قضايا وآراء

معبر "الشارقة-مرسين".. انعطافة استراتيجية إماراتية

1300x600

بعد أقل من أسبوع على الاتصال الهاتفي الذي جمع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الخميس الموافق 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري؛ أعلن مساء الأربعاء 17 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري عن زيارة متوقعة لمسؤول إماراتي كبير إلى طهران.

وسائل الإعلام الإيرانية لم تفصح عن هوية الزائر الإماراتي؛ إلا أن المتوقع أنها ستكون لوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد الذي تلقى دعوة من نظيره الإيراني خلال الاتصال الهاتفي الأسبوع الماضي بعد لقائه بشار الأسد في دمشق.

التعاون الاقتصادي بين إيران والإمارات وتركيا فتح الباب لحراك سياسي إقليمي محوره أبو ظبي؛ عبر عنه بزيارة وزير الخارجية التركي دواود جاويش أوغلو لطهران الثلاثاء الفائت 16 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي والإعلان عن زيارة المسؤول الإماراتي لطهران نهاية الأسبوع الحالي؛ ليتوافق وعلى نحو لافت مع زيارة متوقعة للرئيس التركي أردوغان لطهران للقاء رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي؛ وزيارة مرتقبة لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لأنقرة في الآن ذاته.

معبر "الشارقة-مرسين" انعطافة جيو-اقتصادية

تبادل الزيارات لا يعد مفاجئا؛ فالإمارات أحرزت اختراقا يفوق في أهميته تبادل الزيارت الدبلوماسية مع طهران ودمشق وأنقرة التي يتوقع أن يزورها ولي عهد أبو ظبي الأربعاء الموافق 24 من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي؛ فأبو ظبي أجرت أولى تجاربها لنقل البضائع عبر معبر "الشارقة-بندر عباس-مرسين" خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت؛ مدشنة أولى الرحلات التجارية العابرة للأراضي الإيرانية نحو تركيا وأوروبا؛ رحلة لم تستغرق أكثر من 8 أيام كبديل للطريق البحري المار بقناة السويس والذي يحتاج إلى 20 يوما.

الاتفاق على إنشاء المعبر البري لم يمضِ على توقيعه شهر بين تركيا والإمارات باستخدام وثيقة "دفتر النقل البري الدولي" (التير- TIR) اتفاق عبور تسهل الشحن البري العالمي والتجارة الدولية عبر الحدود المتعددة والموقع عليها في جنيف العام 1975 كاتفاق جمركي دولي.

أنقرة وأبو ظبي تجاوزتا المعوقات السياسية والعقوبات الأمريكية من خلال اتفاقية "التير- TIR" وفي الآن ذاته تمكنت طهران من كسر عزلتها وتقويض حلقة جديدة من حلقات الحصار الأمريكي؛ ولكن على شكل اتفاق عبور جمركي للحاويات المغلقة العابرة لأراضيها.

الاتفاق ذاته وقعته تركيا مع باكستان مرورا بالأراضي الإيرانية نحو تركيا وميناء مرسين مختصرة المسافة التي تحتاج إلى شهر نحو قناة السويس لـ 12 يوما فقط؛ اتفاقات شجعت عليها حادثة جنوح سفينة الشحن (إيفرغيفن) في قناة السويس آذار (مارس) الماضي وأدت لتعطيل حركة التجارة والشحن الدولي في حينها.

أبو ظبي.. إزاحة جيو-استراتيجية
 
التحولات في الاستراتيجية الإماراتية لا تبررها حادثة ايفرجيفن في قناة السويس كما هو الحال مع إسلام اأباد؛ وإنما الهواجس العميقة تجاه الرياض ومشاريعها الكبرى؛ فأبو ظبي حولت اهتمامها من البحر الأحمر ومضيق هرمز نحو ميناء بندر عباس والبر الإيراني بالاتفاق مع أنقرة لتعزيز موانئها ومنصاتها التجارية التي باتت مهددة بمشاريع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

مشروع (نيوم) على البحر الأحمر ومشروع تحويل المملكة إلى مركز لوجستي للشحن؛ هدد المصالح الإمارتية بتجاوز الخليج العربي ومضيق هرمز؛ عبر معبر بري يربط المحيط الهندي بالبحر الأحمر والبحر المتوسط؛ وذلك بشحن البضائع من ميناء الدقم العماني مرورا بالأراضي السعودية انتهاءا بالسويس والبحر المتوسط.

 

حراك أبو ظبي الاقتصادي والسياسي قوض التحالفات التقليدية التي تشكلت خلال السنوات العشر الأخيرة وعزز حالة السيولة السياسية والاقتصادية في الإقليم؛ دافعا الرياض للإعلان عن جولة خامسة مرتقبة للحوار مع طهران وإعلان القاهرة عن تدشين مشروع ناقل الغاز لبيروت نهاية العام الحالي؛ سيولة لا يتوقع أن تخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها بقدر ما ستخدم مصالح القوى الإقليمية الصاعدة إيران وتركيا.

 



فالسعودية تطمح لإضافة شبكة من السكك الحديدة بين غرب وشرق المملكة وشمالها لتزيد عن 5000 كم؛ فضلا عن تطوير الشحن الجوي والمطارات في المملكة السعودية؛ لتأتي الاتفاقية بين أبو ظبي وأنقرة وطهران عبر وثيقة (التير- TIR) كمنقذ للموانئ الإماراتية من مصيرها المحتوم في حال نجاح السعودية في إنجاز (استراتيجيتها الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية) والتي ستفوق تكلفتها الـ130 مليار دولار.

الإزاحة الجيو-اقتصادية الإماراتية لم تقتصر على الاتصالات الهاتفية والمبادرات الدبلوماسية والاقتصادية تجاه طهران وأنقرة؛ إذ أتبعتها بسحب قواتها من ميناء الحديدة اليمني بحجة تنفيذ اتفاق ستوكهولم؛ الأمر الذي أتاح للحوثين السيطرة على المدينة؛ بل ونقلت أنشطتها العسكرية من المناورات مع القيادة المركزية الوسطى في الخليج العربي والمناورات في المتوسط مع القوات الجوية اليونانية والقبرصية والإسرائيلية  في البحر المتوسط إلى منطقة أكثر حيادا وهي البحر الأحمر والتي انطلقت فيها مناورات بحرية الأربعاء الموافق 10 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي بمشاركة البحرين والكيان الإسرائيلي والأسطول الخامس الأمريكي مبتعدة بذلك عن إيران ومصالحها الحيوية.
  
ختاما

لا تبدو أنقرة وطهران متضررتين من النشاط الاقتصادي والعسكري الإماراتي بمقدار تضرر القاهرة والرياض؛  فممر "الشارقة-مرسين" يمثل تطورا جيو-اقتصاديا وإزاحة جيو-استراتيجية تهدد مشاريع الأمير محمد بن سلمان وقناة السويس في الآن ذاته؛ فحراك أبو ظبي الاقتصادي والسياسي قوض التحالفات التقليدية التي تشكلت خلال السنوات العشر الأخيرة وعزز حالة السيولة السياسية والاقتصادية في الإقليم؛ دافعا الرياض للإعلان عن جولة خامسة مرتقبة للحوار مع طهران وإعلان القاهرة عن تدشين مشروع ناقل الغاز لبيروت نهاية العام الحالي؛ سيولة لا يتوقع أن تخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها بقدر ما ستخدم مصالح القوى الإقليمية الصاعدة إيران وتركيا.

hazem ayyad
@hma36