع تفكيرا عميقا ورؤية أكثر من ضرب الجهاديين"، وفقا للكاتب.
ويرى أن "إعادة حقوق الإنسان في المنطقة تحتاج أولا إلى البحث عن طريق سهل وممكن للاستقرار. فتنظيم داعش يتغذى من معاناة السوريين، وهي على ما يبدو بلا نهاية. فالحرب الأهلية في عامها الرابع، ومات فيها 200 ألف تقريبا وأدت إلى نزوح تسعة ملايين شخص في داخل وخارج البلد. وأصبح مركز الخلافة اليوم في الرقة وهو تعبير عن فنتازيا قاتمة، وتعيش عندما يشعر الناس أنهم جردوا من مصادر الأمن والعدل.
وفي إشارة إلى قول الرئيس إنه "ليست لدينا استراتيجية بعد"، قال كول إنه علق بطريقة غير موفقة الأسبوع الماضي. واستدرك بأن لديه تحالفا في المنطقة ممن لديهم استعداد للوقوف أمام طموحات داعش، بما فيهم الأردن والسعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة. وهذه الدول هي التي تمارس الرعاية على السنة المحرومين في العراق وسوريا، وبعض الدعم الذي تقدمه يصل إلى الجماعات الجهادية بما فيها داعش. ومع ذلك فهي تتشارك في مصلحة وقف العنف في سوريا وتعزيز حكم سني محلي وإقليمي أخف من حدة وقابل للحياة أكثر من نموذج. و"في النهاية يحتاج السنة إلى حكم ذاتي مثل الذي يتمتع به الأكراد حاليا"، كما يرى كول.
ويخلص إلى أن "قيادة تحالف هذه طبيعته وهذه شخصيته، أمر صعب ونتائجه غير متوقعة. واستطاع جورج بوش الأب الذي يبدو أن باراك أوباما معجب بسياساته قيادة تحالف من هذا النوع لإخراج صدام حسين من الكويت عام 1991. لم يبق أمام أوباما سوى عامين تقريبا في البيت الأبيض. ومن أجل هزيمة وتخفيض مصدر قوته، يحتاج أوباما إلى المخاطرة بمصداقيته أكثر من مجرد توجيه غارات جوية".