تتجدد الأزمة الإنسانية في قطاع
غزة مع كل تطور يحدث على الصعيد الميداني، سواء مع العمليات العسكرية البرية وتكرر اجتياح بعض الأماكن والمدن، أو بسبب إغلاق المعابر وندرة دخول المساعدات وتعثر عمل الميناء العائم الأمريكي.
وأفادت الأمم المتحدة بأن حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة انخفض بمقدار الثلثين منذ أن بدأت "إسرائيل" عمليتها العسكرية في منطقة رفح جنوب القطاع في أيار/ مايو الماضي.
وقام الجيش الأميركي ببناء رصيف مؤقت لجلب المساعدات عن طريق البحر، إلا أنه تضرر بفعل الأمواج، بينما أغلقت "إسرائيل" معبر إيريز في شمال غزة، وكذلك تم إيقاف عمل معبري رفح وكرم أبو سالم اللذين كانت شاحنات المساعدات تمر عبرهما في جنوب قطاع غزة.
وعملت "إسرائيل" على تقسيم قطاع غزة إلى جزئين، شمالي وجنوبي، وتفصل بينهما بمنطقة عسكرية تسمى "نيتساريم"، تمتد من حدود الأراضي المحتلة عام 1967 حتى البحر الأبيض المتوسط.
وترصد عربي21 مظاهر الأزمة الإنسانية المتجددة في قطاع غزة الذي يعاني من شح المواد التموينية وعنف الغارات الجوية والمدفعية المستمرة على مدار الساعة.
يقول حسان (33 عاما) إن العملية العسكرية في جباليا، التي امتدت لنحو 20 يوما، وما سبقها من العملية المستمرة في رفح وإغلاق المعابر، أتت على مختلف المواد التموينية في شمال القطاع، بينما ارتفعت أسعار ما تبقى منها بشكل كبير جدا.
ويضيف حسان لـ"عربي21" أن الأسواق خالية الآن من معظم أنواع الخضروات والفواكه واللحوم، وأنه لا يوجد سوى كميات محدودة من المعلبات وهي من بعض الأصناف فقط.
يذكر أن الأسواق الموجود حاليا ليست سوى "بسطات" صغيرة وضعها الباعة فوق ركام الأسواق المدمرة أو حتى في الشوارع والأزقة، كما أن عددها تراجع بشكل كبير بسبب ندرة البضائع، مضيفا أن "عشرات أصحاب البسطات والباعة الذين كانوا منذ بداية الحرب هم الآن بدون عمل وأغلقوا البسطات الخاصة بهم".
ويوضح أن ما يتوفر من البصل مثلا يصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى مئة شيكل (27 دولارا)، والبندورة وصل سعرها إلى 70 شيكلا، والخيار والباذنجان من 40 إلى 50 شيكلا، قائلا إن "هذا هو المتوفر فقط، أما باقي الأصناف فهي غير موجودة أصلا، وعلشان هيك هينا عايشين على أكل
الزعتر والدقة".
وقال: "طبعا الناس ما معها تدفع، والحرب قضت على كل أموالنا، اللي لسة عنده فلوس في البنك أو راتبه لسة شغال وما خسر وظيفته لا يستطيع سحب هذه الأموال من البنوك إلا بصعوبة بالغة".
من ناحيته، يقول محمد (56 عاما) إن الأوضاع المعيشية بدأت تتراجع وتتجه إلى الأسوأ مرة أخرى بسبب شح المواد التموينية والمساعدات، قائلا: "نرى أحيانا المساعدات التي دخلت وهي تتوجه إلى مخازن الأونروا، لكننا لا نعرف شيئا عن آلية التوزيع البطيئة جدا".
وكشف محمد لـ"عربي21" أن هناك حالة تخوف من عودة
خطر المجاعة التي ضربت شمال غزة خلال شهور الحرب الأولى وعدم توفر الطحين والخبز ومختلف أنواع الطعام، مضيفا أنه "الحمد لله حاليا لسة في خبز وطحين، والمخابز اللي فتحت لسة شغالة وبتوزع خبز بسعر مخفض، لكن كلنا تعلمنا أنه خلال هذه الحرب الدنيا بتتغير فجأة".
وعن كيف يتدبر أمور عائلته من الطعام، يشير محمد إلى توفر
الدقة والزعتر في الأسواق بأسعار معقولة رغم أنها أغلى من السابق، مضيفا أن "الدقة والزعتر تعتبر أطعمة رخيصة ومتوفرة في كل بيت فلسطيني، والحمد لله أنها لسة موجودة".
ويصف محمد، الذي يعول أسرة مكونة من سبعة أشخاص، أصناف الدقة والزعتر بأنها "أسلحة دعمت ووقفت مع أهل غزة أكثر من كل العالم، لأن سعرها رخيص، ومعدتنا عمرها ما شكت أو تضررت منها، وما في سفرة فطور ولا عشاء في غزة ما كانت تكون عليها، والآن أصبحت هي الطعام الرسمي في كل وقت".
ويبين أن
الزعتر والدقة يمكن أكلها مع الخبز واللبن وزيت الزيتون، أو عملها "مناقيش"، أو حتى مع الفلفل الأحمر في حال عدم وجود الزيت واللبن حاليا، قائلا: "بكل الأحوال زاكية وبناكلهم كيف ما أجا، وطول عمرنا بنقول بنعيش ولو على دقة وزعتر، وهينا الآن عايشين عليهم بجد".
ويتكون صنف الدقة من القمح والكزبرة والسماق والملح والسمسم وغيرها من المكونات الجافة، التي يتم طحنها بشكل ناعم لتصبح في قوامها النهائي تشبه مختلف أنواع البهارات المطحونة.
ويتم إعداد الزعتر من خلال تجفيف أوراق الزعتر الأخضر وإضافة مكونات أخرى عليه مشابهة للدقة، مثل الكزبرة والسماق والملح والسمسم وحمض الليمون وغيرها من المكونات.
ومن أشهر طرق تناول هذه الأطعمة يكون بـ"التغميس" بزيت الزيتون، أو بإعداد "المناقيش"، وهي قطعة من العجين التي يوضع على وجهها من أعلى خليط من الدقة أو الزعتر مع زيت الزيتون، ثم يتم خبزها داخل الفرن.
من ناحيتها، تقول أفنان (29 عاما) إنها تطعم أطفالها يوميا "سندويشات جافة" من الدقة أو الزعتر بدون زيت زيتون كما اعتادوا من يوم بداية تناولهم للطعام في حياتهم.
وتشرح أفنان لـ"عربي21"، أن هذه الأطعمة من الصعب شرح طبيعة ارتباطها بالفلسطيني لأنها جزء من ثقافته اليومية طوال حياته، موضحة أن "أولادي ومن طفولتهم وهم بياكلوها بشكل يومي، ابني الصغير صاحب الوزن الخفيف حتى من قبل الحرب لما يقول إنه جائع كان يطلب سندويشة دقة، ويوم ما بده يغير بطلب زعتر".
وتكشف أنه "في الحرب الحالية لما زوجي يسألني، ماذا سنتناول على الغداء اليوم؟ أقول له دقة وزعتر، ويضحك ويقول لي: طبختين؟ مش كثير؟ وهذه بطبيعة الحال نكتة وطرفة مشهورة في قطاع غزة من أجل الضحك والتندر على الأشخاص البخيلين".