أكد عبد العزيز
أفتاتي، أحد الوجوه
المغربية الإسلامية البارزة، في حواره الخاص مع "عربي21"، أن المغرب يعيش وضعا غريبا، مفسرا ذلك بتحول جزء من القوى التي كانت ترفع شعار الإصلاحات العميقة والدستورية إلى صف "القوة الثالثة" المناهضة للإصلاح.
وأضاف البرلماني المغربي الذي أصبحت صفة "إثارة الجدل" لصيقة باسمه، إن الإعطاب اليوم في المغرب يهم الفاعل السياسي نفسه، وأن المشهد السياسي غير مكتمل لكون قوى مثل جماعة العدل والإحسان وقوى يسارية توجد خارج المشاركة السياسية المؤسساتية، مؤكدا أنه دون مشاركة الجميع سيظل المغرب يراوح مكانه.
الحوار الخاص الذي يأتي ضمن سلسلة حوارات حول "واقع الإصلاح في المغرب" من وجهات نظر مختلفة، قال فيه المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، "إن الإصلاحات في المغرب تتقدم ولو بتدرج وبطء، مع وجود الدولة الموازية التي تشتغل على مدار الساعة من أجل النكوص والارتداد".
أفتاتي أكد للموقع أن ثمة من يتربص بالتجربة المغربية الجديدة خاصة مع قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة، وذلك من أجل
الانقلاب على الوضع، ولم يخرج عن هذا السياق ما تم من تغيير لقيادة حزب الاستقلال قبل سنتين.
في هذه المقابلة تناول عضو لجنة الصداقة المغربية الفلسطينية، أفق التعاون الديمقراطي بين العلمانيين واليساريين والإسلاميين، كما تحدث عن تقييمه لعلاقة حزب العدالة والتنمية مع القصر الملكي بين الأمس واليوم، فضلا عن مقارنته بين تجربة حكومة عبد الإله بن كيران وعبد الرحمن اليوسفي، بالإضافة لربطه بين ما يعيشه المغرب والتحولات المحيط الجارية.
وفي ما يلي نص المقابلة:
"عربي21": في صلة بالحراك الذي عرفه المغرب سنة 2011، وما تبعه من إقرار دستور جديد، وانتخابات سابقة لأوانها، تبوء حزب العدالة والتنمية الصدارة وقيادة الحكومة، هل الإصلاح في المغرب يتقدم أم يتراجع أم يراوح مكانه، ما تعليقك؟
أفتاتي: الناظر والمراقب لما يقع في المغرب ولما يقع، بكل أسف، على المستوى الإقليمي والعربي لا يمكن إلا أن يسجل أن المغرب، نسبيا، يتميز بنوع من الاستماتة والصمود لتحقيق أجندة الربيع الديمقراطي، لكن بالمقارنة مع أهداف الربيع نفسه، بالطبع سنجد هناك فارقا معتبرا، ولكن بالقياس إلى الواقع، لأن الواقع في نهاية المطاف لا يرتفع، لا يمكن للإنسان إلا أن يلاحظ أن المغرب يتقدم بشكل ملحوظ نسبيا، بينما الكثير من التجارب إما تم الانقلاب عليها إلى حين، أو يراد ويرتب ويجري الانقلاب عليها باطراد، والأمثلة كثيرة على ذلك، والإشكال في المغرب ليس إشكال نصوص، بما فيها النصوص التأسيسية، وعلى رأسها الدستور، لأنه في بداية القرن العشرين طرح في الساحة المغربية مشروعان دستوريان، ولكنهما لم يمنعا الاحتلال، وفي بداية الاستقلال كان هناك كلام جميل عن التطور الدستوري واعتماد نصوص دستورية في المستوى، ولكن هذا لم يمنع من النكوص الذي عاشه المغرب لعقود، ولذا فإن القضية ليست قضية نصوص، وإنما الإشكال في المغرب اليوم هو في الفاعل نفسه، أي في الكائنات السياسية، وفي مكونات الدولة المؤثرة في مجريات الأمور.
"عربي21": أين يكمن المشكل الرئيسي اليوم في نظركم؟
أفتاتي: في تقديري جوهر الإعطاب اليوم في المغرب يهم الفاعل السياسي نفسه، بحيث هناك اليوم مجموعة من الاتجاهات التي كانت ترفع شعار الإصلاح بما فيه الإصلاحات العميقة، والإصلاحات الدستورية، جزء منها أصبح يصطف اليوم في صف "القوة الثالثة" المناهضة للإصلاح. ولذلك نحن اليوم في وضع غرائبي في المغرب، يتميز بعدم اكتمال المشهد السياسي، بحيث أن جزءا معتبرا من القوى السياسية توجد اليوم خارج المشاركة السياسية المؤسساتية، مثل جماعة العدل والإحسان ومكونات من اليسار، وهؤلاء لم يسبق لهم أن دبروا الشأن العام، وخطابهم ورموزهم يتميزون بقدر معتبر من المصداقية.
"عربي21": هل معنى ذلك أنه لا حديث عن أي انتقال ديمقراطي في المغرب دون إشراك تلك القوى؟
أفتاتي: بالطبع، الطبيعي هو أن نتدبر المراحل الجديدة بقوى لا أقول أنها جديدة مائة بالمائة، ولكن بالقوى التي كانت تسعى دائما إلى الإصلاح، واليوم نجد في المغرب جزءا من القوى التي كانت ولا زالت تنادي بالإصلاح توجد خارج المشاركة السياسية، وهذا فيه مشكل كبير، فبدون مشاركة الجميع قد نبقى نراوح مكاننا، هذه واحدة، ثم إن جزءا من القوى المشاركة أصبحت من المشمولات بالتحكم، وأصبحت متحكما فيها، بحكم التحكم في مدخلات ومخرجات مؤتمرات العديد من الأحزاب، وهذا شيء يعرفه اليوم الخاص والعام، ولذلك عندنا مشهد غير مكتمل، ثم إن المشهد الذي ينشط في المؤسسات فيه جزء كبير متحكم فيه، وبالطبع إذا أضفت الفساد الذي يخترق جزءا من النخبة السياسية في المغرب ستجد المتبقي في النهاية عددا قليلا من الاتجاهات السياسية التي تطرح الإصلاح دائما في أجندتها وتتميز بمصداقية، ولذا نحن في وضع ينبغي استيعابه جيدا حتى نتمكن من رصد التطور بطريقة علمية. التطور موجود، ولا يمكن لمنصف أن ينكره، ولكنه تطور دون مستوى انتظارات الربيع الديمقراطي، وخاصة عند انطلاقته، ولكن كما قلت، بالنظر لما يجري حولنا، وتتابعون ما جرى في مصر من انقلاب على العملية الديمقراطية، واستعمال وسائل القتل بالآلاف، وللاعتقال بعشرات الآلاف من أجل أجندة تسلطية بائسة.
"عربي21": تحدثتم عن قوى توجد خارج الانتقال الديمقراطي بالمغرب، هل السبب ذاتي أم موضوعي في نظركم؟
أفتاتي: حتى نكون موضوعيين، مطلوب اليوم من كافة القوى المؤثرة أن تسهم في عملية الحلحلة، ولا يمكن لهذه الحلحلة أن تلقى على طرف دون آخر، بالطبع المسؤوليات تختلف، ولكن لا بد من مجهود جماعي تشاركي للخروج من هذه الوضعية غير السليمة بالمرة، لأنه في نهاية المطاف الذي نصبو إليه هو أن نخدم بلدنا، ثم أن نسهم بمقدار في وحدة الأمة ونهضتها وتحررها، ولذلك هذه الاتجاهات مطلوب منها كذلك أن تسهم بواقعية، ولا أحد يطلب منها أن تتجرد من قناعاتها، بل على العكس.
"عربي21": قلتم إن مسار الإصلاح لا يمكن إنكاره اليوم في المغرب، ما هي بعض المؤشرات الكبرى، لأن البعض يرى أننا نراوح مكاننا، مستدلا بالمنع الذي يطال العمل الحقوقي، والاعتقالات، وحرية الصحافة...؟
أفتاتي: الاختلالات لا بد وأن تكون موجودة، ولكن اليوم هناك إرادة كانت ولا تزال معلنة في إنجاز عملية الانتقال الديمقراطي، وفي وضع المغرب على سكة العدالة الاجتماعية، وللانتهاء من الفساد، واليوم في الأقطار الأخرى هناك إرادة معاكسة، وهي التي تهيمن، ولذلك ليس من السهل أن تأتي اليوم وتقول بأنني لا زلت على نفس القناعات، إذن نحن لا زلنا على نفس القناعات، ولكن ينبغي أن تجد شركاء في المستوى، يتميزون بالمصداقية، من أجل تعبئة الشعب في هذا الاتجاه، وهذا هو الأمر الخاص، وله علاقة بعدم اكتمال المشهد. تصور لو أن الجميع اليوم تيسرت له ظروف المشاركة، أكيد أننا سنكون في وضع تعبوي مغاير بالمرة، بالطبع سيخدم مصالح المغرب العليا، وسيسهم في نهضة الأمة ككل، وفي تحرر المناطق التي ما زالت تحت الاحتلالات.
"عربي21": تحدثت عن التراجع في الأهداف بين سنة 2011 وما وصلنا إليه، هل يمكن أن نحمل السياق وحده مسؤولية هذا التراجع؟
ليس هناك تراجع بهذا المعنى، فعندما نقول إن هناك تراجعا فهذا يعني أنك كنت مقتنعا بأشياء البارحة واليوم تراجعت عنها، وهذا ليس هو الواقع، فلا أحد تغيرت قناعاته من التيارات التي كانت تؤمن بالإصلاح دوما، وبالمناسبة فنحن في العدالة والتنمية فكرة إصلاحية بامتياز، ولسنا تجمعا للمصالح أو للمنافع، ولكن قد تصطدم في بعض الأحيان بواقع لا يرتفع، ويجب أن تتعاطى مع هذا الواقع، ولكن بنفس الخلفية وبنفس الإرادة، واليوم هناك تحالف، استطعنا في الأخير أن تكون عندنا قواسم مشتركة تخدم أهداف الإصلاحات ولو بنوع من التدرج والبطء، ولكن الوجهة هي وجهة الإصلاحات، بالرغم من محاولات النكوص التي لا تتوقف وتشتغل على مدار الساعة، لأن عندنا في المغرب، كما أقول دائما، دولة عميقة أو موازية، أو الاثنين معا، عميقة وموازية، تشتغل على مدار الساعة، واليوم تحاول أن تشكل مثلثا لإعطاب الإصلاح والانتقال الديمقراطي.
"عربي21": ما قصدكم بالمثلث؟
أفتاتي: المثلث هو أحزاب ومكونات تحسب نفسها على المعارضة وهي في الحقيقة تعارض الإصلاحات، ولا تعارض بالشكل المتعارف عليه، وتخدم النكوص، وتندرج في أجندة الانقلاب على الربيع الديمقراطي، وهذا صار اليوم معروفا.
"عربي21": إذا ما أردنا المقارنة بين تجربة حكومة عبد الرحمن اليوسفي وتجربة حكومة عبد الإله بن كيران، ما الذي يمكنكم القول؟
أفتاتي: المغرب عرف ثلاث محاولات للانتقال الديمقراطي، المرحلة الأولى على عهد الأستاذ عبد الله إبراهيم رحمه الله، وتم إفشالها، والذي ساهم في إفشالها هو "القوة الثالثة"، وهنالك أيضا الانقسام الذي حصل في صفوف الحركة الوطنية، ثم كانت هناك محاولة مع الأستاذ محمد بوستة ينة 1994 ولكنها لم تر النور بالمرة، ثم كانت المحاولة مع الوزير الأول السابق الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، وأنا أعتقد أنها كذلك أفشلت، ولا اعتقد أنه فشل، والفارق بين مرحلته وهذه المرحلة هو أن الأستاذ عبد الإله بن كيران، باعتباره من زعماء المرحلة، خلفه حزب متراص بمؤسسات متراصة، وباشتغال دائم وحثيث ومستمر، وفي نفس الاتجاه، فالعدالة والتنمية اليوم لا تنازعه لا مصالح ولا صراعات لا ضيقة ولا واسعة ولا يحزنون، وإنما هو معبأ بمجموعه في اتجاه الإصلاح، وبالطبع العدالة والتنمية مستعد لأن يقدم الحساب في أية لحظة، ومستعد أن يصارح الشعب المغربي بالحقائق في أي لحظة، ولكن يقدر اليوم بأن إمكانية الإصلاح لا زالت سانحة، وهنالك أكثر من مجهود على أكثر من مستوى يدلل على هذا الذي أقول، ومن ضمنه الإشراف على الانتخابات، والكل يعلم أن الذي كان يشرف على الانتخابات هو الداخلية وهو الدولة العميقة، واليوم أصبح من المسلمات أن الذي سيشرف سياسيا هو الحكومة.
"عربي21": لماذا لم ينعكس هذا الإشراف على مستوى المطالب التي كانت تنادي بها بعض الأحزاب ومنها اعتماد لوائح انتخابك جديدة مثلا؟
أفتاتي: هناك بعض الحسابات التي لا نتفق معها، وتتعلق بنسب المشاركة، وهنالك بالطبع من يتخوف من هذه النسب، وهنالك من يتربص بالتجربة ويحاول أن ينقلب على الوضع، وليس خافيا بأنه في الوقت الذي تغيرت فيه قيادة حزب الاستقلال، وآل الأمر إلى المسؤول الجديد، الكل يعلم بأن هدا يندرج في إطار الانقلاب على
التجربة، ولكن خصوصية الحقل السياسي والدولة في المغرب حالت دون أن يتم هذا الأمر.
"عربي21": إذن الفرق بين اليوسفي وابن كيران هو فقط في وجود حزب متراص خلف الثاني لم يكن موجودا مع الأول؟
أفتاتي: هناك هذا العامل، ثم هنالك عامل مآلات التجارب الأخرى، فالمغرب لا يمكن أن يسمح بهكذا مغامرة، ولكن هناك محاولات حثيثة جرت في وقت من الأوقات للنكوص، ولكن على الطريقة المغربية، وليس على الطرائق الأخرى، بما في ذلك الطريقة المشرقية، ولكن كانت هناك محاولات.
"عربي21": كيف تنظر للعلاقة بين القصر وحزب العدالة والتنمية بين وجوده في الحكومة اليوم، وما كان عليه أيام المعارضة؟
أفتاتي: هنالك تعاون بين مؤسسات الدولة، وهذا يتضح بجلاء وباطراد، في الاتجاه الصحيح، وبالمناسبة ليس لدينا من اختيار آخر أمام بؤس الاختيارات المطروحة، وخصوصية المغرب لا تسمح باستنساخ ما يقع في بؤر أخرى، لذلك أكاد أجزم أن قضية الإصلاح في المغرب هي قضية حتمية، قد تتم إعاقتها لمدة، ولكنها حتمية، الى جانب أن الأطراف المؤثرة مقتنعة بأن مستقبل المغرب في الإصلاح وفي المضي قدما في ذلك.
"عربي21": ألا يمكن أن يكون لتحسين العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين وقع ايجابي يدفع بعجلة الإصلاح بدل ما هو عليه الأمر حاليا، والذي يميل إلى الفرقة؟
أفتاتي: العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين في المغرب غير مطروحة على ما هو عليه الأمر في المشرق، بل يطرح ضمن خصوصية المغرب، ولذا فإن الساحة اليوم لا تشهد احتداما للصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، لأن المغرب أولا بإسلامييه وعلمانييه يشتركون في القناعة الديمقراطية، وليس هناك خلاف على هذا المستوى، ولكن الأمر له علاقة بالمشهد غير المكتمل كما ذكرت، لأن جزءا من الإسلاميين لا يشارك، وجزءا من اليسار أيضا لا يشارك، بالرغم من أن اليساريين ليسوا كلهم علمانيين والعكس صحيح، ولكن هناك أكثر من فرصة للالتقاء والنقاش، وهنالك علاقة ودية بين الأطراف، وخاصة الفعاليات التي تتميز بمصداقية في المجتمع، لأنه في المحصلة هؤلاء كلهم معروفون بأنهم يخدمون أجندة الإصلاح ويرفضون أن يستعملوا في الانقلاب على الإصلاح أو الإضرار به.