ظهرت انتقادات حقوقية سورية لمنصتي أستانا وجنيف، بسبب تجاهلهما قضايا الأسرى والمعتقلين في سجون النظام السوري، وجرائمه بحقهم من قتل تحت التعذيب وحرق جثث في محارق صيدنايا، ومن تمت تصفيته بعد الاختفاء القسري.
وبرز مطلب هام من الحقوقيين، يتصل بالجهود الدولية بشأن الأزمة السورية، يدعو إلى التركيز على الأوضاع الإنسانية في سوريا، من خلال "فصل المسار الإنساني عن العسكري"، في محادثات أستانا للدول الضامنة، ما يعني سحب الملف الإنساني من الدول الضامنة.
وهاجم تقرير للهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين، وصل "عربي21" نسخة منه، اجتماعات أستانا، معتبرا أن ما يحصل في اجتماعاته من تجاهل قضايا المعتقلين يمكن وصفه بأنه يذهب بضحايا النظام السوري "من محارق سجونه إلى محارق أستانا".
من جهته، قال المحامي الحقوقي فهد الموسى إن "مسار أستانا وجد بداية كمسار عسكري، ومن ثم تحول لمسار سياسي، موضحا أن المسيطر على هذا المسار هي روسيا و إيران مقابل تركيا، بالتالي فإن موسكو وطهران ونظام الأسد لا مصلحة لهم بحل قضية المعتقلين، وإحالة بشار وزمرته إلى المحاكم المحلية والدولية".
وأضاف لـ"عربي21"، الخميس، أنه إذا ما بقيت قضية المعتقلين بإشراف مجموعة دول أستانا، فهذا يعني أن روسيا وإيران ستعطي الأسد ونظامه صك براءة، وفق تسوية سياسية، وليس وفق قواعد العدالة، بالتالي تطبيق شريعة الغاب بدل تطبيق القانون الإنساني الدولي الذي يراعي حقوق الإنسان.
وأورد التقرير الحقوقي أيضا أن مباحثات أستانا وجنيف ما تزالان تتجاهلان قضية المعتقلين في سوريا، وتخضعها لتجاذبات سياسية ومصالح دولية وتغض الطرف عن المحارق البشرية والمقابر الجماعية وقوائم الموت لآلاف المعتقلين السوريين تحت التعذيب، وقتلهم خارج القانون بطريقة ممنهجة ومنظمة، ثابتة بتقارير لجنة التحقيق الدولية ومنظمة العفو الدولية والتقارير الحقوقية الصادرة عن المنظمات الحقوقية المحلية.
وتوثق التقارير المذكورة مقتل 13 ألف معتقل تحت التعذيب وخارج القانون في سجن صيدنايا بموجب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية و55 ألف صورة لجثث الضحايا التي سربها قيصر مصور الشرطة العسكرية تثبت مقتل 11 ألف معتقل تحت التعذيب في فرع فلسطين و فرع المنطقة و فرع المداهمة التابعة للمخابرات العسكرية.
اقرأ أيضا: تقرير: 533 فلسطينيا عذبوا حتى الموت في المعتقلات السورية
وأشار إلى أنها تعد توثيقات بالحد الأدنى من العدد الحقيقي الذي ربما يكون أضعاف مضاعفة من ضمن محرقة كبرى تعرض لها المعتقلون السوريون.
وانتقد أنه بعد ثماني سنوات لم تنجح الدول الضامنة والمنظمات الدولية بإطلاق سراح معتقل واحد حتى الآن.
وقالت الهيئة الحقوقية إن مجموعة دول أستانا وعدت قبل عشرة أشهر مئات الآلاف من أهالي المعتقلين والمختفين قسريا بحل القضية الإنسانية، إلا أنها تفاجأت بتلقي وعود من اجتماع سوتشي بالعمل على إطلاق أعداد محدودة من المعتقلين، بما وصفوها بعملية تجريبية بدون أي توضيحات صادرة عن مجموعة عمل المعتقلين.
اقرأ أيضا: اتفاق لتبادل محدود للمحتجزين بين النظام والمعارضة السورية
ولم يتم الإيضاح حتى الآن عن الآلية والأسس الناظمة لمجموعة عمل المعتقلين، وخطة عملها والجدول الزمني.
وانتقد تجاهلها لمبدأ المحاسبة و المساءلة، وعدم إشراك منظمات المجتمع السوري بحل القضية الإنسانية ومراقبة حسن تنفيذه.
وأورد التقرير أن ذلك شكل صدمة لأهالي المعتقلين، واعتبروا عمل مجموعة دول أستانا بهذه الطريقة تشكل "جريمة بحق الشعب السوري"، و"شهادة زور" لـ"تبرئة النظام السوري من جريمة ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية لم تشهد الإنسانية مثلها منذ محارق النازية، ونقل لقضية المعتقلين من محارق صيدنايا إلى محارق أستانا".
وانتقدت كذلك "تجاهلها للقرارات الدولية الناظمة لمحاسبة إرهاب بشار الأسد ونظامه عن الجرائم الثابتة بموجب مذكرات اتهام و توقيف صادرة عن المحاكم الألمانية بموجب الولاية القضائية العالمية، وعن لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، ونسف سياسي وعسكري من الدول الضامنة للقرارات الحقوقية والمرجعية القانونية الدولية لقضية المعتقلين في سوريا".
ومن بين المطالب الحقوقية التي تصب نحو فصل المسار الإنساني والعسكري في محادثات أستانا، وذكرتها الهيئة الحقوقية ما يأتي:
– اعتبار قضية المعتقلين قضية حقوقية وقضية إنسانية مستقلة عن المفاوضات السياسية.
- التأكيد على حل قضية المعتقلين وفق القرارات الصادرة عن جامعة الدول العربية و جنيف 1، وقرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة والقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
– تشكيل مسار إنساني لحل قضية المعتقلين برعاية الأمم المتحدة، وبإشراف مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
– تفعيل عمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، وآلية التحقيق المحايدة والمستقلة الخاصة بسوريا.
– العمل على إطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين و بيان مصير المختفين قسريا وكشف المحارق والمقابر الجماعية و تسليم الجثث إلى أهلها و ذويها بعد التأكد من فحص DNA بالتعاون مع المنظمات المحلية والدولية المختصة وفق أعلى معايير الشفافية.
- إحالة المتهمين المسؤولين عن انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية بحق المعتقلين للمساءلة، عن طريق محاكم جنائية وطنية أو دولية.
وسبق أن دعت الدول الضامنة لمسار أستانا في المؤتمر السابع منه في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 إلى ضرورة اتخاذ الأطراف المتصارعة في سوريا إجراءات لدعم الثقة فيما بينها، بما فيها الإفراج عن المعتقلين والمحتجزين وتسليم جثث القتلى.
وفي اجتماع أستانا الثامن أقر البيان الختامي في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2017 في البند السادس "تنظيم مجموعة العمل الخاصة بالإفراج عن المعتقلين/المختطفين و أسمتهم (المحتجزين رغم إرادتهم) وتسليم الجثث، وتحديد هويات المفقودين، سعيا لبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة في سوريا، وأقرت الدول الضامنة وثيقة لحل قضية المعتقلين.
إلا أن اجتماعات أستانا لم تقم بإطلاق سراح أي معتقل، ما دفع الموسى إلى القول إن المنصة ربطت المسار الإنساني لقضية المعتقلين بالمسار العسكري والسياسي، وجعلت من قضية المعتقلين والمسار الإنساني رهينة بيد إيران وروسيا ونظام بشار الأسد مقابل الحل السياسي".
اقرأ أيضا: هكذا قتل النظام "سمية" في "صيدنايا" وأحرق ابنها وشرّده
وقال في حديثه لـ"عربي21"، إن ذلك أعطى نظام بشار الأسد حصانة قانونية وقضائية للإفلات من المسؤولية والمساءلة عن الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق المعتقلين والمنوه إليها بتقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة.
وأوضح أن "الأمور السياسية و العسكرية يمكن أن تخضع للمفاوضات، لكن الأمور الإنسانية من بينها قضية المعتقلين، أمور حقوقية مستحقة غير قابلة للتفاوض والتجاذبات السياسية، ويجب تنفيذها فورا".
سجون نظام الأسد من "المدنية" إلى "المسالخ البشرية" (ملف)
تقرير أممي: الأسد هجر أكثر من مليون سوري منذ بداية العام
نظام الأسد يسلم الأهالي وثائق وفاة أبنائهم في السجون