من جديد تحضر
الاغتيالات على الساحة الفلسطينية في
لبنان، لكن يبقى السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: من المستفيد من حالة التأزم والتوتر في مخيمات صيدا، جنوب لبنان؟
فاغتيال
فتحي زيدان الملقب بـ"أبي أحمد الزورو"، مسؤول شعبة حركة فتح في مخيم المية ومية، القريب من صيدا ومخيم عين الحلوة، يُعد مفترقا جديدا، سيتسبب، بحسب مراقبين، بتداعيات على سكان المخيم، حيث يتخوف اللاجئون في مخيمي عين الحلوة والمية ومية، تحديدا، من أن يتحول المخيمان إلى ساحة اقتتال يذهب ضحيته الأولى المدنيون الفلسطينيون، خصوصا بعدما بدأت الاتهامات تتصاعد نحو هذا الطرف أو ذاك حول مسؤولية الاغتيال.
وكان زيدان قد قُتل الثلاثاء، في تفجير عبوة استهدف سيارته قرب مخيم عين الحلوة، وفق ما ذكرته مصادر أمنية لبنانية.
وقد شيع الفلسطينيون في مخيم المية ومية جثمان زيدان عصر الأربعاء، حيث نقل الجثمان إلى منزله في مخيم المية ومية، ثم انطلق بعدها موكب تشييعه سيرا على الأقدام إلى مدخل المخيم، ومن ثم في موكب سيارات إلى مقبرة صيدا الجديدة حيث ووري في الثرى.
وتزامن التشييع مع إضراب عام وحداد كانت قد دعت إليهما حركة فتح ومنظمة التحرير، إلى جانب إقفال تام للمؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية التابعة لوكالة "الأونروا" في مخيمات صيدا.
وفي هذه الأثناء، تروج وسائل إعلام لبنانية إلى أن عملية الاغتيال الجديدة تعد استكمالا لمسلسل التوتير والتفجير الذي تمارسه بعض العناصر والجماعات الإسلامية، التي وصفتها بالمتشددة، وربطت هذا الاتهام بدلالة حصول الانفجار قبل أمتار معدودة من الحاجز الرئيسي للجيش اللبناني، عند المدخل الرئيسي لمخيم عين الحلوة – الشارع الفوقاني، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الجهة المدبّرة والمنفّذة تعتزم تنفيذ التفجير عند حاجز الجيش لإيقاع أكبر عدد من القتلى العسكريين والمدنيين.
وبينما يوجه الإعلام اللبناني، ضمنا، الاتهامات إلى الإسلاميين المناوئين لحركة فتح؛ بارتكاب الاغتيال والتخطيط لتفجير الأوضاع الأمنية في
المخيمات، ترتسم علامات استفهام حول بدء قيادة حركة أنصار الله، الجناح الفلسطيني لحزب الله، بنقل مقرها من مخيم المية ومية إلى داخل مخيم عين الحلوة، بذريعة "الإسهام في توفير الأمن وردع المتهمين أو المطلوبين بحوادث أمنية".
وتشير مصادر خاصة لـ"
عربي21" إلى أن هدف زعيم الحركة، جمال سليمان، من عملية الانتقال هذه؛ هو إيجاد نقطة قوة في أكبر مخيم فلسطيني في لبنان، وأن الأمر جاء بتشجيع مباشر من قيادة حزب الله.
وكانت الحركة قد فرضت قوتها في مخيم المية ومية قبل سنوات، بعد تصفيتها مسؤول جماعة مسلحة في المخيم يدعى أحمد رشيد، مع عدد من أقاربه وأتباعه.
وشهد المخيم قبل نحو أسبوعين توترا كبيرا إثر مقتل عبد الرحمن قبلاوي المحسوب على حركة فتح، على يد عمر الناطور، العضو في مجموعة "بلال بدر"، وهي من المجموعات الإسلامية في المخيم، قبل أن تنتقم عائلة قبلاوي من شقيق عمر الناطور؛ بتصفيته في شارع داخل المخيم.
كما شهد المخيم في شهر آب/ أغسطس الماضي، موجة قتال عنيفة، إثر عملية اغتيال طالت القيادي في حركة فتح، العقيد طلال الأردني، واتهمت الحركة مجموعة "بلال بدر" بتنفيذها.
ويضم مخيم عين الحلوة فصائل ومجموعات مسلحة عدة؛ أبرزها الأذرع العسكرية لحركة فتح، ومجموعات إسلامية، من أهمها "الشباب المسلم" الذي يشكل تجمعا للعديد من المجموعات الإسلامية في المخيم.
ويشار إلى أن جريمة اغتيال مماثلة استهدفت سابقا مسؤول الاستخبارات العسكرية في حركة فتح، كمال مدحت، الذي اغتيل بتاريخ 23 آذار/ مارس 2009، بعد دقائق على خروجه من مخيم المية ومية، حيث زرعت عبوة ناسفة على جانب الطريق العام عند المدخل الغربي للمخيم وتم تفجيرها لحظة مرور سيارة مدحت بالمكان.
خطوات لضبط الأمن
وحول الخطوات التي اتخذتها حركة فتح والقوة الأمنية الفلسطينية عقب عملية اغتيال زيدان، قال قائد القوة الأمنية في المخيمات الفلسطينية منير المقدح، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21" إن "التحقيق اليوم عند الدولة اللبنانية، وقد شكلنا لجنة تحقيق، وكل المعلومات المتوافرة لدينا تم تسليمها إلى الدولة اللبنانية لمواصلة التحقيق وربط الأدلة".
ورأى المقدح في توقيت وطريقة الاغتيال وسيلة جديدة "لاستهداف أمن المخيمات ومدينة صيدا، وهذا المشروع يراد منه الفتنة وتحريض الشارع الصيداوي على المخيمات، لكن العلاقة الوطيدة مع الأشقاء اللبنانيين، وما بنيناه معا من ثقة متبادلة؛ يقطع الطريق أمام محاولات تعكير العلاقة وبث روح التفرقة بين الجانب اللبنانية والفلسطينيين في المخيمات"، بحسب قوله.
وأضاف: "الأدوات التي تحاول التخريب في المخيمات باتت ضعيفة، ما دفعهم للجوء إلى هذا الأسلوب الدنيء من التفجيرات".
وحول الجهة التي يتهمها في اغتيال "أبو أحمد الزورو"، لفت المقدح إلى أن "مروحة الاتهامات واسعة"، موضحا أن "التحقيق هو الوحيد الذي باستطاعته أن يحصر المشتبهين، ومن ثم يحدد المتهمين الأساسيين، وصولا إلى الحقيقة كاملة".
وشدد المقدح على أن الأجهزة اللبنانية والجيش اللبناني يمتلكون معلومات كبيرة عن عملية الاغتيال، "والاهتمام يبدو كبيرا في المساعي الهادفة للوصول إلى الحقيقة"، كما قال.
واعتبر أن عملية التفجير الأخيرة تعد بمثابة "جرس إنذار للبنان برمته، وهذا ما يفسر حجم اهتمام الأجهزة الأمنية بهدف كشف خيوط الجريمة والوصول إلى الفاعلين".
وحول ما أعلن عن نية حركة أنصار الله نقل مقرها إلى عين الحلوة، قال المقدح: "لا يعنينا أن ينقل أي طرف مقره من هنا إلى هناك، هناك قوة أمنية وفصائل تتوافق على إدارة الأمور، وتبقى خطوطنا أمن المخيمات والدفاع عنها، وحماية أمن الجوار ولا نتدخل في الشؤون اللبنانية، وهي نقاط تلقى إجماعا فلسطينيا كاملا".
وشدد المقدح على أن "حركة فتح في المخميات الفلسطينية رقم صعب، خصوصا في مخيم عين الحلوة"، مؤكدا أنه "لا مجموعة بإمكانها أن تشكل خطرا على أمن المخيم ولا باستطاعتها تهديد أمن الجوار".