نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للكاتب ديفيد غاردنر، يحاول فيه استشراف ما ستؤول إليه الأمور في كل من
العراق وسوريا بعد انتهاء
تنظيم الدولة، الذي قال إنه قام أصلا بسبب الفراغ الذي خلفته سنوات الحرب في العراق ثم
سوريا، مشيرا إلى أن هزيمته ستترك فراغا، والسؤال المطروح هو: من الذي سيملأ هذا الفراغ.
ويقول غاردنر إن "مقاتلي التنظيم المتبقين فجروا مؤخرا مسجد النوري، الذي يعود تاريخه للقرن الثاني عشر، والذي أعلن منه البغدادي خلافته، وبنسفهم لهذا المسجد فإنهم نسفوا نصبا للبطل المسلم نور الدين زنكي، الذي مهّد لهزيمة الصليبيين في القدس على يد صلاح الدين الأيوبي عام 1187، إن نسف هذا المعلم الحضاري، الذي يعود إلى القرون الوسطى، إنما هو إعلان إفلاس لتنظيم الدولة".
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "الأطراف الخارجية الرئيسية، وهي روسيا وإيران وأمريكا وتركيا، تتصارع لأخذ مواقع لها، ما يتسبب بنقاط احتكاك في الجبهة المكتظة، إلا أن هناك نقاشا مؤقتا حول مستقبل كل من سوريا والعراق، وفي منتدى أوسلو، المؤتمر السنوي (لصانعي السلام)، الذي عقد هذا الشهر، تم الحديث كثيرا عن سوريا والعراق ما بعد تنظيم الدولة".
ويشير غاردنر إلى أنه "بعد الإطاحة بصدام حسين، فإن العراق تحت الاحتلال تبنى نموذجا فيدراليا، لمشاركة السلطة بين الأكثرية الشيعية والأقليتين السنية والكردية، لكن الحرب الأهلية التي نشبت؛ بسبب تمرد السنة، بالإضافة إلى الطائفية الشيعية والاستياء الكردي، تجمعت فأفشلت
الفيدرالية، أما في سوريا، التي سحقت إلى عدد كبير من الشظايا، فإن المركزية الحديدية التي حكم بها الأسد وعائلته فشلت أيضا".
ويلفت الكاتب إلى أن "النظام السوري، الذي أنقذه التدخل العسكري الروسي والإيراني، يرفض القبول بذلك رسميا، حيث قالت متحدثة باسم الحكومة بأن اللامركزية في سوريا ما بعد الحرب ليست خيارا، وتساءلت لماذا على دمشق التنازل ما دامت هي المنتصرة".
ويجادل غاردنر قائلا إن "نظام الأقلية، الذي يعاني من نقص حاد في الطاقة البشرية لاستعادة السيطرة، ناهيك عن حماية سوريا كلها والنظام، يتقدم فقط بسبب القصف الروسي والحرس الثوري الإيراني ومليشياتهم العسكرية من حزب الله إلى الحشد الشعبي".
ويبين الكاتب أن "روسيا رسمت خطة لسوريا اللامركزية، وحتى أن مستشاري الأسد يعترفون بأن مساحات شاسعة من سوريا والعراق يمكن أن تجمع معا فقط من خلال (احترام الظروف المحلية)، مثلا عن طريق إعطاء الأقلية الأشورية المسيحية والأقلية اليزيدية حكما ذاتيا بعد سقوط الموصل، لكن التركيز في كلا البلدين منصب على
الأكراد".
وينوه غاردنر إلى أن الحكومة الكردية المحلية في شمال العراق دعت إلى استفتاء عام في 25 أيلول/ سبتمبر، للانفصال عن العراق، حيث يقول وزير الخارجية للحكم الذاتي في الإقليم مصطفى بكر: "وافقنا على الفيدرالية بصفتها أسلوبا لتعزيز الشراكة، وليكون لنا نصيب في البلد.. ولم نحصل على أي منهما".
ويقول الكاتب: "يشك في الفيدرالية في معظم الشرق الأدنى، وتعد طريقة لتدخل القوى الخارجية لتقسيم البلاد، وحتى من طبق الفكرة فإنه يبدو أنه مقتنع بأنها ليست عملية، ومع ذلك فإن الأمور تسير نحو التقسيم بصفته أمرا واقعا".
ويقيد غاردنر بأن "أكراد سوريا، الذين عزز قوتهم دعم أمريكا لوحدات حماية الشعب، استخدموا الصراع ليقتطعوا قطعة من سوريا، يطلقون عليها روجافا في شمال سوريا، وأي نظام سوري مستقبلي سيضطر إلى اللجوء لمعادلة تقاسم السلطة، وأكبر تهديد لأكراد سوريا هو علاقتهم مع حزب العمال الكردي، المؤلف من أكراد تركيا، الذي يسعى في استخدامه في حركة التمرد التي قادها على مدى 30 عاما ضد أنقرة، وهذا هو السبب الذي جعل تركيا تدخل شمال سوريا؛ لتمنع وحدات حماية الشعب من ربط المساحات التي تسيطر عليها في شمال شرق سوريا مع المناطق الكردية غرب نهر الفرات، وخلقت بتدخلها مقاطعة أخرى، تقترح روسيا أن تكون واحدة من أربع مناطق هادئة، يمكن أن تقع تحت إدارة محلية أو تأخذ طريقها إلى التقسيم".
ويورد الكاتب أن المفاوضين في اجتماع أوسلو تحدثوا حول الحاجة لصفقات بين الجيران، مثل المرور عبر حاجز، وغيرها من الأمور المتعلقة بالبقاء.
ويخلص غاردنر إلى القول: "أي شيء أكبر من هذا يحتاج إلى منصة مشتركة للمستقبل، وقد يبنى هذا اعتمادا على الإيمان بأن التعاون سيعود بفوائد كثيرة على الجميع، بدلا من بنائه على الثقة المتبادلة، لكن لن يحدث تقدم ما لم يكن هناك هيكل مؤسساتي يبدو أنه ممكنا، ليظهر الزعماء المحليون الراغبون في استثمار مستقبلهم السياسي فيه".