نشرت صحيفة "الغارديان" مقابلة أجراها الكاتب الأرجنتيني يوكي غوني مع الصحفي الإسباني المحرر أنخل ساستري، قال فيها: "نحن بحاجة للحديث عن بربرية نظام يلقي بالبراميل المتفجرة على شعبه..".
ويشير الكاتب إلى أن ساستري قضى هو وصحفيان إسبانيان آخران 10 أشهر في الاحتجاز لدى جبهة
النصرة في
سوريا، منذ تموز/ يوليو 2015 وحتى أيار/ مايو 2016، حيث أطلق سراحهم، لافتا إلى أن هناك اعتقادا سائدا بأن الحكومة الإسبانية دفعت فدية مقابل إطلاق سراح الصحفيين الثلاثة.
وتذكر الصحيفة أن الصحفيين الثلاثة أنجل ساستري وأنتونيو بامبليغا وخوسي مانيويل لوبيس استقبلوا استقبال الأبطال، ونشر رئيس الوزراء ماريانو راجوي صورة للصحفيين ينزلون من سلم الطائرة، ويستقبلهم أهلهم على أرض المطار، وقام الملك فيليبي بالاتصال بهم ليرحب بهم.
ويورد غوني أن هذه أول مقابلة لمصدر إعلامي باللغة الإنجليزية، حيث قال ساستري إن تركيز الإعلام على عودته سالما يشعره بتأنيب الضمير، وأضاف في حديث له مع الكاتب عبر "سكايب": "نحتاج لأن نركز على المدنيين السوريين، نحتاج للحديث عن بربرية نظام يلقي بالبراميل المتفجرة على شعبه، ونحتاج للحديث عن مدى صعوبة الوضع بالنسبة للصحفيين الذين يعملون عملا حرا في مناطق النزاع، وعلى وسائل الإعلام الالتزام بنقل القصص، ويجب أن نتقاضى أجورا كافية، لأن الحرب دون شهود هي أسوأ أنواع الحروب".
وتلفت المقابلة إلى أن ساستري يبلغ من العمر 36 عاما، وعمل في بداية عمله الصحفي مراسلا في لندن، ثم في بيونس أيريس في الأرجنتين، حيث غطى أخبار أمريكا اللاتينية، وغطى أيضا النزاعات في كردستان والأراضي الفلسطينية وأوكرانيا وسوريا، ويقول في سيرته الذاتية على "تويتر" إن "قلبه منقسم بين أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط"، حيث كان في أمريكا اللاتينية يقدم التقارير للتلفزيون الإسباني والراديو والصحف، لكنه سافر عام 2013 على حسابه الخاص إلى سوريا؛ لنقل التقارير من مناطق الثوار.
وتنقل الصحيفة عن ساستري، الذي يتهم التلفزيونات الغربية بالاعتماد كثيرا على الفيديوهات التي توفرها أطراف الصراع، قوله: "ذهبت لأنقل ما يحدث في سوريا، فليس كافيا نشر اللقطات التي تصور القنابل وإطلاق النار، بل هناك حاجة لمراسلين ميدانيين يستطيعون ترجمة المعلومات ويجرون المقابلات، (لكن أصبح) الناشطون يحلون محل الصحفيين".
ويذكر الكاتب أن ساستري قرر العودة في 2015 مسافرا مع بامبليغا ولوبيز إلى جنوب تركيا، حيث استأجر مهربين لتهريبهم إلى سوريا، ويقول إنه كان على علم بالمخاطر التي تواجههم، ويضيف: "من اللحظة التي تضع فيها قدمك في سوريا تصبح هدفا عسكريا واقتصاديا، حيث هناك من يبحث عنك للاختطاف والبيع لأحد فصائل الثوار".
وتستدرك المقابلة، التي ترجمتها "
عربي21"، بأنه مع أن دخول سوريا كان صعبا منذ بداية الحرب، إلا أن الصعوبة زادت مع دخول عام 2015، حيث كان مراسلون آخرون قد حذروا الصحفيين الإسبان من تلك الرحلة، خاصة أن المنطقة التي أرادوا الذهاب إليها "شرق حلب"، أصبحت خالية من السكان، وسيكون من السهل ملاحظة الأجانب فيها، لافتة إلى أنه في 10 تموز/ يوليو، نشر ساستري تغريدة كانت الأخيرة لعدة أشهر، وهي عبارة عن كلمة واحدة باللغات الإسبانية والإنجليزية والعربية، وهي كلمة "الشجاعة".
وبحسب الصحيفة، فإن ساستري وصف كيف اختبأوا في حرش في الليل؛ لرصد دورية حرس الحدود، ثم كان انتقالهم إلى بيت في مزرعة في اليوم التالي في أراض زراعية إلى حقل زيتون، حيث قام خمسة أطفال أعمارهم بين 10 و14 سنة، بإرشادهم إلى طريق العبور، ثم التقوا بالوسيط في إدلب، حيث أوصلهم إلى حلب المدمرة، ويقول ساستري: "بدت حلب مثل متاهة جرذان، والناس الذين يعيشون هناك لا يستطيعون الخروج، ويسمعون باستمرار صوت طائرات الهيلوكبتر، التي تلقي البراميل المتفجرة عليهم".
ويبين غوني أنه في الوقت الذي كان فيه الصحفيون الثلاثة في سيارة أجرة ومعهم الدليل والوسيط متوجهين نحو مستشفى للأمراض العقلية شبه مدمر؛ لعمل تقرير عن المرضى الذين تركوا دون عناية، وعندما وصلوا إلى وسط حلب، توقفت شاحنة أمامهم، وقفز منها ستة مسلحين يحملون الكلاشنكوفات وقاذفات القنابل الصاروخية، وتم اختطاف ساستري ومن معه في الشاحنة، وأجبروا على وضع رؤوسهم بين ركبهم.
وتكشف المقابلة عن أن ساستري يعتقد أن خاطفيهم كانوا من فصيل صغير، الذي اختطفهم ليبيعهم لفصيل أكبر، مشيرا إلى أنه على مدى فترة الاحتجاز، تم نقلهم بين ستة إلى سبعة مواقع مختلفة، وتم فصل ساستري عن زميليه الإسبانيين.
وتفيد الصحيفة بأنه في إحدى مرات الانتقال، تم تسليم ساستري لجبهة النصرة، وهي فرع تنظيم القاعدة في سوريا، التي اختطفت العديد من الغربيين، وبينهم عاملتا الإغاثة الإيطاليتان فينيسا مرزولو وغريتا راميلي، والصحفيان الأمريكيان ثيو باندوس وماثيو تشريار.
وينوه الكاتب إلى أن جبهة النصرة في صراع حاد مع
تنظيم الدولة، إلا أن ساستري يقول إن ذلك لم يكن سببا للتفاؤل، ويضيف: "إن هؤلاء الأوغاد هم بسوء تنظيم الدولة ذاته، ولم يكن لديهم أي مشكلة في قتلي في أي لحظة".
وتبين المقابلة أن ساستري يعتقد أنه كان محتجزا في منطقة إدلب ومعرة النعمان، وهما تحت سيطرة جبهة النصرة، بالقرب من الحدود التركية، حيث كانت تتم عمليات النقل عادة في الليل، وكان ساستري دائما معصوب العينين ومقيد اليدين، مستدركة بأنه رغم أن ساستري كان ينقل دائما إلى مناطق أقل تعرضا للقصف، إلا أنه يقول إن ذلك لم يكن بدوافع إنسانية "كنت بالنسبة لهم ثروة، ولذلك لم يريدوا حدوث شيء لي".
وتذكر الصحيفة أنه رغم أن معظم الدول الأوروبية، وبينها إسبانيا وفرنسا وألمانيا، تنكر رسميا دفع فدى لتحرير المختطفين، إلا أن ملايين الدولارات تم دفعها للمختطفين الإسلاميين في السنوات الأخيرة، وعادة من خلال دولة ثالثة، بما في ذلك دول الخليج، مشيرة إلى أنه وعلى خلاف ذلك، رفضت كل من أمريكا وكندا والمملكة المتحدة دفع فدى، حيث إن القليل من مواطني هذه الدول نجوا من الجهاديين.
ويقول غوني إن احتجاز ساستري كان في عدد من الغرف الصغيرة، التي تعاني من الرطوبة في بيوت مزارع شبه مهجورة، تحيطها أشجار الزيتون، حيث يقول إن محتجزيه كانوا في البداية يتحدثون معه، "تحدثت كثيرا معهم في البداية حديثا سياسيا، وقالوا إن عدوهم الرئيسي هو تنظيم الدولة، وعرضوا لي فيديوهات، وتحدثوا عن الحرب، وحاولوا تبرير ما يقومون به".
ويضيف ساستري للصحيفة أن الحديث تحول إلى الدين، وحاولوا إدخاله في الإسلام، وبينوا له لماذا يعتقدون صحة القرآن؛ كونه وحيا مباشرا من الله، مقارنة بالكتب المقدسة التي مرت عبر عدة أيد وترجمات، لافتا إلى أن هذه النقاشات توقفت مباشرة عندما تم تسليمه لجبهة النصرة، وأصبح في زنزانته يراقبه مختطفوه طيلة الوقت، عن طريق كاميرا تعمل بالأشعة تحت الحمراء، ومنع من القيام بتمارين الضغط أو تمارين الجلوس، وكل ما كان يسمح به هو تمديد أطرافه، والمشي حول غرفته لمدة 15 دقيقة في اليوم.
ويقول ساستري للصحيفة: "أصبح الاتصال لأقل مستوى، وكان مهنيا، وأخبرت بأنني أسير حرب، أحضروا لي الطعام، وأخذوني للحمام، وهذا فقط، لم يكن هناك كلام تقريبا، كما لم يكن هناك أي تعاطف، ولذلك ليس عندي أي من أعراض متلازمة ستوكهولم (أن يقع المخطوف في حب خاطفيه)"، مشيرا إلى أنه لم يكن لديه ما يقرأه سوى كتابين حول الإسلام، من مجموعة سابقة كان محتجزا لديها.
وتنقل الصحيفة عن ساستري قوله إنه عندما كان يتحدث مع خاطفيه، كانت اللغة المشتركة هي الإنجليزية، لكنه لا يعتقد أن أيا منهم كان بريطانيا أو أمريكيا، ويقول إنهم "كانوا عربا بالتأكيد، لكن لا أدري إن كانوا سوريين أم ليبيين أم عراقيين".
وتكشف المقابلة عن أن أكبر مخاوف ساستري كانت أن يباع لتنظيم الدولة، أو أن يتم إهماله، حيث يقول: "تحاول ألا تجن بسبب قضاء ساعات طويلة في غرفة، وتتشبث بالأمل بألا يتم نسيانك، والخوف من الإعدام، أو البيع لتنظيم الدولة، وليس ذلك خوفا من أن يستخدمك تنظيم الدولة في شريط قطع رأس، لكن بسبب أشكال التعذيب التي قرأنا عنها في تقارير المختطفين الآخرين".
ويقول ساستري عن إطلاق سراحه بعد عشرة شهور من الاحتجاز: "أخذونا للحدود وأطلقوا سراحنا"، لافتا إلى أن الحكومة الإسبانية بقيت صامتة حول الموضوع، عدا البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء، الذي يقول إن دولا صديقة، بينها تركيا وقطر، أدت دورا في إطلاق سراح الصحفيين الثلاثة.
ويورد الكاتب أن ساستري أعرب عن شكره للإعلام الإسباني؛ لعدم عرضه فيديوات أكره على تصويرها بينما كان في الاحتجاز، كما بقي الإعلام صامتا، وترك للعملية أن تأخذ مجراها، ويقول عن شعوره بعد عشرة أشهر من الاحتجاز، إن فرص السلام في المستقبل القريب قليلة، ويضيف: "أشعر كثيرا مع الشعب السوري، وأخجل من موقف الدول الغربية، التي تتحدث عن سوريا فقط عندما يتم تهديد مصالحها، بوصول أعداد كبيرة من اللاجئين".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن ساستري قال إن ما بدأ بوصفه ثورة ضد نظام ظالم، تم اختطافه من المتطرفين الإسلاميين، وفي الوقت ذاته "يجد النظام الذي يقصف شعبه الدعم من حلفائه الروس والإيرانيين، بينما بقية العالم يغض الطرف ويسمح لبشار
الأسد بأن يبقى في السلطة، واقعيا لا يبدو أن هناك نهاية سعيدة لسوريا في الأفق".