بعد إسدال القضاء الإداري
المصري الستار على اتفاقية ترسيم الحدود بين
السعودية ومصر وإبطال التنازل عن السيادة على جزيرتي
تيران وصنافير في البحر الأحمر للسعودية ثارت تساؤلات حول الرد السعودي على القرار القضائي والعلاقات الثنائية في ظل التوتر الذي يسودها.
وكانت الحكومة المصرية أعلنت مطلع نيسان/أبريل من العام 2015 أن الرسم الفني لحدود بين مصر والسعودية أظهر أن جزيرتي
صنافير وتيران تابعتان للأخيرة.
وثارت عقب القرار المصري بالتنازل عن الجزيرتين ردود فعل شعبية مصرية واسعة مستنكرة وخرجت مسيرات كبيرة رفعت شعار "عواد باع أرضه" في إشارة لتنازل السيسي عنهما عقب زيارة العاهل السعودي الملك سلمان للقاهرة.
وعقب المظاهرات الكبيرة التي استنكرت الاتفاقية حكم القضاء الإداري المصري في حزيران/يونيو ببطلان اتفاقية الترسيم وحظر أي تغيير على السيادة فيها وهو الحكم الذي دفع الحكومة المصرية للطعن عليه وتقديم أوراق تؤكد صحة ما ذهبت إليه الاتفاقية.
لكن قرار اليوم جاء لرد طعن الحكومة المصرية على قرار بطلان الاتفاقية ووضع نهاية لها في ظل تصاعد التوتر مع السعودية وفشل جهود المصالحة بين الجانبين بعد العديد من الوساطات الخليجية.
التحكيم الدولي
أستاذ الإعلام السياسي والصحافي السعودي الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد قال إن القرار الأخير لم يكن مفاجئا ويأتي في سياق حالة التوتر التي بدأت في الأشهر الأخيرة بين البلدين.
ووصف بن سعيد لـ"
عربي21" قرار القضاء المصري برد طعن الحكومة والإبطال النهائي للاتفاقية بـ"النكتة المضحكة"، مضيفا: "أي حديث عن استقلال القضاء المصري غير معقول والجميع يعرف مدى ارتباط القضاء بالنظام ابتداء من الأحكام التي شرعن بها الانقلاب في مصر مرورا بمئات الأحكام القضائية المسيسية والزج بآلاف الأشخاص في السجون وسن القوانين التي تكرس حالة ما بعد 3 يوليو (الانقلاب العسكري)".
وأضاف: "لا يمكن الوثوق بوجود قضاء مستقل في مصر تحترم قراراته والإشارة لوجود قضاء مستقل يصب في خانة الدعاية الرسمية وأبعد ما يكون عن الحقيقة".
وعلى صعيد التحركات العربية للمصالحة بين الرياض والقاهرة، قال بن سعيد إن حدوث مصالحة الآن أصبح أمرا أكثر صعوبة من السابق والنظام المصري مستمر في عملية الابتزاز بالضغط على السعودية لتحصيل مكاسب وسلوكه لا علاقة له بسياسة دولة ولا باستقلالية قضاء.
وتابع: "الوضع الآن ضبابي وملبد بالغيوم أكثر من ذي قبل وكله بسبب ممارسات النظام المصري وعدم جديته".
وحول الخطوات المتوقع للسعودية المضي بها لمواجهة القرار المصري برفض منحها السيادة على الجزيرتين قالت بن سعيد إن "المملكة لن تتراجع عن المطالبة بها في تيران وصنافير وهي تدرك أن القضاء مسيس ويضرب بالاتفاقيات عرض الحائط".
وشدد على أن بلاده رغم إصرارها على "استرداد" الجزيرتين إلا أنه أكد "أنها لن تسعى للتصادم مع القاهرة وستطرق باب الحلول الودية عبر الجهات الدولية وبالأخص التحكيم الدولي للحدود".
ولفت إلى أن خطوة التحكيم يمكن لأي دولة ترى أن لها حقا حدوديا عند طرف آخر أن تلجأ إليها وحصل سابقا مع "السادات في كامب ديفيد حين طلب من الصهاينة استرداد طابا وعبر التحكيم الدولي حصل على المنطقة".
ورأى أن لجوء المملكة للتحكيم الدولي خطوة ستتسبب بـ"حرج بالغ" لنظام السيسي إذا ما حصلت على قرار دولي بالسيادة على الجزيرتين.
من جانبه قال المحامي والسياسي المصري عمرو عبدالهادي إن حكم المحكمة الإدارية ببطلان اتفاقية الترسيم إدانة كبيرة واتهام لرئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي وأركان نظامه بالخيانة العظمى والتفريط بالأرض المصرية.
وأوضح عبد الهادي لـ"
عربي21" أن السيسي ورئيس وزرائه ووزير الداخلية ورئيس المخابرات والمخابرات الحربية ورئيس البرلمان كلهم متورطون بدليل حكم اليوم بالتفريط في سيادة مصر على جزء من أرضها من خلال طعنهم على قرار إلغاء الحكم الأول وهم ضمنا خالفوا قرارات دستور 2014 الذي صاغوه وكافة دساتير مصر السابقة التي تحرم التنازل عن أي جزء منها".
وأشار إلى أنه لو كان بمصر "نظام ديمقراطي لجرى رفع دعاوى قضائية بحق السيسي بتهمة الخيانة العظمى ونظام حكمه لكن القضاء منشغل بملاحقة المعارضين والنشطاء السياسيين".
ورأى عبد الهادي أن السيسي ربما يلجأ لـ"حيلة أخرى للتخلص من الجزيرتين والحفاظ على ماء وجهه من خلال إضاعة حقوق مصر عبر التحكيم الدولي".
وأضاف: "ربما يوفد مسؤولين ممن اعتادوا على التفريط في الأرض والعرض في حال رفعت السعودية دعوى تحكيم دولي وهم بدورهم سيقدمون أوراقا ومستندات هزيلة تؤدي في النهاية لحصول الرياض على حكم دولي بأحقيتها في الجزيرتين".
لكن عبد الهادي أشار إلى أن العلاقات بين الطرفين "ستبقى متوترة لكن بمستوى معين"، مضيفا: "لن تذهب السعودية نحو العداء جهارا نهارا مع السيسي فما زالت العديد من الجبهات التي تشترك بها مفتوحة في اليمن وسوريا وغيرها وكان على الحكومات التريث قبل فتح مسألة ترسيم الحدود لأن الشعبين السعودي والمصري هما الخاسران من توتر العلاقات".