تجلس الحاجة أم عادل على كرسي بلاستيكي أمام باب منزلها في حي "المزارليك"، الذي تقطنه كثير من العائلات السورية في مدينة أنطاكية الحدودية، وتنتشر في شوارعه وأزقته عشرات المحال التجارية والمطاعم التي افتتحها سوريون وغدت أهم معالم الحي.
تراقب أم عادل المارة، و"تتحركش" بكل من تتوقع أن يبادلها الحديث حول أي موضوع؛ لتقضي بعض وقتها في تداوله.
"الله يديم الأمان هون، يا ابني إذا صار بتركيا متل ما صار في
سوريا وين بدنا نروح نحن"، هكذا تتفتح حدثها مع مراسل "عربي21".
وعلى الرغم من تجاوزها 65 عاما، إلا أن أم عادل كانت متوترة في اليوم الأخير من الانتخابات التركية، بل كانت توقن أنه سيكون يوما حاسما ومصيريا بالنسبة لها، وببساطتها لم تفكر في الشأن التركي كدولة، بل كل ما كانت تخشاه حدوث توترات إثر نتائج الانتخابات، ما أن يؤثر سلبا عليها كلاجئة سورية أو على من يهمها أمره من السوريين.
تقول الحاجة أم عادل لـ"عربي21": "هربنا من الحرب وأرجو من الله ألا تلحق بنا إلى هنا، حينها لن نجد مكانا آمنا نعيش فيه، لقد اعتدنا على الحياة هنا، وقد افتتح أبنائي مطعما شعبيا يقينا شر الفقر والحاجة". وبتنهيدة الجدة المتعبة قالت: "راح كل شي بسوريا وصارت تركيا بلدنا"، وفق تعبيرها.
إسقاط الطائرة الروسية من قبل الأتراك جدد المخاوف لدى بعض اللاجئين السوريين، بعد أن أطفأتها نتائج الانتخابات التي كانت شبه مرضية لجميع الأطراف السياسية التركية، ووسط التصريحات التي يتقاذفها الطرفان الروسي والتركي، حول الردود والإجراءات المحتملة، يعود القلق للسوريين الذين يتابعون الحرب الإعلامية وأعينهم على التصعيد داخل سوريا.
ويرى معلم المدرسة الابتدائية "أبو عمار" أن أي اصطدام عسكري تركي روسي سيعود وباله على اللاجئين السوريين. ويقول: "نرجو من الله ألّا يصل التوتر الكبير الحاصل بين الأتراك والروس إلى درجة الاصطدام العسكري، لأن ذلك فيما لو حدث ستكون ساحته الحدود السورية التركية ومن الجانبين".
ويضيف قائلا: "معظم اللاجئين السوريين منتشرون في المناطق الحدودية، وعلى طول الشريط الحدودي مع سوريا، وخاصة في الشمال الغربي المحاذي لإقليم هاتاي، الذي أسقطت فيه الطائرة الروسية"، معبر عن تخوفه من التوتر في هذه المنطقة، حيث "يتواجد مئات آلاف السوريين ومئات المنشآت الخاصة بهم من مدارس ومخيمات وما إلى ذلك"، كما يقول.
كثير من السوريين بدأوا يجنحون لإيجاد حل للمسألة السورية بأي طريقة، وبعد أن كان جل همهم الحرب السورية، أصبح هاجسهم استقرار المنطقة كلها، إذ إنهم وجدوا أن أي نقطة اشتعال جديدة لن تشتعل إلا بهم، وأنهم سيكونون الضحية الأولى جراء أي حرب جديدة تشهدها المنطقة.
ويرى "عبد الكريم"، الذي أوجد لنفسه عملا في مجال العقارات، وافتتح مكتبا في حي "الجمهوريات" في المدينة، أن حالة الأمان والاستقرار التي وجدها المهجرون السوريون في تركيا قد لا تستمر طويلا.
ويقول: "تسير الأمور في المنطقة بأسرها نحو الأسوأ، ويبدو أن العالم بأسره قرر الدخول في حرب عالمية ثالثة بدأت شرارتها من سوريا ولن تنتهي فيها، وإلا ما الذي يمنع الدول الكبرى من إنهاء هذه المأساة؟".
ويرى أن "رحيل بشار الأسد أمر مرتبط بالإيعاز الذي سيتلقاه من المجتمع الدولي في أية لحظة، وتأخر هذا الإيعاز لا بد أن وراءه أمور أكبر بكثير يراد تصفيتها، قد تفضي إلى حرب واسعة، وبالتالي لن يكون هنالك أي مكان قريب ينشده السوريون للحفاظ على حياتهم"، مضيفا: "أعتقد أننا سنكون تحت النار مرة أخرى وأن رحلة الشقاء ما زالت طويلة"، وفق تعبيره.
وغالبا يزداد القلق لدى اللاجئين السوريين الذين شعروا بالاستقرار في تركيا، واعتبروا أن هذه البلاد موطنهم الجديد، لا سيما أولئك الذين افتتحوا مشروعات صغيرة أو كبيرة، ووضعوا فيها ما تبقى لديهم من أموال، بينما الفقراء الذين بالكاد يحصلون على قوت يومهم في تركيا أو في غيرها فتسمع منهم بشكل متكرر عبارة "أكتر من القرد الله ما مسخ"، وهي عبارة تقال عندما يعتقد المرء أن لا أسوأ مما هو فيه في وقته الحالي.