كتب
رمزي بارود مدير التحرير في موقع "ميدل إيست آي"، معلقا على اتفاق مخيم الشاطئ في غزة بين حركة المقاومة الإسلامية (
حماس) وحركة
فتح، الذي أنهى سنوات من الخلافات بين الطرفين قائلا، إنه لسنين طويلة طمحت الفصائل
الفلسطينية لتحقيق الوحدة، وظلت الوحدة تراودها لسنوات طويلة، وهناك إمكانية بعد عدة محاولات فاشلة أن تكون كل من "فتح" و"حماس" قد وجدتا الأرضية المشتركة المواتية؟ وإن كان الجواب بنعم: فلماذا، وإلى أي نهاية، وما هو الثمن؟
ويلاحظ الكاتب أن اتفاق مخيم الشاطئ بين الحركتين، الذي وقع في 23 نيسان/ إبريل تم بدون وساطة عربية، فقد تم التغلب على معظم المشاكل والمظالم المتبادلة، فيما تم جسر هوة الخلافات وتمت إحالة بقية القضايا الحساسة على لجنة خاصة، ستكون إحدى مهامها الخاصة دمج كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي في منظومة منظمة التحرير الفلسطينية.
ويرى الكاتب أن ما يهم في المرحلة الحالية، هو أن هوة عميقة استمرت بين الطرفين تم جسرها، واحتفت بها عناوين الصحف العربية، فيما انقسمت الصحافة الإسرائيلية حول
المصالحة. فبعض القريبين من الأحزاب اليمينية المتطرفة شجبوا ما رأوه خيانة السلطة الوطنية الفلسطينية ومحمود عباس "للعملية السلمية"، أما البقية ومعظمهم من اليسار فأشاروا بإصبع الاتهام لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي دفع بعباس للارتماء بين ذراعي "حماس"، كما جاء في تقييم زاهيفا غالون، زعيمة حزب ميريتس اليساري.
ويناقش بارود في مقالته أن المقولة التي ترد الخلاف بين حركتي فتح وحماس لعام 2006، أي عندما فازت "حماس" بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، ليست صحيحة، فالخلاف قديم قدم "حماس". فقد تم إنشاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لغرضين، أحدهما واضح ومباشر وآخر يمكن استنتاجه، أي لمقاومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي مع بداية الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، ولموازنة قوة منظمة التحرير الفلسطينية.
وأشار إلى أنه "منذئذ ظل النقاش الذي ساد معظم التحليلات - ومعظمها متعاطفة مع الفلسطينيين - هو الزعم بأن حماس كانت صنيعة الاستخبارات الإسرائيلية الداخلية (شين بيت) لإضعاف المقاومة الفلسطينية. وهذا تحليل مضلل جدا".
فقادة حماس المؤسسون لم يكونوا وحدهم من كانت لديهم مشكلة مع منظمة التحرير الفلسطينية، فهذه الأخيرة التي تحدثت نيابة عن الشعب الفلسطيني في كل مكان اعترفت بها الجامعة العربية عام 1974، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ولم يكن الطرف المستهدف في هذا الاعتراف "حماس"، لأنها لم تكن قد وجدت في ذلك الوقت. فما كان مستهدفا هو الحكومات العربية التي قدمت نفسها كممثل للفلسطينيين إقليميا ودوليا.
ويوضح أنه مع ذلك، فقد ظلت عبارة "الممثل الشرعي" مستخدمة حتى بعد أن فقدت فائدتها، "فبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وانتقال مؤسسات المنظمة إلى تونس واليمن ومصر بدأت المنظمة تترنح، وأصبحت رسالتها أكثر استئثارا وتتسيدها زمرة في داخل فتح مرتبطة بالزعيم الراحل ياسر عرفات".
ويتابع بأنه عندما اندلعت الانتفاضة في عام 1987 فإنها "كانت تمثل جيلا جديدا من الفلسطينيين الذين يعبرون عن مزاج وأرضية جديدة"، وهو جيل جديد بعيد عن تونس والعواصم العربية، وحركات جديدة تضم القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، رغم أن منظمة التحرير في المنفى سيطرت عليها سريعا. ومن الحركات الأخرى حركة حماس التي واصلت البقاء بعيدا عن سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية.
ويرى أن هذا هو أصل الصدع بين الحركتين، الذي كبر وتوسع مع مرور الوقت، كما يرى الكاتب، فعندما وقع عرفات على اتفاق أوسلو عام 1993، بدأت طبيعة "الممثل الشرعي" للفلسطينيين تتغير بسرعة، فقد انكمشت منظمة التحرير وأصبحت السلطة الوطنية التي حكمت أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سمع ونظر إسرائيل، وأصبح البرلمان الفلسطيني في المنفى، والمجلس التشريعي الفلسطيني برلمانا مقيدا جدا في الوطن الذي لا يزال تحت الاحتلال.
و"أصبحت الخطوط غير واضحة بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية وفتح. وأصبح واضحا أن مشروع التحرير الوطني الذي بدأته منظمة التحرير و"فتح" في بداية الستينيات من القرن الماضي صار يعني كل شيء إلا التحرير"، بحسب الكاتب.
ويضيف أنه "في الحقيقة فقد بدأ كل المعيار بالتغير على كل الجبهات، فقد أصبحت الدول المانحة الأصدقاء الحقيقيين للفلسطينيين، وتحولت الجغرافيا إلى متاهة مكونة من تصنيفات مناطق مثيرة للتشتت، مناطق ألف وباء وجيم. وتمت إحالة موضوع القدس وتأجيله لمفاوضات الحل النهائي، فيما أصبح اللاجئون وحق العودة مشكلة تحتاج لحل من خلال رؤية إبداعية وذكية وبلفتات رمزية".
ويتابع: "استمرت حالة الارتباك في العملية السلمية ومن المحتمل أن تستمر حتى ما بعد توقيع اتفاق الوحدة. ففي 18 نيسان/ إبريل، عاد عضو جماعات اللوبي الصهيوني ومبعوث السلام الأمريكي الحالي مارتن أنديك للمنطقة في محاولة يائسة وأخيرة لدفع الطرفين لاتفاق، أي اتفاق، وحتى اتفاق يؤجل الموعد الذي فرضته الولايات المتحدة لاتفاق الإطار".
ويستدرك بقوله إن القليل فقط يمكن عمله؛ فلا سبب لدى نتنياهو كي يتحرك في المفاوضات، خاصة أنه لا يتعرض لضغوط لعمل ذلك. فقط عباس يأمل بأن تقوم إسرائيل بإطلاق سراح عدد قليل من السجناء الإسرائيليين من بين آلاف في السجون الإسرائيلية، فليس لديه ما يقدمه لشعبه من "إنجازات".
ويواصل: "بعد عشرين عاما أو يزيد من قيام عباس بتسهيل اتفاق أوسلو، فإنه ليس لديه ما يقدمه باستثناء بعض المستوطنات، وما يبدو انقساما عصيا على الجسر بين الفصائل في داخل حركته فتح، وكذا مع فصائل أخرى. ومع قرب انهيار العملية السلمية، التي هندسها وأدارها هذه المرة وزير الخارجية جون كيري، يحتاج عباس مخرجا، وعليه جاء اتفاق مخيم الشاطئ مع حركة حماس".
وعن توقيت الاتفاق يقول، إن توقيت حركة حماس كان موفقا بدرجة كبيرة، فالجماعة التي مثلت المقاومة الفلسطينية، ليست فقط للإسلاميين ولكن للآخرين، ولم يعد لديها الكثير من الخيارات، فقد كتبت مجلة (إيكونوميست) البريطانية في 26 نيسان/ إبريل أن "حماس حشرت في الزاوية، فقدت شعبيتها في الداخل، وحوصرت بشكل شديد من كل مصر وإسرائيل"، مضيفة أن "رعاتها الأجانب، مثل قطر، نأوا بأنفسهم عنها، وعلقت تمويلها لمشاريع كانت تعزز قوة حماس".
ويؤكد الكاتب أن المشهد الإقليمي بات معقدا حتى بالنسبة لحركة حماس النشطة، الجماعة التي ولدت في داخل الأزمة والتي كانت تعرف كيفية الخروج من المناطق السياسية الصعبة. ورغم صمودها القوي ومقاومتها للحروب الإسرائيلية والتوغلات، فقد اضطرت الحركة وخلال الأعوام الماضية إلى الإشراف على اتفاقيات هدنة، وعملت كل ما بوسعها للحفاظ على حدود غزة مع إسرائيل خالية من إطلاق الصواريخ. كما وكلف تدمير الأنفاق بعد انقلاب الجيش المصري ضد نظام محمد مرسي في تموز/ يوليو حوالي 230 مليون دولار أمريكي سنويا.
ويقرر أن "إدارة اقتصاد في منطقة فقيرة مثل غزة شيء، لكن الاستمرار في إدارته في ظل حصار قاس كان أمرا مستحيلا".
ويوضح أنه كما في حالة عباس والسلطة الوطنية، فإن الاتفاق فرضته الظروف على حركة حماس، إلى جانب البحث عن أرضية حقيقية للوحدة الوطنية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ففي الحقيقة يقول بارود: "إن اتفاق مخيم الشاطئ سيمنح الفرصة للاستمرار بالعملية السلمية والبقاء على رأس حكومة الوحدة الوطنية والتي ستشكل بعد أسابيع قليلة من توقيع الإتفاق. ورغم أن الحكومات العربية لم تنخرط بشكل مباشرة في جمع الأطراف، كما كان هو الحال في اتفاقيات سابقة في صنعاء ومكة والقاهرة والدوحة، إلا أن بعضها لا يزال يمارس نفوذا.
ويقول إن مصر تملك تحديدا مفتاحا مهما، هو معبر رفع الحدودي مع غزة، حيث تتطلع "حماس" لأي مخرج تهرب منه من الحصار وعزلتها.
ويعتقد بأن مصر تعرف هذا جيدا، ولهذا لعبت لعبة ذكية من أجل التحكم، وفي بعض الأحيان معاقبة "حماس" نظرا لعلاقتها القريبة مع الإخوان المسلمين.
أما الولايات المتحدة وإسرائيل فيرى أنهما تحملان مفاتيح أكبر وقادرتين على سحق اتفاق الوحدة. فقد قام نتنياهو مباشرة بتعليق محادثات السلام، حيث وجد في الاتفاق مع حركة حماس المخرج للهروب والتبرؤ من محادثات عبثية، حمل الفلسطينيون مسؤولية انهيارها. ويتفق الأمريكيون مع الإسرائيليين كما كانوا دائما.
ويختم بالقول إن "المشاهد من غزة تعطي صورة عن الأمل والبهجة، ولكنها لا تختلف عن مظاهر الفرح التي رافقت الاتفاقيات التي فشلت، وفي بعض الأحيان يسير الأمل واليأس معا جنبا إلى جنب، فالمكان الفقير، غزة، ظل ساحة معركة لعدد من الحروب والحصارات المتواصلة، وهو يحن لأية بارقة أمل".