شكّل المعتقلون في سجون النظام السوري من جميع المحافظات؛ عاملا دافعا لإذكاء الحراك السلمي في بدايات الثورة في
سوريا، وتضاعف أعداد المتظاهرين مع كل موجة اعتقالات تجريها قوات النظام. ولكن مع تحول المدن والبلدات من الحراك السلمي للمسلح، وصولا لاستخدام السلاح الكيماوي في ريف دمشق من قبل النظام ضد المناطق الثائرة ضده، عاد النظام ليستخدم ملف عشرات الآلاف من معتقلي ريف دمشق وحمص كورقة ضغط على المعارضة.
فقد استخدم النظام هذه الورقة لإبرام صفقات
الهدن، والتي نجح من خلالها بتحييد جبهات مشتعلة عن القتال لسنوات، دون أن يطلق سراح أي من
المعتقلين، رغم أنهم كانوا البند الأول في كل الاتفاقات المبرمة.
ويقول أحد قادة الفصائل في المعضمية، بغوطة دمشق الغربية، لـ"
عربي21": "إن الهدن مع الأسد أبرمت بعد استخدامه للسلاح الكيماوي، وبعد أشهر طوال من قصف صاروخي وجوي أنهك الجميع، بالتزامن مع
حصار خانق أفقد المحاصرين أدنى مقومات الحياة، وبات الموت جوعا هو السمة الأبرز".
وأضاف القيادي الذي فضل حجب اسمه، أن المعتقلين كانوا على رأس قائمة لجنة التفاوض في المعضمية، ولكن ما جرى هو أن النظام استمر في الحصار الخانق رغم الهدنة، فبدأ يضغط إنسانيا على أكثر من 40 ألف مدني في المدينة، للحصول على المزيد من التنازلات، ولكن لم يحصل على أي منها، إلا عندما بدأ ينسق مع طرف عسكري فاعل من المعارضة في المدينة بشكل مستقل.
وبيّن أن هذا الأمر أضعف القرار الداخلي للمعارضة "وفرّق المفرّق أصلا"، فكان التهجير للشمال السوري. ولم تفلح جولات المفاوضات بإطلاق سراح أي من معتقلي المدينة، البالغ عددهم قرابة الألف مدني، بينهم نساء وأطفال وكبار في السن، علما بأن "لجنة المفاوضات في غالبية كادرها، وكذلك قيادات فصائل أقدموا على تسوية أوضاعهم مع الأسد وما زالوا في المدينة، ومن خرج هم قيادات الصف الثاني وما دون"، على حد قوله.
أما النقيب سعيد نقرش، قائد لواء "شهداء الإسلام"، الذي خرج من داريا مؤخرا إلى الشمال السوري، فقال لـ"
عربي21"؛ إن "جميع من خرج نحو الشمال السوري كان في موقع ضعف واستسلام، ولا يملك أوراق قوة ليفاوض بها على المعتقلين"، معتبرا أن إدراج ملف المعتقلين والإصرار عليه يعني فشل المفاوضات وعدم التوصل إلى اتفاق، "وكل من هادن لا يملك القوة لمواجهة فشل المفاوضات"، كما قال.
واستطرد نقرش، الملقب بأبي جمال، قائلا: "ملف المعتقلين هو الملف الأكثر حساسية وتعقيدا في ملفات التفاوض، وإجرام النظام هو من أوصل الجميع إلى قناعة بأن أي مفاوضات مع النظام سيكون مصيرها الفشل، ولن يتم التوصل إلى تطبيق الاتفاق في حال كان بند المعتقلين هو البند الأول، وغالبا ما تتم جميع الاتفاقات مع النظام تحت الضغط الشديد من قبله، ولكي ينفذ الاتفاق؛ يُترك ملف المعتقلين بين البنود الأخيرة ويتهرب النظام من تنفيذه".
وأضاف: "على مدى ثلاث سنوات، عندما كنا في داريا بموقع القوة، كان النظام يطرح علينا مئات الهدن، وكنا نضع الشرط الأول خروج المعتقلين ويرفض النظام ذلك"، منوها إلى أن "نظام الأسد قتل غالبية المعتقلين ونكّل بهم، ولا أعتقد أننا نستطيع إنقاذ الباقين إلا بإسقاطه عسكريا وبالقوة؛ لأن روايات المعتقلين عن سجونه وفروعه الأمنية هي جرائم حرب لم تشهد مثلها الإنسانية من قبل، ولن تشهد".
بدوره، عقب الناشط الميداني في ريف دمشق، المعروف باسم "ورد الغوطة"، بالقول: "لم ينجح الثوار في تحقيق مطلب الإفراج عن المعتقلين، لكون جميع من فاوض قوات الأسد، فاوض من منطق الضعيف الذي سيقبل ببعض الشروط لتحسين الباقي".
وأوضح أن المفاوضين عن جانب الثوار؛ حاولوا تحقيق طلبات أخرى، مثل العتاد والمواد والأفراد، "وهنا أدرك النظام عدم تمسكهم ببند المعتقلين"، مضيفا لـ"
عربي21": "في خان الشيح بريف دمشق الغربي، على سبيل المثال، لم يطلب المفاوضون حتى مناقشة هذا البند؛ لأن ثوار الخان ليسوا أصحاب أرض أو أهل منطقة، وليس من صلاحياتهم التفاوض على معتقلين لا يمتّون لهم بصلة"، على حد وصفه.
وأشار إلى أن الإفراج عن المعتقلين ليس خيارا فوري التحقيق، "كجلب الباصات مثلا، أي يقول النظام قدِّموا لنا الأسماء، وسنفرج عنهم، لكنهم اعتمدوا منطق التسويف، وهنا وقع الثوار في مصيدة المحققات الآنية والمستقبلية من الشروط، وحتميا لا يملك المفاوضون باسم النظام صلاحيات الإفراج، ولكن يعرفون حساسية هذا الطرح وأهميته"، كما قال.