قبل الحديث عن محاولات إيران، وأمريكا الاستحواذ على الحجر الأسود، الذي سماه بعض السلف بالحجر الأسعد، سنتذكر أهم محاولات سرقته، وسنشير إلى أن المسلمين بعامة يعتقدون أن الروم أقرب إليهم من الفرس، منذ سورة الروم التي قالت: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.
يعد اغتصاب القرامطة للحجر الأسود- والسواد لون السيادة- أفظع ما مرّ على الحجر الأسود، وهذا ما تذكره الويكيبيديا العربية، فقد أغاروا على المسجد الحرام وقتلوا من فيه وسرقوا الحجر وغيبوه 22 سنة، ورُدّ إلى موضعه سنة 339هـ. ففي سنة 317 هـ وتحديدا يوم التروية، قام (آية الله) أبو طاهر القرمطي، ملك البحرين، وزعيم القرامطة، بغارة على مكة والناس محرمون، واقتلع الحجر الأسود، وأرسله إلى هَجَر وقتل عددا كبير من الحجاج، وحاولوا أيضا سرقة مقام إبراهيم لولا أن أخفاه السدنة. وفي 318 هـ تقريبا سنّ القرامطة الحج إلى الأحساء بعدما وضع الحجر الأسود في بيت كبير، وأمر القرامطة سكان منطقة القطيف بالحج إلى ذلك المكان، فرفضوا، فقتل القرامطة أناساً كثيرين من أهل القطيف، وقيل: بلغ قتلاه في مكة ثلاثين ألفا.
وعن المحاولة الثانية، وهي فردية، ذكر ابن فهد المكي في كتابه «إتحاف الورى بأخبار أم القرى» في أخبار سنة 363 هـ، قصة رجل نصراني جاء من بلاد الروم في مهمة رسمية صليبية، فضرب الركن بمعول ضربة شديدة، فلما هم بضربه ثانية بادره رجل من اليمن كان يطوف في البيت فطعنه بخنجر حتى أرداه قتيلا.
وعن الثالثة تذكر الأخبار حدوث اعتداء آخر على الحجر في سنة 413 هـ، حيث قام به مجموعة من عشرة فرسان، استغواهم الحاكم العبيدي في مصر، وكان يقودهم رجل بإحدى يديه سيف مسلول، وبالأخرى دبوس، والرواية لابن فهد المكي:
"بعدما فرغ الإمام من صلاة الجمعة ليوم النفر الأول، وقبل عودة الحجيج من منى، قام قاصداً الحجر كأنه يستلمه، فضرب وجه الحجر ثلاث ضربات متوالية بالدبوس"، وهو يقول: "إلى متى يعبد الحجر الأسود؟ ولا محمد، ولا علي يمنعانني عما أفعله، فإني أريد اليوم أن أهدم هذا البيت وأرفعه. وكان على أبواب المسجد عشرة فرسان لنصرته، فاحتسب رجل وثار به فوجأه بخنجر واحتوشه الناس فقتلوه، وقطعوه وأحرقوه بالنار".
في الرابعة، ذكر الإمام ابن علان في كتابه «فضل الحجر الأسود» أنه في سنة 990 هـ: "جاء رجل عراقي أعجمي، وكان منجذبا (مختلا عقليا)، فضرب الحجر الأسود بدبوس في يده، وكان عند البيت الأمير ناصر جاوش حاضرا، فوجأ ذلك الأعجمي بالخنجر فقتله".
وفي الخامسة، ذكر الشيخ حسين باسلامة في كتابه "تاريخ الكعبة المشرفة" حادثة، حيث يقول: "في آخر شهر محرم سنة 1351 هـ جاء رجل فارسي من بلاد الأفغان، فاقتلع قطعة من الحجر الأسود، وسرق قطعة من ستارة الكعبة، وقطعة من فضة من مدرج الكعبة الذي هو بين بئر زمزم وباب بني شيبة، فشعر به حرس المسجد فاعتقلوه، ثم أعدم عقوبة له".
دعا مرشد الثورة خامنئي، إلى إدارة الحج إدارة عامة، والدعوة طيبة، فأمرهم شورى بينهم في نص القرآن الكريم، لكن الغرض مشكوك بأمره، الغرض مرض. وتكثر الشكاوى من خدمات الحج، وهذا دأب الناس، وأمس قرأت شكوى لأحد علماء المسلمين في أوربا يشكو أن الحجاج يتعرضون إلى عملية نهب، فهم يشترون شرائح هاتف، ثم يفاجؤون بها مضروبةً، أو أنها في حال صلاحيتها للكلام، فغير قابلة للشحن، والحل سهل، وهو البيع الحكومي للشرائح. وثمة حجاجاً آخرين يثنون على الخدمة، ويرون تحسناً كبيرا في العقود الأخيرة، فالأضاحي قبل عقدين أو ثلاثة، كانت تذهب هدرا. وقد دعا مرشد الثورة الإيراني إلى التوجه إلى المقابر بدلا من بيت الله الحرام، وذلك أهم فارق بين العقيدتين السنية والشيعية في العبادات، لكن مرشد الثورة وصاحب معمل تصديرها كتائب وألوية دموية مثل العباس والزينبيون، نسي أن يدعو إلى جعل الأضرحة العراقية والسورية أيضا إسلامية الإدارة، وأن يطالب بتدويل المقدسات في العراق وسورية، ونسي أن يطالب بتدويل مقدسات فلسطين، ولعله يعلم أن المسلمين السنة لا يتعبدون بالتقرب إلى الأضرحة، مع أن الأضرحة هي لعرب مسلمين، من آل البيت.
نقل حجاج كثيرون ضيقهم بغلظة حجاج إيران، ودحمهم للحجاج في كل موسم، وذكر لي أحد الأقرباء عنهم إنه في إحدى السنوات أردوا ذبح الأضاحي في مكان عام، فألزمتهم الحكومة بالذبح في المسالخ، حفاظا على الصحة، والقانون الذي سنَّ من أجل الصحة، فهجموا يذبحون أضاحيهم، وكانت بعشرات الألوف، فتراكمت وتعرضت للتلف من كثرتها، فالمسالخ ليس لها قدرة على مضغ لحوم مائة ألف أضحية في يوم واحد، وكانت نكاية كبيرة، وقد يكون السبب في التزامهم بأوامر القيادة.
وتحاول دول إسلامية عدة، ومحدثة الاستقلال بالحج في بلدها، أحيانا لأسباب اقتصادية، كما تدعو نخبة مصرية فرعونية، مثل القمني وسواه، وأحيانا كيدية وعقائدية مثل سورية، وقد يجتمع السببان، مثل حج القرداحة وحج النجف وسواها، والانقلابيون يحاولون صناعة حج في سيناء، وهي مدمرة، ولا أظن أن الحكومة السعودية ستبالي بخسارة مليار دولار هي حصائل حج الفرس إلى الكعبة، فالحج لن يشكو يوما من قلة الحجاج، والكعبة ستقول هل من مزيد، والمسلمون ينتظرون دورهم بالسنوات، و لن يهم الحكومة السعودية دعوات فرعونية وقرداحية وقميّة ونجفية، وأخشى أن تكون السعودية ترحب بهذه الدعوات، تخفيفاً للكعبة من زحمة حجاج لا يعظمون قيمتها، وسعيا وراء الهدوء والأمن والسلامة ..
أما إعلاميا: فتعتمد قناة الميادين توقيت القدس، وفيها يحاول صاحب الفضائية ضرب صقرين بحجر واحد، أولا ضرب توقيت أم القرى، والبيت الحرام وتوقيتها توقيت المسلمين وهو عالمي، كما قرأت برهان ذلك في بحث علمي، لولا أن الدول العظمى تفرض مواقيتها مثل توقيت غرينتش. والثاني هو ادعاء المقاومة والممانعة، ولا يعذر ذلك قول الفرس بأن مكة تحت الاحتلال السعودي، فالقدس تحت الاحتلال الصهيوني وهم يهود، وسكان نجد والحجاز أهل سنة وجماعة، ومثل فضائية ال بي سي التي تعتمد توقيت السعودية، آنفة من استعمال توقيت مكة المكرمة، فهي تفضل لقب الراعي المالي الأسري على إسلامي الصبغة!
وكانت السعودية قد اشترت أسهما للفضائية وتشاركت هي وصحيفة الحياة الممولة سعوديا، ومثل هذا فضائيات عربية لأمراء عرب، تحارب الإسلام حربا أكثر من حرب الميادين مثل "العربية" التي تصف شعائر الحج بالطقوس، وفضائيات عربية مثل مجموعة الروتانا وال أم بي سي ... وهي ممولة من تجار الرز المتلتل، وتنهج نهج ال بي سي (في عزها كانت توصف بفضائية البسي: يا حلوة يا زينة)، بل إن فضائيات ممولة من أهالي الديار المقدسة مهمومة بصناعة أصنام وايدولات الفن والطرب والرقص، وأن عمرو بن لحي ليجر قصبه في النار، هو وأخلافه. ومعلوم للقاصي والداني دعم القوارين العرب (جمع قارون) للسيسي أعدى أعداء الإسلام، بالرز، والبرغل شانق حاله منتحرا من القهر.
والخلاصة هي أن الفرس يحاولون سرقة الحجر بتحويل القبلة إلى القدس أو إلى القبور، أما الروم فبجعل الإسلام دينا بين العبد وربه وليس بين الأمة وربها، وتحويل الحج، بالتحالف مع العدو الثالث (أحفاد عمرو بن لحي العربي) إلى زينة فضائية في التلفزيونات مثل السمك في الحوض الزجاجي، وإلى نسك وعلاقة بين العبد وربّه وليس بين الأمة وربِّها، والله غالب على أمره.