كتب المعلق المعروف بيتر أوبورن في موقع "ميدل إيست آي" مقالا حول عدم مساءلة قناة "البي بي سي" في حوارها مع المرشحة للرئاسة الفرنسية مارين
لوبان عن موقفها المعادي للمسلمين.
واعتبر أوبورن أنه ينبغي إعادة تقييم شاملة حول كيفية تعامل الإعلام البريطاني مع المتطرفين، خاصة بعد مقابلة الإعلامي "أندرو مار" في برنامجه التلفزيوني، الأحد الماضي، مع مارين لوبان.
وقال في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21": "دعونا نقوم باختبار ذهني، فلنتصور أن مارين لوبان كانت تعلن على الملأ أن "التهويد" يشكل تهديدا للحضارة الفرنسية، ولنتصور أنها أخبرت أنصارها من منتسبي اليمين المتطرف أن المظاهر العلنية المعبرة عن العقيدة اليهودية في الشوارع الفرنسية ترقى إلى ما كان عليه الاحتلال النازي أيام الحرب...".
وأضاف: "مثل هذا التصريح كان سيعتبر في بريطانيا أمرا في غاية الشيطانية، لكن لحسن حظها حسب أوبورن أنه لم يحدث من قبل أن هاجمت زعيمة الجبهة القومية الفرنسية "التهويد"".
وكشف في مقالته أن لوبان خصت المسلمين بسمومها، حتى بلغ بها الأمر في إحدى المراحل أن شبهت المسلمين الذين يصلون في الشوارع بالاحتلال النازي.
كما حذرت لوبان من أن ما أسمته "الأسلمة" يهدد الحضارة الفرنسية، ولكن مع كل ذلك، حصلت لوبان صباح الأحد الماضي في مقر حزبها في نانتير على منصة رفيعة المستوى لمخاطبة الرأي العام البريطاني من خلال المقابلة التي أجراها معها أهم وأرقى الصحفيين السياسيين في الـ"بي بي سي".
التعصب ضد الإسلام والمسلمين
وأشار بيتر أوبورن إلى أن "من المهم ملاحظة أن نشأة الجبهة القومية في فرنسا هي جزء من نمط يتكرر على نطاق واسع في كافة أرجاء القارة الأوروبية. إذ توقفت قطاعات كبيرة من اليمين المتطرف عن مهاجمة اليهود وذهبت بدلا من ذلك تلاحق المسلمين وتتصيدهم".
وقدم أوبورن مجموعة من الأمثلة المهمة على هذه الظاهرة الأوروبية العامة من بينها: غيرت وايلدرز وحزبه "الحزب من أجل الحرية".
كما أن في المملكة المتحدة ما يشير إلى أن حزب الاستقلال البريطاني المناهض للاتحاد الأوروبي والذي يتزعمه نايجيل فاراج، بما بات يظهره من علامات "شريرة"، يسير على نفس النهج ويكاد يصبح نموذجا آخر، إلا أنه مع كل ذلك فحزب الاستقلال يعتبر ماري لوبان تقع خارج دائرة السياسيين المحترمين، ولذلك فقد رفض أن يكون له أي علاقة بها أو بحزبها.
وكتب أوبورن: "أعتقد بوجود أسباب قوية تبرر تصنيف لوبان كمتطرفة بموجب التعريف الذي يتبناه برنامج بريفينت (امنع)، والذي ينص على ما يلي: "
التطرف هو المعارضة الصوتية أو الفعلية للقيم البريطانية الأساسية، بما في ذلك الديمقراطية، وسيادة القانون، والحرية الشخصية، والاحترام المتبادل والتسامح بين مختلف الأديان والمعتقدات"".
ونبه إلى أن هناك مشكلة وصفها بالـ"خطيرة" تتعلق بازدواجية المعايير، إذ حظرت الحكومة البريطانية على عدد كبير من الخطباء الإسلاميين الدخول إلى البلد لأن ما يتلفظون به يصطدم بالقيم البريطانية المتعارف عليها.
ومع ذلك سُمح للوبان بالظهور في واحد من أهم البرامج السياسية التي تعرضها قناة البي بي سي، ولم يتم تحديها ولا مساءلتها بشأن آرائها حول الإسلام.
وأكد بيتر أوبرون أنه لو عبرت مارين لوبان عن آراء مشابهة بشأن السود أو المثليين أو الهندوس أو اليهود لسارع مار إلى توجيه أسئلة ثاقبة لها ولربما كانت أسئلته إليها من النوع الهجومي.
وطالب بيتر أوبورن في نهاية مقاله بإلحاح جدا بإعادة التقييم، قائلا: "لعلنا نوشك أن نلج عصرا مظلما آخر في تاريخ أوروبا يجري خلاله التسلط على المسلمين دون وجه حق وتساء معاملتهم بلا مبرر، تماما كما بات جليا من تصريحات ومسالك كل من لوبان في فرنسا وغيرت وايلدرز في هولندا".
مضيفا: "نحن بحاجة إلى إعادة تقييم الطريقة التي نتعامل من خلالها مع متطرفي التيار اليميني من أمثال مارين لوبان (وكذلك أيضا من أمثال دونالد ترامب، الذي صدرت عنه سلسلة من التصريحات حول المسلمين في أمريكا، والتي تصنفه بلا أدنى ريب ضمن قائمة المتطرفين فيما لو حاول الدخول إلى بريطانيا)".
وشدد في النهاية على أن المسلمين بحاجة إلى مجموعة من القواعد التي يمكن للجميع أن يتوقعها، قواعد منصفة ونزيهة وشفافة، قواعد لا تستهدف بعض الجاليات على حساب جاليات أخرى.