الهِجْرَة، بحسب تعريف وزارة
الهجرة والمُهَجَّرين
العراقية، هي "انتقال الفرد، أو الأسرة كاملة من تجمع سكّانيّ إلى آخر، أو من دولة إلى أخرى، بشرط أن يجتاز الفرد حدود هذا التجمع، أو الدولة، وأقام، أو ينوي الإقامة في مكان الوصول".
وهذا التعريف ينطبق على ملايين العراقيين المتواجدين في عشرات الدول بمشارق الأرض ومغاربها، ومع هذا فإنّ الوزارة - وبحسب موقعها الرسمي- لا تمتلك مسحاً لأعداد الذين اضطروا للهجرة بعد أن فُقِدت البوصلة في البلاد، وضاعت فيها قيمة الإنسان، وبالذات بعد تفجير المرقدين في سامراء عام 2006.
سبق للمؤلفة "فيوليت داغر" أن ذكرت، في كتابها "الهجرة.. إشكاليّات وتحدّيات"، أنّ نحو "ثلاثة ملايين عراقي نزحوا، وهو ما يُعدّ أكبر حركة لجوء بعد نكبة فلسطين عام 1967"!
ورغم هذه الأرقام المليونية، فإنّ نشاطات وزارة الهجرة مُقْتصِرة على ترتيب عودة
اللاجئين الطوعيّة للعراق، وكذلك تقديم مساعدات بسيطة للعوائل العراقية والسورية في مخيّمات النزوح، فهل هذا هو الدور المطلوب من الوزارة فقط؟
إنّ نشاطات الوزارة مُنْحَسِرة على جانب واحد من المأساة، وهم المُهَجَّرون في الداخل، بينما يُفترض أن تنظر الدولة بعناية إلى المُهَجَّرين في أنحاء العالم، وبالذات في دول الجوار، وتشكّل لجان مُتَخَصِّصَة لدراسة أوضاعهم والظروف المحيطة بهم، والسعي لتقديم ما يخفّف من مُعاناتهم، وربما يمكن استثناء من فضّلوا اللجوء، واستقروا في دول العالم المختلفة من هذه المبادرة.
سبق أن اطَّلعت بِاسْتِغْرَابٍ شديد - في العدد الثاني من مجلة وزارة الهجرة (2008)- على تنظيم الوزارة لعدة مؤتمرات في أوروبّا لدراسة أوضاع الجاليات العراقية المستقرّة هناك، وركّزت على الجيلين الثاني والثالث، وجميعهم من الحاصلين على الجنسيات الأوروبّيّة!
ورغم أنّ هذه الخطوة جيدة لكنّه بالمقابل، هل هؤلاء - مع اعتزازنا بهم - بحاجة إلى دعم الحكومة مع وجود ملايين المُهَجَّرين في دول الجوار، الذين لا يجدون حتى العيش الكَفَاف، ولا أحد يسأل عنهم؟
وهذا يؤكد عشوائيّة سياسات الحكومة، وانعدام نظريّة الأولويّات لديها!
الغالبيّة العامّة من العراقيين في دول الجوار لا يمكنهم العودة للبلاد لأسباب سياسيّة، أو اجتماعيّة، أو ماليّة، ولم يحاولوا الحصول على اللجوء، أو رُفضت طلباتهم، أو - ربما - غير مُقْتَنِعين باللجوء للدول الأجنبية، وغالبيتهم يعيشون في ظروف إنسانيّة صعبة للغاية، ويمكن إجمال بعض معاناتهم بالصور الآتية:
- الأزمات الماليّة: غالبيّة المُهَجَّرين اضطروا لترك وظائفهم وممتلكاتهم، وليس لديهم مصادر دخل ثابتة، ومنْ يعمل منهم دون إذْن عمل ويتم ترحيله قسْراً.
- أزمة الجوازات: الآلاف من "المُهَجَّرين المعارضين" ترفض حكومات بغداد المتعاقبة تزويدهم بجوازات، وهذا يتناقض مع أبسط مقومات الديمقراطيّة التي يُنادي بها حكام بغداد.
- معضلة الإقامة: يُعدّ إذن الإقامة من الإشكاليّات التي أرهقت العوائل لوجود شروط غير بسيطة للحصول عليها، وبعضهم مكبَّلون بغرامات مخالفة قانون الإقامة - ربما - تصل لعشرات الآلاف من الدولارات.
- صعوبات التعليم: تعتبر مسألة الحصول على التعليم الأوليّ، والجامعيّ، من الإشكاليّات الكبرى، وبالذات في البلدان غير العربيّة، وفي ذات الوقت تطالب المدارس العربيّة هناك بمبالغ خياليّة تتجاوز الألفي دولار للطالب!
هذه بعض معاناة المُهَجَّرين، فضلاً عن المضايقات الاجتماعيّة، والتعامل العنصريّ أحياناً، واختلاف العادات والتقاليد، وغير ذلك من الصور المُزعجة والمُربكة لحياة الإنسان المُهَجَّر!
الحلّ الأنسب لمشاكل النازحين والمُهَجَّرين يكون بإنهاء المأساة العامّة في البلاد، وتشكيل حكومة وطنيّة تشجّع على العودة الطوعيّة، وإنصاف المُهَجَّرين واحتوائهم!
ومن الحلّول السريعة، تكفّل الحكومة بدفع أجور الطلبة المُهَجَّرين في المدارس والجامعات، وتأمين الضمان الصحّيّ للمُهَجَّرين بالتنسيق مع الدول المتواجدين فيها (ونحن نتحدث هنا عن إنتاج أسبوع واحد فقط من النفط، يمكن أن يغطّي تكلفة هذا المشروع)، وهذا أقلّ ما يمكن أن تقدمه الحكومات لمواطنيها للتخفيف عن كواهلهم!
ما ذكرناه غَيْض من فَيْض، فهل ستسعى الحكومة والبرلمان لإنهاء هذه المأساة المُتنامية؟ أم أنهم مُنشغلون بتقاسم مغانِم العملية السياسيّة، وسُعداء بالتَّخَلُّصِ من هؤلاء المواطنين وكأنّهم ليسوا من العراقيين، وغالبيتهم اضطروا لمغادرة البلاد ظُلماً وجوراً؟
إلى متى ستبقى بلادنا طاردِة لأبنائها وكفاءاتها؟