سياسة تركية

"عقبات تفوق المحفزات".. هل يطيح التطبيع مع المعارضة بتحالف أردوغان والقوميين؟

مصادر تكشف عن وجود مساع في حزب "الشعب الجمهوري" للجمع بين كليتشدار أوغلو وإمام أوغلو مجددا- الأناضول
لا تزال نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في تركيا تلقي بظلالها على السياسة الداخلية، سيما وأن حزب الشعب الجمهوري المعارض خرج منها بفوز لم يسبق له مثيل منذ أكثر من 40 عاما، حيث أصبح الحزب الأول من حيث عدد أصوات الناخبين متقدما على حزب العدالة والتنمية الحاكم، الأمر الذي فتح الباب أمام الرئيس رجب طيب أردوغان لبدء نهج جديد على الصعيد الداخلي بإطلاق ما عرف بـ"تطبيع أو تليين السياسة" بعد الاستقطاب الشديد الذي مرت به البلاد خلال السنوات الأخيرة.

ومع تلقي زعيم المعارضة أوزغور أوزيل نداء أردوغان بإيجابية، تسارعت الزيارات المتبادلة بين زعيم المعارضة وأردوغان، حيث كان آخرها زيارة الرئيس التركي لمقر حزب "الشعب الجمهوري" في العاصمة أنقرة لأول مرة من 18 عاما، ردا على زيارة مماثلة أجراها أوزيل إلى مقر "العدالة والتنمية".

وخلال الأيام الأخيرة، بدت تصدعات واضحة في معسكري قطبي السياسة التركية الداخلية، فما لبث زعيم حزب "الحركة القومية" المتحالف مع "العدالة والتنمية"، دولت بهتلشي، أن أصدر بيانا مكتوبا عبر فيه عن استيائه من التقارب بين الرئيس التركي وزعيم المعارضة.

في المقابل، كشفت مصادر من حزب الشعب الجمهوري عن وجود جناح مستاء من سياسة أوزيل التي تهدف إلى التطبيع مع الحزب الحاكم، مشيرة إلى وجود مساع للجمع بين كمال كليتشدار أوغلو الزعيم السابق للحزب المعارض، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، من أجل اتخاذ قرار قد يطيح بأوزيل الذي أصبح أكثر حضورا على الساحة السياسية بعد فوزه بالانتخابات المحلية الأخيرة.



استياء في المعسكرين
قال الصحفي  باريش ترك أوغلو، إن مسؤولا تنفيذيا كبيرا في حزب الشعب الجمهوري التقى مؤخرا مع كليتشدار أوغلو واقترح عليه تحويل المؤتمر التأسيسي للحزب في شهر أيلول /سبتمبر المقبل إلى مؤتمر انتخابي جديد يترشح فيه إمام أوغلو بدعم من الجناح المعارض لسياسة التطبيع، من أجل الإطاحة بأوزيل.

وأضاف الصحفي في مقال نشرته صحيفة "جمهوريت" المقربة من المعارضة، أنه تواصل مع المسؤول التنفيذي بنفسه وسأله حول إمكانية أن يقبل كليتشدار أوغلو بدعم ترشيح إمام أوغلو ضد أوزيل، في إشارة إلى الخلاف القائم بين رئيس بلدية إسطنبول وزعيم المعارضة السابق إثر الإطاحة به من رئاسة "الشعب الجمهوري" عقب الخسارة الفادحة التي مني بها في الانتخابات العامة عام 2023.

ووفقا لترك أوغلو، فإن المسؤول الذي لم يكشف عن هويته قال إن كليتشدار أوغلو اكتفى بالاستماع فقط دون التعليق على المقترح. كما لفت المسؤول إلى إمكانية قبول كليتشدار أوغلو بدعم خصمه إمام أوغلو من أجل إعادة حزب الشعب الجمهوري إلى المسار المناهض لأردوغان مرة أخرى، ولأن رئيس بلدية إسطنبول الذي فاز بالانتخابات المحلية للمرة الثانية يلقى قبولا أكبر لدى العواصم الغربية.

وكان كليتشدار أوغلو الذي أطيح به العام الماضي من رئاسة حزب الشعب الجمهوري بعدما قاد كل من أوزيل وإمام أوغلو حملة لتنحيته، حافظ على صلاته بالسياسة كما ظهر مؤخرا في لقاء تلفزيوني تحدث فيه عن تعرضه للطعن من ظهره من قبل أعضاء بالحزب طالبوه بالترشح للانتخابات الرئاسية وبعد الخسارة انقلبوا عليه، في إشارة إلى رئيس بلدية إسطنبول.

في المقابل، يشير الكاتب الصحفي المقرب من الحكومة، عبد القادر سيلفي، إلى أن كليتشدار أوغلو وإمام أوغلو سيلتقيان في الأيام المقبلة، موضحا أن انقلاب الموازين في حزب الشعب الجمهوري بعد عام واحد من الانتخابات العامة يأتي على وقع استياء متصاعد من سياسة التطبيع مع الحكومة التي تبناها أوزيل خلال الأشهر الأخيرة.

ولفت سيلفي في مقال نشر بصحيفة "حرييت"، إلى أن شريك أردوغان في تحالف الجمهور، دولت بهتلشي، منزعج أيضا من سياسة التطبيع.


ويأتي ذلك بعد التصريحات التي أدلى بها أوزيل داعيا حليف الرئيس التركي إلى التراجع عن محاولة إلقاء اللوم على "الشعب الجمهوري"، في الجريمة التي ارتكبها التحالف الحاكم بحق الشعب التركي بسبب ما اعتبره الإدارة السياسية والاقتصادية الخاطئة للبلاد.

وبحسب سيلفي، فإن تحالف الجمهور تجاوز محاولة المعارضة خلق تصدعات في بنيته، وذلك بعد تصريحات أردوغان التي انتقد فيها تصريح أوزيل، مشددا على "ضرورة تخلي المعارضة عن عادة ممارسة السياسة باتهامات غير عادلة وتصريحات اتهامية لا تتناسب مع اللياقة السياسية، وأن يسود الموقف الإيجابي والبناء من جانبها بدلا من اللغة الاستفزازية".

"عقبات تفوق المحفزات"
وحول ما إذا كان تحالف الجمهور يتجه إلى الانحلال بعد التطورات الأخيرة، يقول الباحث في الشؤون التركية محمود علوش، إن "التحالف بين أردوغان وبهشلي قوي، ولا يزال يُشكل حاجة لحزب العدالة والتنمية".

ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "الرسائل التي أراد بهشلي إيصالها هي أن الذهاب بعيدا في عملية التطبيع مع حزب الشعب الجمهوري تُهدد استمرارية هذا التحالف إذا كانت مُصممة كبديل عن التحالف مع القوميين"، مشيرا إلى أن أردوغان "يدرك أن المزايا الكبيرة التي جناها ولا يزال من التحالف مع القوميين تتفوق في النهاية على أية مكاسب تكتيكية يمكن أن يحصل عليها من عملية التطبيع مع حزب الشعب الجمهوري".



ويرى أن أوزيل "يسعى لدق إسفين داخل التحالف الحاكم لاعتقاده بأن أردوغان وصل إلى النقطة التي سيتعين عليه الاختيار فيها بين مواصلة التحالف مع القوميين وبين إبرام تفاهمات مع حزب الشعب الجمهوري لتمرير مشروع تعديل الدستور"، موضحا أن "تخلي أردوغان عن تحالفه مع بهشلي ينطوي على مخاطر كبيرة. وحتى لو استطاع إبرام تفاهم مع حزب الشعب الجمهوري لتمرير التعديل الدستوري، فإن قدرة حزب العدالة والتنمية على البقاء في السلطة في الانتخابات المقبلة دون التحالف مع القوميين ستُصبح أكثر صعوبة".

ويشدد علوش على أن "هناك أولويات لدى أردوغان في ولايته الرئاسية الحالية وأهمّها تجنب أي خطوات سياسية تؤدي إلى مزيد من الضعف لحكمه بعد هزيمة الانتخابات المحلية. والتخلي عن التحالف مع القوميين سيجعل أردوغان أكثر ارتهانا للمعارضة".

وحول التحالف المحتمل بين كليتشدار أوغلو وإمام أوغلو، يلفت الباحث إلى وجود استياء لدى هذين السياسيين من انفتاح أوزيل على أردوغان، مبينا أن زعيم الشعب الجمهوري "يستخدم عملية التطبيع مع أردوغان من أجل تعزيز زعامته داخل حزب الشعب الجمهوري"، مستدركا بالقول إنه "مع ذلك، يدرك أن تحدي التيار المناهض للتطبيع داخل الحزب قد يجلب تهديداً لهذه الزعامة".


وبحسب علوش، فإن "حزب الشعب الجمهوري يمر بفترة تحول كبيرة ومصير زعامة أوزيل يتوقف على مجموعة من العوامل على رأسها مستقبل العلاقة بين أكرم إمام أوغلو وكليتشدار أوغلو. وفي حال وجد الطرفان أن من مصلحتهما التعاون من أجل الإطاحة بأوزيل، فإن ذلك قد يؤدي إلى تغيير في ديناميكية المنافسة على القيادة داخل الحزب".

وأشار إلى أن "العقبات التي تعترض عملية التطبيع تتفوق على المُحفزات التي تدفعها. وقدرة أردوغان وأوزيل على مواصلة هذه العملية تتفوق على المكاسب المُختلفة التي يتطلعان إليها. مع ذلك، فإن التكاليف على أردوغان من حيث علاقته بالقوميين والتكاليف على أوزيل من حيث المخاطر داخل حزب الشعب الجمهوري قد تؤدي إلى تراجع شهية الطرفين للمضي قدما في هذا المسار".

عودة محتمة للاستقطاب
من جهته، يرى الباحث السياسي التركي علي أسمر، أن بهشلي يعلم جيدا أن تحالف الجمهور بقيادة الحزب الحاكم لا يستطيع تغيير الدستور التركي لذلك هو بحاجة لعقد مجموعة من الاجتماعات مع أحزاب المعارضة التركية وخاصة حزب الشعب الجمهوري لذلك لا أعتقد أن هذه الاجتماعات ستضر بتحالف الجمهور".



ويقول أسمر في حديثه لـ"عربي21"، إن "كل الاجتماعات والتقاربات السياسية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري هدفها إعداد دستور جديد يتلاءم مع وضع تركيا الحالي، وبعد إعداد الدستور سنعود للمناكفات والصرعات السياسية".

وتابع: "أي نستطيع أن نقول إن الذي يحصل حاليا عبارة عن شهر عسل مؤقت، لذلك لا أعتقد أن حزب العدالة والتنمية سيضحي بحليفه حزب الحركة القومية، على العكس تماما من الممكن أن يحاول الحزب الحاكم توسيع تحالف الجمهور بضم أحزاب جديدة أو شق صفها مثل حزب الجيد مثلا".

ووفقا للباحث التركي، فإن "سياسة التطبيع هي مرحلة مؤقتة في مشهد السياسة التركية، وستنتهي بعد إعداد الدستور الجديد، حيث سيكون هناك تحضيرات قوية واستقطاب شديد من أجل الانتخابات الرئاسية المقبلة بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري المعارض الذي يرى نفسه قريبا جدا من سدة الحكم أكثر من أي وقت آخر بسبب ترهل الحزب الحاكم وفوز المعارضة بالانتخابات البلدية وكبر سن الرئيس أردوغان والوضع الاقتصادي الصعب"، حسب تعبيره.